“إذا تضاعفت صادراتنا من النفط وانخفضت الأسعار بمعدل كبير، فليست لدينا أية مشكلة لأننا قد اعتدنا العيش والصمود في ظل انخفاض أسعار النفط والحصار. الآخرون هم من يجب أن يشعروا بالقلق”.
هكذا صرح في السابق وزير النفط الإيراني “بيجن نمدار” متحدثًا عن هبوط أسعار النفط لمستويات متدنية بسبب سياسات الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، حيث ينتظر من الإيرانيين بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب ورفع العقوبات عن طهران أن تعود صادراتهم النفطية إلى السوق العالمي باندفاع كبير، ولكن مع الوضع الحالي فإن الأمر قد لا يؤتي بالثمار المرجوة مع انخفاض أسعار النفط.
يتوقع الخبراء أن هذا الدخول الإيراني إلى سوق النفط الدولي بارتفاع في الإنتاج النفطي لطهران سيفاقم من التوترات داخل منظمة الدول المصدرة للنفط المعروفة باسم “أوبك”، حيث تسعى إيران حاليًا إلى إعادة معدلات إنتاجها إلى المستويات الطبيعية التي كانت قبل العقوبات الاقتصادية، إذ أن هذا القطاع قد تأثر في إيران تأثرًا شديدًا جراء قرار حظر استيراد النفط من إيران، وهو الأمر الذي خفّض الإنتاج الإيراني من النفط من 2,2 مليون برميل يوميًا في منتصف 2012 إلى 1,2 مليون برميل فقط، وقد استفاد الخليج من هذا الأمر في حينها الذي عوض نقص النفط الإيراني في السوق.
رفع إيران انتاجها النفطي يقابله أيضًا رفع خليجي، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تدهور الأسعار أكثر فأكثر بسبب التشبع الذي أصاب سوق النفط الذي وصفه اقتصاديون بأن سوق النفط العالمي في حالة “تخمة” من كثرة المعروض مع رفض الدول الخليجية بزعامة السعودية تخفيض مستويات انتاجها.
هذه الحالة الجديدة التي أحدثتها الصفقة الإيرانية النووية مع الغرب، جعلت الإيرانيين يبحثون عن حلفاء في سوق النفط لحل أزمة الأسعار بعيدًا عن تعنت الخليج الذي يستثمر سلاح النفط في معاقبة إيران بتخفيض الأسعار، مع زيادة العرض وقلة الطلب بسبب كساد الاقتصاد العالمي، إذ رأت طهران أن بغداد لا زالت مستمرة في زيادة صادراتها النفطية، كذلك الأمر تريده إيران، وبالتزامن مع حالة وئام سياسية بين الدولتين حاليًا، يرى متابعون أن إيران لن تتأخر كثيرًا في إقامة تحالف مع العراق لمواجهة الخليج نفطيًا.
هذا التحالف من شأنه التنسيق للرد على السعودية في مسألة خفض أسعار النفط وذلك لمعادلة الضغط الخليجي في منظمة “أوبك”، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على صادرات الخليج النفطية المتأثرة وحدها لا سيما في دولتي الكويت والسعودية بعد أن استحوذتا في السابق على حصة إيران المفقودة من تصدير النفط إلى السوق الآسيوية إبّان فترة العقوبات، والآن بعد الاتفاق النووي ورفع الحظر عن صادرات إيران النفطية ستعمل إيران مع حلفيتها السياسية العراق على إنشاء شراكة نفطية لغزو الأسواق الآسيوية والأوروبية، وذلك لسحب البساط من تحت أقدام الخليجيين.
وهذا يُعتقد أنه سيسمح لإيران بضخ 400 ألف :500 ألف برميل يوميًا إلى السوق العالمي خلال أشهر قليلة، كما سيتيح لإيران أيضًا فرصة بيع النفط المخزن من فترة العقوبات، إذ تخزن إيران كميات هائلة من النفط الخام وصلت تقديراتها إلى نحو 40 مليون برميل في ناقلات عملاقة تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية.
سيترتب على إعادة تدفق النفط الإيراني والعراقي بهذه الصورة إلى مضاعفة الكارثة الاقتصادية لدى دول الخليج التي تعاني أصلًا بسبب هبوط أسعاره في الشهور الماضية، مما أثر سلبًا على الميزانيات العامة لدول الخليج في ظل حالة نقص السيولة والاحتياطي النقدي الأجنبي، ما استدعى وجود ترشيد للإنفاق بالإضافة لظهور الحاجة لتعديل سعر البرميل المستخدم في الميزانية السنوية لدول الخليج ليواكب هذه التطورات القادمة في السوق النفطي العالمي.
منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” قررت على الرغم من المطالبات العديدة والضغوط الحفاظ على مستويات إنتاج النفط السابقة مع كل هذا التدني في الأسعار ولكن هذا القرار وراءه ضغط من الدول الخليجية الأقوى في أوبك لاسيما السعودية ، وذلك بهدف إبقاء الأسعار منخفضة وإجبار منافسيها على الخروج من السوق، لاسيما منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
هذا القرار أثار غضب الدول الأقل إنتاجًا في أوبك التي تدفع ثمنه أكثر من دول الخليج مثل الجزائر وأنجولا وفنزويلا وليبيا، مما دفعهم إلى المطالبة بخفض إنتاج المنظمة للمساهمة في تعديل الأسعار، وبالتالي تعزيز عائداتهم المالية من النفط القوام الأساسي لاقتصاديات هذه الدول، لكن حتى الآن ترفض السعودية هذه المطالبة بحجة أن على جميع مصدري النفط في العالم فعله وليس مجموعة الدول المنضمة لأوبك فقط لمواجهة أزمة الأسعار، وجدير بالذكر أن السعودية تنتج وحدها حوالى 10,3 ملايين برميل يوميًا، أي ثلث إنتاج المنظمة.
هذه التوترات في المنظمة قد تدفع إلى تفجيرها من الداخل، ولكن إيران تعمل على اجتذاب حلفاء لها فيما يبدو لتكوين لوبي يُعيد إلى منظمة “أوبك” توازنها أو بحسب ما وصف محللون الأمر بأنه نواة لـ “أوبك مصغرة” ضد اللوبي الخليجي في سوق النفط، والأقرب حاليًا في الانضمام لهذه النواة حتى الآن هي العراق بسبب التوغل الإيراني السياسي بها عقب الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو ما يساعد على إدارة وتوجيه دفة قطاع النفط بها.
كما ستكون إيران المستفيد الأول من غزو النفط العراقي للسوق العالمية، لأن العراق حاليًا تعمل على زيادة إنتاجها من النفط لتزويد عوائدها المالية بعد أعوام من الركود الاقتصادي بسبب الأوضاع السياسية، وهو الأمر الذي دفع بالعراق للقيام بزيادة في قدرتها التصديرية النفطية.
ومع حدوث هذه العملية فإن المستفيد الخارجي الأكبر من هذه الزيادة سيكون الحليف الإيراني، الذي يضمن السيطرة على هذا القطاع في العراق عبر شبكة تحالفات مع التنظيمات السياسية الشيعية، وهو ما سيجعل هذه العائدات النفطية في منتاول طهران إذا نسقت أمر تصدير النفط مع العراق عبر قنوات رسمية أو غير رسمية لاستخدامها ضد الخليج في عملية موازنة نفطية عبر هذا التحالف الإيراني العراقي الذي قد يتسع ويشمل دول صغيرة من داخل منظمة أوبك ودول أخرى من خارج المنظمة.