بدأت معركة الانتخابات البرلمانية التركية بمفاجآة غير متوقعة هي عودة كافة الأسماء القديمة والثقيلة لحزب العدالة والتنمية على قائمته الانتخابية، وهي نفس الأسماء التي تم إقصاؤها من اللجنة التنفيذية للحزب في اجتماعه الكبير (أو الكونجرس) منذ أيام بعد خلاف بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، حيث قيل أن أوغلو كان يرغب في ضم سياسيين مخضرمين مثل نائب رئيس الوزراء بولنت أرِنتش ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان.
لا نعرف على وجه التحديد أسباب خروج هذه القائمة المختلفة كليًا عن اللجنة التنفيذية للحزب، فالبعض يقول أن القائمة خضعت بالأساس لاختيارات داوود أوغلو المختلفة عن خيارات أردوغان للجنة، في حين قال آخرون أن أردوغان اتفق مع أوغلو على تلك الأسماء لعلمه بأنها تتمتع بمصداقية كبيرة في الشارع التركي وتستطيع أن تعود بالأغلبية البرلمانية للحزب، لا سيما وأن بعض الأسماء الجديدة، مثل المطرب أوغور إشلاق، قد أثارت الجدل بعد أن نزلت على قائمة الحزب في انتخابات يونيو وهزت صورته.
الوجوه الأبرز كانت علي باباجان مهندس النمو الاقتصادي التركي خلال فترته الذهبية في العقد المنصرم، والمرشح على قائمة الحزب في أنقرة، وقد كان رافضًا في البداية نزول الانتخابات بعد إقصائه من لجنة الحزب، ولم يتقدّم في الحقيقة بأوراق ترشحه للانتخابات، في إشارة على عدم رغبته في المشاركة بأي حكومة مُقبلة، بيد أن جهود داوود أوغلو قد أفلحت في إقناعِه بالعودة بعد محادثة هاتفية، وهي محادثة قيل أن أوغلو أكّد فيها على دوره في إدارة الاقتصاد التركي حال شكّل الحزب الحكومة المقبلة.
المتحدث السابق باسم البرلمان التركي جميل تشيتشَك نزل على قائمة الحزب أيضًا في أنقرة، وهو من الأسماء المخضرمة، والقليلة في الحقيقة من الحرس القديم التي احتفظ بها أردوغان في لجنة الحزب، بالإضافة إلى وزير الداخلية الأسبق بشير أطلاي المرشح عن الحزب من ولاية وان (أو فان) في شرق البلاد، وهو من الأسماء التي غابت عن لجنة الحزب، ويتمتع بسمعة قوية كأحد مهندسي عملية السلام مع الأكراد، مما يفسر ربما ترشيح الحزب له في ولاية ذات أغلبية كردية.
وزير العمال السابق والمعروف فاروق تشَليك تم ترشيحه كذلك عن ولاية كردية في الجنوب الشرقي هي أورفا، إلى جانب السياسي الكردي غالب أنصاري أوغلو المرشح من ديار بكر، وهي أسماء يدفع بها الحزب الآن في الولايات الكردية لإعادة اكتساب أرضيته التي فقدها في الانتخابات الماضية لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، ولا ندري بالطبع هل ستؤتي أُكُلها أم لا بالنظر للاستقطاب التركي الكردي الشديد الآن، وفقدان عملية السلام لبريقها بينما تعود الحرب بين الجيش التركي وحزب العمال، وهو أمر يعتمد على مدى شعبية ما يقوم به حزب العمال من عدمه بين الأكراد.
وزير النقل والاتصالات السابق بن علي يلدرم مع أردوغان
لا يعني وجود الأسماء القديمة بالطبع غياب المرشحين المقرّبين من أردوغان والأعضاء بلجنة الحزب، فقد ترشح وزير النقل والاتصالات السابق والمقرّب من أردوغان بن علي يلدرم عن مدينة إزمير، والتي ترشح فيها كعُمدة عام 2014 ليخسر أمام مرشح حزب الشعب الجمهوري، حيث تُعرَف المدينة بولائها الشديد للحزب العلماني كمعقل من معاقله التقليدية، إلى جانب الكثير من المُدن المُطلة على البحر المتوسط، والتي يعتمد عليها حزب الشعب، وجدير بالذكر أن يلدرم هو أحد مستشاري أردوغان حاليًا.
من الأسماء المثيرة للجدل أيضًا على قائمة الحزب هو طغرل توركَش، نجل مؤسس حزب الحركة القومية ألب أرسلان توركَش، والذي ترك حزب الحركة بعد خلافه مع رئيس الحزب دولت بغشلي إثر إصرار الأخير على عدم الدخول في أي تشكيل حكومي مؤقت قبل الانتخابات، بينما أصر توركَش على قبول دعوة داوود أوغلو ليتولى منصب نائب رئيس الوزراء، وقد ترشح توركَش عن حزب العدالة والتنمية في أنقرة، هذا وينتقد البعض وجوده على قائمة الحزب نتيجة أفكاره القومية، في حين رأي آخرون أن اسمه يضيف للحزب لا سيما في حالة الاصطفاف الحالية بمواجهة حزب العمال.
كان من المفاجآت أيضًا إقصاء أسماء تصور كثيرون أنها ستنزل الانتخابات نتيجة قُربها من أردوغان ودخولها للجنة الحزب مؤخرًا، وأبرز هؤلاء هو المحامي عبد الرحيم بويون قالِن، صاحب التصريحات النارية أمام مقر جريدة حريّت العلمانية، والتي تعهد فيها بتعزيز سلطات أردوغان كرئيس حتى لو خسر حزب العدالة الانتخابات المقبلة، كما هدد صحافيي الجريدة، وهي تصريحات لم تلقى قبول داوود أوغلو آنذاك، والذي أخرجه من ترشيحات الانتخابات هذه المرة.
عبد الرحيم بويونقالِن
أوغور إشلاق أيضًا خرج من ترشيحات الحزب، وهو مطرب خصص أغانٍ عدة للحزب منذ نشأته عام 2002، وتم ترشيحه في يونيو عن إسطنبول وسط تعهداته الشهيرة بأنه لن ينام أبدًا في البرلمان التركي، وأنه سيعمل على قوانين لتعزيز الفنون والثقافة، وهي تعهدات لم يحفظها على ما يبدو حين التقطت له العدسات صورة وهو نائم بالفعل في أولى جلسات البرلمان قصير العمر، والذي قرر معه داوود أوغلو عدم ترشيحه مجددًا في نوفمبر.
فيما يخص قوائم بقية الأحزاب فإنها لم تحمل مفاجآت كبيرة، فقائمة مرشحي حزب الشعب الجمهوري لم تختلف كثيرًا، باستثناء خروج الدبلوماسي المرموق مراد أوزتشَليك منها نتيجة خلافه مع قيادة الحزب إثر تصريحاته بأنه صوّت لحزب الشعوب الكردي في الانتخابات الماضية لتعزيز عبوره حاجز الـ10٪ اللازم لدخول البرلمان ولم يصوّت لحزبه، وهو إقصاء يتم رسميًا تحت دعوى عدم الانتماء للحزب، في حين يراها كثيرون محاولة لتجنّب خسارته كمرشّح نتيجة انقلاب الكثير من الأتراك على حزب الشعوب نتيجة الاستقطاب الحالي وربما عدم التصويت له بعد تصريحات تلك.
عدا ذلك، دفع حزب الشعب العلماني بأسمائه الكبيرة التقليدية مثل دنيز بايقال، رُغم خلافاته مع رئيس الحزب كمال قلجدار أوغلو، والذي ترشح عن مدينته الساحلية أنطاليا، ومحرم إنجه صاحب الخلافات مع رئيسه أيضًا، والذي ترشح من يالوفا، كما رشح الحزب في المقعد الأول لولاية أردخان القنصل السابق أوزتُرك يلماز، والذي كانت داعش قد اختطفته مع 49 أخرين من قنصلية تركيا بالموصل في يونيو 2014، وهي محاولة لجلب الأصوات بالطبع نتيجة تعاطف الكثيرين معه آنذاك.
بالنسبة لحزب الحركة القومية فقد احتفظ بالأسماء الجديدة التي رشحها في يونيو مثل أكمل الدين إحسان أوغلو، ومدير البنك المركزي السابق ومستشار الرئيس عبد الله غُل، دورموش يلماز، والتغيير الوحيد الذي طال قائمته هو خروج النائبة ميرال أكشَنَر من ترشيحاته نتيجة خلافاتها مع رئيس الحزب بغشلي، لا سيما وأنها تُعَد منافسًا له على قيادة الحزب مستقبلًا، أما حزب الشعوب الكردي فقد أعلن عن تحالف مع جمعية الحقوق الديمقراطية وحزب العمال وحزب الحرية والاشتراكية في محاولة لخلق جبهة توحّد أصوات اليسار، لا سيما وأنه يعلم أنه سيخسر بعض أصوات الأتراك الليبراليين المستائين من علاقاته بحزب العمال، هو ما يفسر ترشيحه لمصطفى صاري سولوك، أخو أحد متظاهري جَزي بارك ممن قتلتهم الشرطة في يونيو 2013.