يستمر توافد الحجيج على الأراضي المقدسة بالمملكة العربية السعودية من كافة أنحاء العالم، ويتزامن مع استمرارية التوافد هذه زيادة في المخاوف لدى سلطات المملكة التي لم تخف قلقها هذا العام من تلاحق الظروف الاستثنائية المحيطة بموسم الحج.
تلك المخاوف السعودية تتنوع بين المخاوف الأمنية وبين المخاوف من الأحداث الطبيعية أو الكوارث الطارئة في أماكن تجمع الحجاج بالمشاعر المختلفة، وأخرى سياسية وصحية، لكن لا شك في أن التخوفات الأمنية لدى السلطات السعودية هي المسيطرة حتى هذه اللحظة في الموسم الذي يعده استثنائيًا هذا العام.
يظهر ذلك في تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي ووزير الداخلية، ورئيس لجنة الحج العليا، الذي أكد فيه أن أجهزة الأمن في السعودية بمختلف قطاعاتها على أتم الاستعداد لمواجهة ما قد يعكر صفو الحج أو يعرض حياة الحجاج للخطر، بحسب تعبيره فيما يتعلق بالشؤون الأمنية للحج، أما عن المخاوف السياسية فقد أشار إلى أن أجهزة الأمن ستمنع منعًا باتًا استغلال الحج لأغراض سياسية أو دعائية لأي جهة.
وقد زاد من أمر المخاوف السعودية هذه كارثة سقوط رافعة داخل الحرم مؤخرًا والتي راح ضحيتها 108 شخص وجرح 402 آخرين، حيث فتحت الحادثة المجال لتساؤلات عن جاهزية السعودية لاستقبال الموسم هذا العام في ظل كل هذا التخبط والظروف غير الطبيعية التي تمر بها المملكة هذا العام.
حيث تأتي أولى التخوفات لدى القائمين على الحج هذا العام في السعودية من تكرار حادث سقوط الرافعة في المشاعر المختلفة جراء تقلبات الطقس، وهو ما اضطر السعودية هذا العام لرفع درجة الاستعداد والتأمين لأجله، بعدما وقعت عدة حوادث أخرى بعد سقوط رافعة الحرم المكي، إذ انهار جزء من جبل على سقف أحد المباني السكنية المكون من 4 طوابق بحي بطحاء قريش بمكة المكرمة وهو ما خلف عدة إصابات، كذلك تتخوف السعودية من الكوارث الداخيلة كالحرائق وغيرها بعد أن شب حريق ضخم في أحد الفنادق المخولة باستقبال الحجاج في مكة منذ 3 أيام.
لذا نقلت وكالة الأنباء السعودية عن الأمير محمد بن نايف قوله إن المملكة “تولي أمن الحجاج وسلامتهم أولوية قصوى وهو ما تعمل عليه في كل عام”، كما أكد أن الحادثة “لن تؤثر بأي حال من الأحوال على خطط وبرامج الحج التي أعدتها الجهات المعنية والتي تأخذ في الحسبان ما يطرأ من حالات في هذا الموسم”، بحسب تصريحاته التي أتت بعد أسوأ حادث وقع بالمملكة منذ أعوام.
أما من جهة المخاوف الأمنية، فيأتي على رأسها التهديد الداعشي للمملكة حيث تتخوف السعودية من عبور عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى أراضيها مع زحام موسم الحج وتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل، وهو أجرت بسببه الشرطة السعودية عدة مداهمات لخلايا مشتبه فيها قبيل بدء موسم الحج، وهي حملات مستمرة منذ أشهر ضد عناصر يشتبه في انتمائها لتنظيم الدولة الإسلامية، وقد أعلنت السلطات نتائج هذه الحملات في يوليو الماضي باعتقال 431 مشتبهًا في صلته بداعش، كما أُعلن عن إفشال عدد من المخططات لتنفيذ هجمات انتحارية في شرق السعودية.
كما تُشير صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها عن المخاوف الأمنية السعودية في موسم الحج، أن تنظيم داعش يعمل بنشاط كبير لتجنيد الشباب السعودي من أجل تنفيذ هجمات على أرض المملكة، وهو نفس الأمر الذي تحدثت عنه وكالة أسوشيتد برس للأنباء في المخاوف المتصاعدة من تهديد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لموسم الحج، حيث ذكرت أن التنظيم يعمل على تجنيد مزيدًا من السعوديين.
الجدير بالذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية قد نجح في تنفيذ أربعة عمليات كبرى في السعودية ومحيطها؛ اثنان منها في شهر مايو الماضي شرقي المملكة، أما التفجير الثالث في مدينة الكويت في يونيو الماضي، وكافة التفجيرات استهدفت مساجد للشيعة أسفرت عن مقتل 53 شخصًا، أما التفجير الرابع وقع في أغسطس الماضي في مدينة أبها جنوب مكة المكرمة وأسفر عن مقتل 15 شخصًا وقد كان من بين القتلى وكان 11 عنصر من وحدة مكافحة الإرهاب التي تشمل مهامها حماية موسم الحج، ولم يستبعد المحللون احتمالية استغلال تنظيم داعش لموسم الحج هذا العام.
كذلك الأمر تتخوف السعودية من جماعة أنصار الله الحوثي بسبب خوضها حرب اليمن ضد انقلاب الحوثيين هناك، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة مع مسلحي الحوثي قرب الحدود مع اليمن قتل فيها عدة جنود من الجيش السعودي، وتخشى المملكة من نقل الحوثيين المعركة إلى الداخل السعودي مستغلين موسم الحج في تنفيذ أعمال عدائية، لذلك شددت السعودية في إجراءات دخول حجاج اليمن خشية اندساس عناصر حوثية مسلحة بينهم.
الحرب السعودية في اليمن تظهر بعض المشاكل الأخرى المتعلقة بالحج، حيث يتهم البعض السعودية بتسيس الحج بسبب منع الحوثيين من الحج هذا العام والتضييق عليهم، وبينما تنفي السعودية هذا الأمر، تظهر إيران لتروج شأن التضييق على الحجاج الإيرانيين بذريعة تخوف السعودية من المد الشيعي داخل المملكة، لكن تبقى هذه المشكلة عالقة بين الجانبين كل عام بسبب التسييس المتبادل للشعائر الدينية.
من جهة الجبهة الداخلية تخشى السعودية اندلاع تظاهرات سياسية تحت ذرائع طائفية في المنطقة الشرقية السعودية على سبيل المثال لوجود كثافة شيعية بها، كما تتخوف من التحام هذه التظاهرات بأخرى في المشاعر تحركها إيران كما حدث فيما يُعرف باسم “أحداث مكة” عام 1987، عندما نظم الحجاج الإيرانيون مظاهرات أثناء موسم الحج رفعت شعارات مناوئة للولايات المتحدة، كذلك في العام الماضي أكدت السعودية أنه تم رصد آلاف المصاحف التي وزعها العديد من الحجاج الإيرانيين خلال موسم الحج، بجانب رفع الحجاج الإيرانيون شعارات سياسية كـ “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل” خلال شعائر الحج.
أما عن المخاوف الصحية فقد ازدادت مع انتشار فيروس كورونا كلما اقترب موسم الحج، خاصة في الوقت الذي تتزايد فيه حالات الإصابة والوفيات بسبب الفيروس، ويمثل موسم الحج تجمعًا خصبًا لانتشار الأمراض والأوبئة، الأمر الذي دعا الجهات الحكومية في السعودية لمحاولة أخذ التدابير اللازمة مبكرًا لتفادي هذه المشكلة.
ويذكر أيضًا أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها السعودية خطر الأوبئة أثناء الحج، حيث واجهت مواسم الحج السابقة وباءين خلال السنوات العشر الماضية أولهما “سارس” في عام 2003، و”أنفلونزا الخنازير” عام 2009، ولكن الفرق هذه المرة أن السعودية هي البؤرة الرئيسية لانتشار فيروس كورونا، كذلك تخشى السعودية من تكرار حوادث التدافع أثناء أداء المناسك، وهي حوداث متكررة طوال مواسم الحج الماضية تسعى السعودية الآن للتقليل منها.
كل هذه المخاوف تُشير إلى أن المملكة السعودية تواجه ضغوطًا كثيرة في رعاياتها لموسم الحج هذا العام، من الضغوط الأمنية للضغوط الاقتصادية المتمثلة في انخفاض أسعار النفط الذي ترتب عليه انخفاض الاحتياطي من العملة الأجنبية وارتفاع عجز الموازنة، بالإضافة إلى الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن، ناهيك عن حالة الضعف في إجراءات السلامة والأمان، وهو الأمر الذي ظهر جليًا في حادثة سقوط الرافعة بالمسجد الحرام.