غزة أيضا استقبلت اللاجئين السوريين!

“وريف قاسم” هو أحد اللاجئين السوريين، عمره 35 عامًا، هرب من قذائف النظام في حلب عام 2012، وهو في طريقه إلى تركيا لم يكن يتخيل قط أنه يهرب من منطقة حرب إلى منطقة حرب أخرى، لكي تسوقه الأقدار من قذائف النظام في حلب إلى صواريخ إسرائيل على غزة في حرب الصيف الماضي الأخيرة، والتي استمرت 51 يومًا داميًا.
يروي وريف قصته لـ”سوريان ديبلي”، وكيف أوصلته رحلة البحث عن عمل في كل من تركيا ومصر إلى طلب الالتجاء في غزة، وتحمّله حرب الـ51 يومًا مع أهلها، والعمل بها، والوصول للشهرة فيها بفتحه لواحد من أشهر المطاعم السورية في القطاع، بالإضافة إلى تكوين حياته الجديدة هناك بزواجه من إحدى الصحافيات، يقول “وريف” بأنه ليس السوري الوحيد في غزة، هناك أكثر من 24 عائلة سورية هناك قد وصلوا قبله، هربوا من ويلات الحرب في سوريا ليعيشوها في غزة.
هرب وريف من صواريخ النظام في حلب عام 2012، ليسير 7 كيلومترات حتى وصل إلى منطقة آمنة خالية من القصف الجوي، وهي منطقة العزاز في ريف حلب، ظل هناك لأسبوع كامل ومن ثم بدأ القصف من جديد، وبعد أن سبقته عائلته بشهور إلى تركيا، تسلّم جواز سفره وأوراقه الرسمية وارتحل إلى تركيا هو الآخر طالبًا العمل والاستقرار هناك، إلا أن في عام 2012 كان الوضع لا يُشجع السوريين على البقاء والعمل بحرية، فكان معظم اللاجئين يعيشون في المخيمات التي تقدمها الحكومة التركية، ويتلقون المساعدات الغذائية من منظمات الإغاثة المحلية والدولية، لذا كان أمام “وريف” خيارين، إما أن يجد عملًا في إسطنبول أو أن يذهب إلى مصر، ليختار رحلة العمل في مصر بدلًا من تركيا.
وجود ابن عمه في مصر شجعه على القدوم، حيث إن فرصة العمل في المطاعم السورية في مصر متوفرة ومتنوعة في العديد من المدن المصرية سواء في القاهرة أو غيرها، بالإضافة إلى حصوله على شهادة الهندسة الميكانيكية، مما جعله يفكر جديًا في العمل في مصر والاستقرار بها، فبدأت رحلته من ميناء بورصة في تركيا إلى ميناء بورسعيد في مصر، في رحلة استغرقت 44 ساعة في البحر في جو ممتع ومتعب في آن واحد، يصور “وريف” مصر بأنها تختلف كثيرًا عن سوريا، حيث كانت مكانًا مختلفًا تمامًا بالنسبة لما زاره من قبل في تركيا ولبنان.
بدأ العمل في القاهرة في إحدى المطاعم السورية إلا أنه لم يستطع كسب معاش يكفي احتياجاته الشهرية للحياة، نظرًا للوضع الاقتصادي السيء في مصر، بالإضافة إلى وجود منافسة عالية بين السوريين وبعضهم في مصر؛ نظرًا لعددهم الكبير فيها، فكان العديد منهم قد فتح مطاعم سورية بالفعل، لذا قرر وريف أن يعمل في مشروعات مختلفة، كالخدمة في الفنادق، أو تنظيم العشاء المفتوح في الحفلات، إلا أن كل ذلك لم يُساعده على مواكبة ظروف الحياة، في تلك الأثناء قابل رجلًا فلسطينيًا أخبره أن صديقه قرر فتح مطعمًا في غزة، ويريده أن يعمل فيه كـ”شيف”، كانت ردة فعل وريف في البداية عنيفة، حيث قال “هل جننت، هل أهرب من الحرب في سوريا لأعيشها في غزة؟”
بعد أن نظّم له أحد الأصدقاء رحلة إلى بولندا للعمل هناك في أحد المطاعم العربية، بل وبعد حجز تذكرة الطيران والاستعداد للسفر في مطار القاهرة، قابله صديقه الفلسطيني من جديد ليحاول اقناعه بالقدوم إلى غزة بدلًا من بولندا، ليقول وريف إنه وجد نفسه يوافق على العرض بشرط أن يكون مرتبه 2.500 دولار شهريًا، ليُقَابل عرضه بالموافقة.
يقول وريف، “أعرف أنه كان قرارًا مخيفًا، لقد كنت أخشى ما أنا مُقدم عليه، لكنني قررت الذهاب إلى غزة لمدة 10 أيام لأرى الوضع بنفسي ومن ثَم أقرر”.
اندهش كل من في غزة من قدوم وريف للعمل هناك، فقد تلقى أسئلة توحي بأنه لا بد له من أن يكون نصف سوري ونصف فلسطيني، إلا أن وريف سوري الأصل بالكامل، وجاء للعمل في غزة بالفعل، حيث بدأ في تقديم الأطباق السورية الأصلية ليجد ترحابًا من أهالي غزة به وبعمله بينهم، ويجد شهرة عجيبة وحب من الأهالي داخل غزة.
عاش “وريف” في قطاع غزة لمدة خمسة أشهر، أصبح من الصعب بعدها أن يرحل للبحث عن عمل آخر في بلد أكثر أمنًا، لقد اقترب من الناس وأحبهم، وأراد أن يكمل حياته معهم، فقد بدأ حياته الزوجية مع إحدى مراسلات قناة “فرانس 24″، والتي أجرت معه لقاء من قبل حول عمله في غزة، ليتزوجا بعدها ويعيشوا في القطاع.
أثناء حرب إسرائيل الأخيرة على غزة في يوليو 2014، أغلق وريف مطعمه، بل وتمّ تدميره جزئيًا جراء القصف الإسرائيلي، ليكمل أيامه بدون عمل لأكثر من شهر، إلا أنه كان يساعد زوجته لأداء عملها الصحافي في غزة وقت الحرب، حيث إنها مراسلة القناة الوحيدة داخل القطاع، ويقول، “كان يجب علي أن أساعدها لتظهر حقيقة القتل والتدمير الذي تمارسه إسرائيل في القطاع”.
يصف وريف غزة بعد الحرب بأنها كانت ميتة، ولم يعد من الممكن له أن يفتح مطعمًا جديدًا بمشاركة أحد أصدقائه، إذ تهدمت معظم البنايات، وكان عليه أن ينتظر لأربعة أشهر أخرى ريثما تتوفر مواد البناء، ويروي في التقرير أنه لم يقرر الهروب مجددًا، على الأقل انتهت الحرب في غزة، فلو كان في سوريا، لظل تحت وطأة الحرب لمدة لا يعلمها إلا الله.
كان الأمر شاقًا عندما قرر بناء مطعمًا جديدًا، نظرًا لعدم توافر مواد البناء بسبب الحصار الإسرائيلي للقطاع، وبعد أن تمّ البناء، أسماه “سوريانا”، حيث يقول بأن سوريا هي أمّنا جميعًا لذا يجب أن يكون المطعم بذلك الاسم.
هناك 24 عائلة سورية في غزة بالإضافة إلى “وريف”، كلهم لا يستطيعون ترك غزة، حيث انتهت صلاحية جوازات سفرهم ولا يستطيعون تجديدها، ولا يستطيعون كذلك الحصول على عمل، لقد تلقوا بعض المساعدات الإنسانية بالفعل، ولكن لا لوم على أهالي غزة، فالكل مُتذمّر من الوضع، الكل يعيش في حالة حرب وحصار، يقول وريف إنهم بالفعل تواصلوا مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين في القاهرة وكذلك الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم لم يتلقوا استجابة بخصوص مشكلة تجديد جوازات السفر، لقد قرر العديد من العائلات السورية السفر إلى القاهرة عن طريق معبر رفح بعد الحرب الأخيرة على غزة، إلا أن السلطات في مطار القاهرة منعتهم من الدخول لانتهاء صلاحية جواز سفرهم، وخيرتهم بين العودة إلى دمشق أو إلى غزة من جديد، ليعودوا أدراجهم إلى غزة.
على الرغم من عمل وكالة “الأونروا” في غزة لمساعدة اللاجئين الفلسطينين، إلا أنه لا توجد وكالة واحدة خاصة بالسوريين في فلسطين، ولا يوجد على الأقل مكتب للأمم المتحدة الخاص بشؤون اللاجئين، كل ما يريده السوريون في غزة أن يحصلوا على جوازات سفر جديدة حتى يتمكنوا من السفر لرؤية ذويهم في تركيا أو في مصر، أو ليهاجروا إلى البلاد الأوروبية.