“الرحلة ليست صعبة، أنا شخص عادي، بل أقل من العادي، ولكنني أقوم بتلك الرحلة حول العالم لأُثبت لأي شخص بأنه يمكنه القيام بها”، “كارل بوشبي” مُغامر إنجليزي.
بدأت الرحلة عام 1998 في “تشيلي”، أمريكا الجنوبية، عندما كان كارل في مهمة عمل له، حيث كان يعمل في سلاح المظلات في الجيش قبل تقاعده، بدأت مغامرته غير العادية في السير حول العالم، لتبدأ رحلته من جنوب أمريكا الجنوبية مرورًا بأمريكا الشمالية، ثم ألاسكا ليعبر منها إلى روسيا حتى يصل إلى موطنه “إنجلترا”، والتي لم يرها منذ بداية الرحلة التي لم تنته بعد، حيث دامت أكثر من 16 سنة، قطع خلالها 18.000 ميلًا.
صورة توضح الرحلة المتوقعة لـ “كارل”
بدأ كارل رحلته في تشيلي، جنوب أمريكا عام 1998، بعد أن قرر أنه لا يريد أن يفشل في حياته مجددًا، بعد فشل زواجه الأول عام 1995 وعدم رؤيته لابنه منذ ذلك الحين عنما قررت زوجته السابقة حرمانه منه وانتقلت للعيش في شمال “أيرلندا”، بعدها قرر كارل من بدأ الرحلة حول العالم سيرًا على الأقدام من تشيلي، ثم وصل منها إلى الولايات المتحدة ومنها إلى كندا، ليعبر في رحلة خطرة إلى “ألاسكا” مع رفيقه المُغامر “ديمتري” لعبور مضيق “برينغ” من خلال السباحة في المياه المتجمدة.
بعد وصول كارل إلى نصف المسافة المتوقعة وهي 36.000 ميل عند وصوله شرق “سيبيريا”، قررت السلطات الروسية في 2011 إحباط رحلة كارل بمنعه من دخول روسيا لمدة خمس سنوات وحرمانه من تأشيرة الدخول، وذلك إثر محاولة دخوله إلى روسيا بطريقة غير شرعية عن طريق مضيق برينغ من خلال سباحته في المياه المتجمدة التي تفصل ما بين ألاسكا وروسيا، في واحدة من أقسى البيئات الموجودة على وجه الأرض، ودرجات حرارة شديدة الانخفاض، لتقرر روسيا اعتقاله لمدة 58 يومًا بعد أن فتشت حاسوبه لتجد صورًا له بالزي العسكري أثناء خدمته في الجيش، وبعد أن تمّ استجوابه من قِبل الشرطة حول شكوك السلطات في كونه جاسوس، قررت روسيا ترحيله إلى آخر نقطة وصل إليها لتمنعه من إتمام رحلته المرجوة وتضعه على القائمة السوداء.
“لقد تعاملت مع أمراض معدية خلال رحلتي، لقد تمت سرقتي عدة مرات، أنا أقاتل من أجل هذا الحلم لمدة 16 عامًا، لقد قررت أنني لن أفشل مرة أخرى في حياتي، إذا فشلت، لن أستطيع مواصلة حياتي مرة أخرى”.
يتخذ كارل استراحات طويلة في رحلته تصل لحد لسنوات، بالإضافة إلى أنه لن يتمكن من العودة إلى وطنه إلا في عام 2018 بسبب منع روسيا له من الدخول، بالإضافة إلى المشاكل التي تعرض لها خلال تلك الاستراحات، حيث مكث كارل في المكسيك مدة طويلة بسبب الضائقة المالية التي مر بها، فمنذ عام 2010 احتاج إلى راعي مالي لرحلته، واستطاع الحصول على ذلك من المدير التنفيذي لـ “House Of Cards” – مسلسل تلفزيوني أمريكي – والذي تبنّى رحلته ماليًا وقرر تصويرها وتسجيلها وثائقيًا بالكامل بالتعاون مع قناة “ناشونال جيوجرافيك”.
إعلان فيلم حول العالم سيرًا على الأقدام
سر في الاتجاه المعاكس
بالمساعدة المالية أيضًا من “ناشونال جيوجرافيك”، برزت فكرة أن يسير كارل في الاتجاه العكسي، أي عكس ما خططه لرحلته حول العالم، في أن يذهب من لوس أنجلوس إلى واشنطن دي.سي حيث السفارة الروسية سيرًا على الأقدام، في محاولة أخيرة لطلب تأشيرة الدخول من جديد، ليضيف إلى المسافة المحددة 3000 أميال إضافية لم تكن في الحسبان، والتي دامت لأكثر من 12 شهرًا داخل الولايات المتحدة، حيث سجلت عنها قناة “ناشونال جيوجرافيك” فيلمًا وثائقيًا بعنوان “حول العالم” لتسجل رحلات كارل اليومية أثناء عبوره بين الولايات الأمريكية في محاولة لهزيمة القرارات البيروقراطية.
يقول كارل عن فكرة السير في الاتجاه المعاكس في تقرير له على “واشنطن بوست”: “لم تكن الفكرة فكرتي، عندما علمت بالأمر تصوّرت الفكرة سخيفة، بل من أسخف الأفكار على الإطلاق، ولكنها كانت السبيل الوحيد لإتمام رحلتي، ويبدو أنها نجحت بالفعل، أخبرني الجميع أن لا مفر من العودة إلى إنجلترا في كل الأحوال، لقد أحبطت روسيا المحاولة وانتهى الأمر، إلا أنني قد قررت ألا أعود لوطني قبل إتمام رحلتي، على الرغم من أنني تيقنت أن روسيا لن تمنحني تأشيرة للدخول حتى وإن انتهى الحظر المفروض عليّ لمدة خمس سنوات، إلا أنني قررت المحاولة من جديد في رحلة الولايات المتحدة، والآن أنا أستعد أن أعود إلى روسيا من جديد بالفعل، لقد أعطوني التأشيرة بعد العديد من الاستجوابات، ولقد تم اتهامي بأنني جاسوس وعميل، إلا أنني لا أهتم، سأعود إلى روسيا، وسوف أكمل رحلتي”.
بعد أن منحته روسيا تأشيرة الدخول من جديد في عام 2014، يقول كارل إنه أبعد ما يكون عن التخلي عن رحلته، منذ عام 1998 وبعد المرور بكل الضائقات المالية، وظروف الرحلات الصعبة لم يتخل عن حلمه، ولن يعود إلى موطنه إلا بعد عبور روسيا، الصين وكازخسان، والذي يتوقع بأنها ستكون أسهل رحلاته للعودة إلى منزله ومُباشرة حياته من جديد بعد 18 عامًا من الغياب.
ما بين الغابات والصحارى، بين النوم في الشوارع أو في الفنادق الرخيصة، بين عبور الأنهار أو السباحة في المياه المتجمدة، يقول كارل: لم يعد لي مكان أسميه الوطن، لا علاقة في حياتي ثابتة، ولا وجوه متكررة في حياتي بعد الآن، لقد أصبحت المُغامر الذي طالما حلمت به، أن أكون في مكان غريب ومرعب وحدي وبدون خريطة للطريق هو أمر مخيف حقًا لكنني هزمت الخوف منذ زمن ، وما تبقى لي هي 2000 ميل فقط على إنهاء رحلتي”.
“يبدو أنني أبعد مما يكون عن مرحلة التخلي عن كل شيء والعودة، يتطلب الأمر رجل أقوى مني لاتخاذ القرار الحكيم بأن يتقبل الهزيمة ويعود أدراجه، ولكنني أعرف حقيقة واحدة، وهي أنني سأعيش حياة لمرة واحدة فقط، ولكل طريقته في اختيار كيف تكون تلك الحياة، وأنا اخترت ذلك الطريق منذ أكثر من 16عامًا، لدي قوى خارقة كالتي يمتكلها أبطال الروايات الخيالية، قوتي في أنني أتجاهل فكرة الفشل”، “كارل بوشبي”.
محمد مؤمن: مثال عربي حديث للرحّالة
أسماه الكثيرون “ابن بطوطة العصر الحديث”، اتخذّ “محمد مؤمن” طريقًا مختلفًا للترحال لا يحبذه معظم الرحّالة أو المغامرون، ذلك الطريق كان في رحلته حول إفريقيا، في محاولة لإكتشاف القارة من جديد، حيث يرى “محمد مؤمن” أن إنتماء دول شمال إفريقيا يكون مائلًا بدرجة كبيرة نحو العروبة والإسلام أكثر مما هو للقارة التي يقعوا فيها، إلا أنه في رحلته حول العديد من البلاد الإفريقية والتي بدأت من جنوب مصر إلى السودان ومنها إلى جنوب السودان حيث بدأت رحلته البرية حول إفريقيا ،وجد الكثير من الصفات المشتركة بينهم وبين العرب، والتي تغيب عن العرب الواقعين في شمال القارة، حيث وجد ترحابًا لم يكن يتوقعه في كثير من الدول به، كونه ممثلًا المصري العربي القادم من الشمال، لم تفارقه كلمة “ابن النيل”، حتى وبعد أن يعرفوا إسمه وكنيته، إلا أن “ابن النيل” هو رمز المصري عند كثير من البلاد التي مرّ بها وكان أهمها السودان.
يقول “محمد مؤمن” في لقاء تلفزيوني له على إحدى القنوات المصرية بأن الرحلة لا تستحق رجلًا ثري أو خارق للعادة، من الممكن لأي شخص القيام بما فعله في رحلته، لقد إستخدم المواصلات البرية والتي لم تكن تُكلّفه شيئًا على الإطلاق، كان أعلاها سعرًا هي الحافلة التي نقلته من أسوان إلى الخرطوم وكان سعر التذكرة 360 جنيهًا مصريًا فقط، ولكنه يوضح تفاوت الأسعار بين المواصلات التي إستخدمها للتنقل بين البلاد، فمثلًا قد إستقل حافلة تنقله من” جوبا” عاصمة جنوب السودان إلى “كامبالا”، عاصمة أوغندا، ولم يكلّفه الأمر سوى 120 جنيهًا مصريًا، ولكنه يوضح المخاطر في كون الطرق غير ممهدة، كما أن الرحلة يمكن أن تمتد في الحافلة إلى أكثر من ثلاثين ساعة، ثم من “أوغندا” إلى “كينيا” وملاحظة الرحالة المصري التدخل الإسرائيلي الملحوظ في الإسثمارات الأجنبية الموجودة في كثير من البلاد الإفريقية، حيث يُعبّر بحد قوله أنه وجد إفريقيا وكأنها مازالت مُستَعمَرة، بالإضافة إلى حلم العديد من الشباب الإفريقي البسيط بالهجرة إلى إسرائيل.
محمد مؤمن واصفًا رحلته
“وبالسير نحو 5 الآف كيلو متر برا في بلاد يخترقها نهر النيل وبالوصول إلى منابعه؛ تحقق الحمد لله الهدف الأول من رحلتي إلى إفريقيا، حيث تأكدت أن مستقبل الأجيال القادمة في خطر حقيقي، وأنا الحكومات المتأخرة لمصر أضاعت إفريقيا وتركتها لعدوها – ولغيره – فلاهى أصلحت الداخل ولا حافظت على الخارج، ولست أكتب اليوم لأبكي على الأطلال، وإنما أكتب أملا في شباب يذهبون إلى إفريقيا بالخير وطلبا للخير الذي فيها كما فعل أجدادهم من قبل، وكما سبق إلى ذلك سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم حين أمر بهجرة المسلمين الأولى أن تكون إلى هنا، إلى إفريقيا.”