بعد عشر سنوات من الاختبارات المتتالية لديمقراطية الإسلاميين، اختبر الأتراك اليوم ديمقراطية “العلمانيين”، ومدى تبني علمانيي تركيا للحريات وتحملهم لها، فالإسلاميون المتهمون دائما بمحاولة فرض نمط عيش محافظ، وبرفض نمط العيش المتحرر، قبلوا طيلة سنوات الحكم العشر التي أمضاها أردوغان في قصر الحكومة وعبد الله غل في قصر الرئاسة بنمط العيش الذي وجدوا أسلافهم عليه، ولم يكسروا بروتوكولات الضيافة ولم يمنعوا الخمور في الحفلات الرسمية ولم يجبروا، كما لم يمنعوا، امرأة واحدة على ارتداء لباس معين.
وعلى عكس ما ظنه الكثيرون بعد إعلان رئيس الوزراء التركي عن حزمة الإصلاحات الديمقراطية الجديدة قبل أسابيع، لم تنتظر قاعات البرلمان التركي حتى الانتخابات البرلمانية التركية القادمة حتى تدخلها أول امرأة محجبة منذ تأسيس الجمهورية التركية، فأربع سيدات من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم، أعلن بعد عودتهم من أداء شعائر الحج، عن ارتدائهن للحجاب وعن نيتهن دخول البرلمان بالحجاب، مؤكدين أنهن لن يخلعن حجابهن أبداً.
وتعتمد السيدات في قرارهن هذا، على حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعلنها أردوغان مؤخراً، والتي سمحت بلبس الحجاب في المؤسسات الحكومية، وكذلك على عدم وجود أي نص قانوني يمنعهن من دخول البرلمان بالحجاب، مشيرين إلى أن منع الحجاب داخل البرلمان سابقا، كان بعرف تعسفي اعتبر الحجاب من جملة “الرموز الدينية” التي يمكن أن تؤدي إلى العنصرية وكراهية الآخر.
حزب الحركة القومية التركي ، MHP، المعارض بشدة لحزب العدالة والتنمية، أعلن عن موقف مسبقا، وأكد عدم معارضته لدخول السيدات المحجبات للبرلمان التركي، شأنه في ذلك شأن حزب السلام الديمقراطي الكردي، BDP، المعارض أيضا، في حين دخل حزب الشعب الجمهوري، CHP، الوريث ألحصري للفكر الأتاتركي العلماني، في سجال إعلامي مع حزب العدالة والتنمية حول هذا الموضوع.
فرئيس مجلس الأمة، المحسوب على حزب الحرية والعدالة، AKP، أعلن قبل أيام، أن النظام الأساسي للمجلس لا يتضمن أي نص بمنع الحجاب داخله، ليكون رد الحزب الجمهوري بأنه لا يمكن السماح بالحجاب بحجة أنه غير منصوص عليه، ليكون الرد قاسيا وساخرا من قبل أحد قيادات حزب العدالة والتنمية، والذي تحدى الحزب الجمهوري بأن يمنع النائبات من دخول البرلمان قائلا: “”إن استطعتم فافعلوا”.
واليوم وبعد تمكن النائبات المحجبات من دخول قاعة البرلمان، ورغم إقراره لأهمية ما حصل، أشار رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، مصطفى إليتاش، إلى أن حزب الشعب الجمهوري لم ينجح في الاختبار، وإلى أن نواب الحزب الجمهوري بذلوا كل ما في وسعهم لمنع النائبات المحجبات من دخول البرلمان، مؤكدا على أن الحزب الجمهوري قَبِل مكرها بدخولهن إلى قبة البرلمان.
ويذكر أن علمانيي تركيا، فشلوا سابقا في ذات الاختبار، يوم كانت السلطة في أيديهم، عندما منع رئيس الوزراء التركي الأسبق بولند أجاويد النائبة التركية مروة قاوقجي سنة 1999 من دخول البرلمان، واشتهرت صورته وهو يصرخ داخل قاعة البرلمان: “أخرجوا هذه السيدة من هنا”، وهو ما حصل فعلا، إذ منعت مروة من دخول البرلمان، ولم تنل من الحرية الشخصية ما نالته نائبات حزب العدالة والتنمية اليوم.
محللون عرب كثيرون تابعوا تطورات القضية خلال الأيام الماضية، وكثيرون منهم أشاروا إلى نقطة اعتبروا أنها يجب أن تكون درسا للأحزاب الإسلامية الناشئة في العالم العربي، وذلك بالإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية التركي، ورغم وصوله للحكم منذ أكثر من عقد، لم يبادر إلى كسب معركة الحجاب داخل البرلمان منذ أيامه الأولى، رغم مشروعية تصوره قانونيا ومنطقيا، وإنما انشغل في السنوات الأولى بهموم أخرى مشتركة بين كل أطياف الشعب، مثل الاقتصاد والعدالة.