ما هي طبيعة العلاقة التي جمعت بين تنظيم القاعدة وإيران؟

حقيقة يُعيد إلى الأذهان أمر علاقة التنظيمات الجهادية في المنطقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الوقت بالتحديد الخبر الذي نشرته شبكة “سكاي نيوز” الإخبارية نقلًا عن مصادر استخباراتية، يفيد الخبر بأن طهران أطلقت صراح خمسة من قياديي تنظيم قاعدة الجهاد المعروف باسم “تنظيم القاعدة” بعد احتجازهم لفترة غير معلوم مدتها، وقد سمحت لهم السلطات الإيرانية بمغادرة البلاد بحسب الخبر المنقول.
أثار هذا الخبر لغطًا كثيرًا في الأوساط الجهادية من جانب وبين المحللين من جانب آخر خاصة وأنه أتى بعد إبرام إيران الصفقة النووية مع الغرب، وهي النقطة التي اعتبرها البعض محورًا لتغير أداء إيران في المنطقة خاصة فيما يخص علاقتها بكافة التنظيمات الجهادية التي تعادي الغرب، في حين ينفي الجهاديون وجود صفقات بين التنظيم وإيران نظرًا للموقف العقائدي العدائي المتخذ من إيران.
شبكة سكاي نيوز قالت في تقريرها حول هذا الأمر أن ثلاثة من بين الخمسة المفرج عنهم كانوا أعضاء في مجلس شورى تنظيم القاعدة، وقد تم إطلاق سراحهم في مقابل الإفراج عن دبلوماسي إيراني مختطف في اليمن، وأشارت إلى أبرز الأسماء المفرج عنها وهي “أبو الخير المصري” المسؤول السابق للعلاقات الخارجية بتنظيم القاعدة، واسم القيادي في التنظيم “سيف العدل” وهو مصري الجنسية يُنسب إليه تخطيط الهجوم على السفارتين الأمريكيتين في دولتي كينيا وتنزانيا عام 1998، وكذلك اختطاف صحفي أجنبي في باكستان عام 2002.
كذلك ذُكرت أسماء “أبو محمد المصري” وهو ضابط سابق بالجيش المصري وأحد أبرز القادة العسكريين لتنظيم القاعدة ضمن المفرج عنهم في هذه الصفقة، والأردنيان خالد العاروري وساري شهاب، ويشار هنا إلى أن العاروري الملقب باسم “أبو القسام” كان أحد نواب أبي مصعب الزرقاوي في العراق.
خبر الإفراج عن هؤلاء الخمسة قد سمّع في الأوساط الجهادية ولكنه لم يأت من مصادر رسمية داخل تنظيم القاعدة، في الوقت الذي يؤكد البعض أن التنظيم سيتكتم على خبر الإفراج عنهم لحين تكلفيهم بمهام جديدة ربما في إحدى نقاط الصراع المشتعلة باليمن وسوريا والعراق أو ليبيا، وهو ما سيعيد لتنظيم القاعدة توازنه بحسب متابعين.
أما الجانب الإيراني فقد نفى إجراء صفقة تبادل مع القاعدة من الأساس على لسان الخارجية الإيرانية التي قد يكون موقفها متفهمًا في ظل وضعيتها الجديدة مع الغرب ما بعد الاتفاق النووي، حيث رفض دبلوماسي إيراني إداعاءات شبكة سكاي نيوز بمبررات من تلك النوعية التي تُسوّق للغرب، كمحاربة إيران للإرهاب وما إلى آخره، ولكن على أية حال فإن الأنباء المتناقلة بين الجهاديين على مواقل التواصل الاجتماعي تؤكد خروج هذه الأسماء من إيران في الفترة الأخيرة.
هذا الخبر وتداعياته لا شك وأنه ينبش بقوة في الملف الشائك الذي يبحث طبيعة العلاقة التي يمكن أن تكون بين دولة كإيران الشيعية وتنظيم جهادي سني كالقاعدة، وفي هذا الصدد لا يمكن أن نتجاهل معلومة وجود معتقلين لدى إيران من تنظيم القاعدة منذ زمن بعيد، وقد ألمحت إيران إلى هذا حينًا ونفت حينًا آخر، لكن تقارير الاستخبارات الغربية كانت دائمًا ما تؤكد وجود عناصر خطرة من تنظيم القاعدة بحوزة الإيرانيين، ربما لاستخدامهم كورقة ضغط في معركتهم مع الغرب، ولو حاولت إيران تصوير وجود بعضهم كلاجئين أو ضيوف مرحب بهم.
كما سيكون حريًا أن نتحدث عن أن هذه الصفقة الأخيرة التي أثارت الجدل ليست الأولى من نوعها التي يخرج بمقتضاها قيادات من تنظيم القاعدة من إيران إلى المعترك التي تخوضه التنظيمات الجهادية الآن في البلدان المختلفة، فقد أكدت الولايات المتحدة أن التحالف الدولي ضد داعش قتل في ضربات جوية العديد من قيادات جماعة خرسان التابعة للقاعدة ناحية إيران، وقد كان أحد أبرز هذه الأسماء “محسن الفاضل” المفرج عنه من سجون طهرات سابقًا والذي لحق بتنظيم القاعدة في سوريا بعد ذلك.
كل هذا يُصيب الباحثين في العلاقة بين هاذين الطرفين المتضادين بحيرة شديدة، بين تنظيم يُكفر الشيعة من منطلق عقائدي ويراهم “أخطر على الأمة من اليهود” بحسب التعبيرات الأيديولجية للتنظيم، وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ممثل التشيع الأول في المنطقة وصاحبة التمدد والنفوذ الشيعي في الشرق الأوسط.
ومن ضمن مظاهر هذا التناقض أيضًا في هذه العلاقة، ما أفادته العديد من التقارير الصحفية سابقًا أن السلطات الإيرانية وفرت ملاذًا آمنًا داخل إيران لأسرة أسامة بن لادن بعد أن حوصر في مقر إقامته بأفغانستان لفترة، وهو تصرف يبدو لأول وهلة غير مفهوم، لكنه مؤكد الحدوث بعدما ظهرت خطابات أسامة بن لادن بعد مقتله في باكستان، والتي كانت مرسلة لإحدى زوجاته المقيمات في إيران وهو يحذرها من إمكانية تتبع المخابرات الإيرانية لها بعد خروجها إليه.
نستطيع أن نقول أن إيرن كانت تستضيف هؤلاء الأشخاص في صورة أشبه بالإقامة الجبرية كنوع من الضغط على الغرب بمساعدة تنظيمات مناوئة له، كما أن هذه التنظيمات تُعادي أنظمة الخليج بشكل واضح وهو قد يكون باعث براجماتي لدى الإيرانيين في تبنى مواقف مرنة من تنظيم كالقاعدة تمهيدًا لاستخدامها لاحقًا في عدائهم للخليج.
هذا وقد أشارت تقارير استخباراتية إلى أن مكتب الارتباط المختص بتنظيم العلاقات الإيرانية مع التنظيمات الجهادية والذي يُطلق عليه “قراركاه قدس” قام بتسهيل انتقال قيادات من تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى باكستان عبر محطات يُديرها المكتب في المناطق المختلفة هناك، وهو ما عده البعض استغلالًا للتنظيم يتجاوز الأيديولوجيا كثيرًا من جانب الإيرانيين وربما من جانب التنظيم أيضًا، هذا التجاوز يحدث فقط في حالة توحيد العدو –الولايات المتحدة وأنظمة الحكم في الخليج-، وما عدا ذلك فيظهر للعيان خوض تنظيم القاعدة حروبًا شرسة ضد وكلاء إيران في العراق وغيرها من البلدان.
وهذه الرواية تلقى قبولًا سعوديًا بالأساس حيث حاول النظام السعودي الربط دائمًا بين القاعدة وإيران بنفس نظرية توحيد العدو أمام الحليف الولايات المتحدة لإقناعهم بذلك، حيث أكدت السعودية دومًا لجوء أكثر من 100 من أعضاء وعناصر القاعدة وعائلاتهم إلى إيران بعد اجتياح الولايات المتحدة لأفغانستان، وخرجت المصادر السعودية على الإعلام كثيرًا تقول أن هؤلاء أقاموا في إيران تحت حماية الحرس الثوري الإيراني الذي وظف عدائهم للخليج واستثمره في تنسيق أهداف مشتركة.
لا يمكن القول بأية حال أن القاعدة وإيران قد اتفقا عيانًا كما تروج السعودية في ذلك الحين، فلا يمكن أن تتماهى أيديولجية القاعدة شبرًا مع إيران، ولكن ما حدث يمكن أن نصنفه توظيف واستخدام متبادل في ظروف فرضها الواقع والتاريخ وانقضت ثم تلتها مرحلة الحرق، تلك المرحلة التي على سبيل المثال يمكن أن تأتي في مفاوضات جديدة مع الغرب أو صفقة تغير من شكل التحالف.
وقد حدث هذا بالفعل مع صهر أسامة بن لادن “سليمان أبو غياث” الذي أواته إيران حينًا من الدهر ثم أبعدته فجأة إلى تركيا وما لبث أن نجحت الأردن في اعتقاله، وهذه هي مرحلة الحرق التي نتحدث عنها فقد تم تسليم أبو غياث بطريقة غير مباشرة بدلًا من تهريبه إلى باكستان مثلا، وقد حدث ذلك بالتأكيد على خلفية توترات في العلاقة بين التنظيم وإيران، هذا الدور الإزدواجي الإيراني في التعامل مع عناصر القاعدة لم يغب عن أسامة بن لادن بحسب ما كشفته الرسائل التي عُثر عليها في أبوت آباد حيث قُتل، فقد رأى بن لادن أن إيران تلعب دور الوشاية بالتنظيمات الجهادية بعد استقطابها.
كما أكدت تحليلات أن عملية مقتل سعد بن لادن نجل أسامة بن لادن على الحدود الإيرانية الباكستانية بواسطة طائرة بدون طيار أمريكية تمت بإشراف إيراني عبر بعض العملاء الذين أبلغوا عن رحلات سعد بن لادن ومن إلى إيران.
قد تُفسر هذه الأحداث السابقة حديث أبي محمد العدناني مؤخرًا القيادي بتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش والمتحدث باسمه، عندما تكلم في أحد إصداراته المهاجمة لتنظيم القاعدة عن طلب قيادات تنظيم القاعدة منهم في السابق عدم توجيه ضربات إلى إيران، وهو ما يؤكد أن ثمة روابط جمعت بين القاعدة وإيران أراد التنظيم الحفاظ عليها عبر حماية إيران من هجمات الجهاديين، لتقدم هذه المعلومة إجابة على التساؤلات التي ظلت تُطرح طوال فترة طويلة حول سبب عدم استهداف التنظيمات الجهادية للداخل الإيراني رغم وجود كل هذا العداء بينهم.
الأمر كان محل دراسة لدى الغرب، وهي القضية التي عنيت بها مؤسسة (IHS) لاستشارات الدفاع والمخاطر والأمن في إصدار حمل عنوان “علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة.. تحالف مستبعد”، وقد قدم الإصدار عدة وثائق تشير إلى وجود هذه العلاقة التي تجمع ما بين إيران وتنظيم القاعدة، وهو نفس الأمر الذي أكده التقرير الرسمي للجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر المنشورفي عام 2004.
وقد أكدت هذه التقارير أن تعامل إيران مع تنظيم القاعدة سابق لهذا التاريخ، إذ يعود لفترة التسعينيات إبان تواجد قيادات التنظيم في السودان، نظرًا لتوطد علاقة الإيرانيين بالنظام السوداني هناك، ولكن لم تشر هذه التقارير إلى وجود تحالف صريح بين إيران وتنظيم القاعدة لكن اكتفت التقارير بوصف وجود “المفاوضات الغير مباشرة” بين الطرفين.
فدائمًا ما كانت إيران قادرة على تجاوز خلافها الأيديولوجي في سبيل مصلحتها البراجماتية في الشرق الأوسط ويظهر ذلك في تعاملها مع القاعدة ويتضح أكثر في تعاونها مع حركة حماس، هذه المرونة الإيرانية منحتها نقاط قوة في الملف الفلسطيني على سبيل المثال عن طريق علاقتها الوطيدة بحركة حماس، وهو الأمر الذي تطوعه لخدمة مشروعها الأيديولوجي، وكذلك الحال كان مع تنظيم القاعدة حين كانت تستخدمه في زيادة وتيرة الهجوم على الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وقد تساوم الولايات المتحدة على خفض هذه الوتيرة مقابل بعض التهدئة، وقد تدفع ثمن هذا من رؤوس قادة تنيظم القاعدة عبر الوشاية الاستخباراتية أو غيره.
كما يمكن اعتبار ذلك نجاحًا لإيران في تحاشي خطر القاعدة في ذروة قوتها، إذ لم تتعرض إيران كغيرها من الدول حينها لهجمات القاعدة، ولكن ربما يرى البعض أن هذه العلاقة لم يستفيد منها طرف واحد دون الآخر، حيث نجح التنظيم في تأمين ملاذ لقادته بعد غزو أفغانستان، كما نجح في استخدام الأراضي الإيرانية مرارًا لأغراض عملياتية في أفغانستان وباكستان والعراق، كذلك في أمور تدريب المقاتلين على الحدود مع إيران تحت وسمع وبصر الإيرانيين ولكن مع غض الطرف تمامًا.
هذه العلاقة بدت في أوج تناقضاتها في الفترات الأخيرة لا سيما مع بداية الثورة السورية، حيث اختلفت وجهة النظر الإيرانية التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد بالمال والسلاح والمقاتلين وتنظيم القاعدة الذي أنشئ فرعًا في سوريا لقتال النظام الأسدي، ومن ضمن أبرز هذه التناقضات العجيبة في هذا الشأن، هو ما صرح به “ديفيد كوهين” وكيل وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، حيث يؤكد أنه لا تزال بعض الشبكات المرتبطة بالقاعدة المدعومة إيرانيًا ترسل الأموال والمقاتلين لسوريا لقتال نظام الأسد، بينما تُرسل إيران بالمليشيات الشيعية والحرس الثوري إلى هناك للقتال بجوار بشار الأسد.
وقد نستطيع القول في هذا الصدد أن موقف إيران من الغرب قد تغير حثيثا بسبب الصفقة النووية، لكن في نفس الوقت لا تريد إيران أن تقطع حبلها الموصول مع التنظيمات الجهادية تحسبًا لأي طارئ في هذه العلاقة التي لا تزال هشة بين إيران والغرب، والمستخلص من طبيعة العلاقة الأخرى بين إيران وتنظيم القاعدة أن المصالح قد تجبر ألد الأعداء على تجاوز العدواة ولو على سبيل التأقيت.