الحادي والعشرون من سبتمبر العام الماضي، مثّل نكبة تاريخية لليمنيين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حينما سلمت أعتى العواصم العربية نفسها وفتحت قوات الجيش اليمني أبوابها للمليشيا القادمة من غبار التاريخ في جائحة كان الرئيس اليمني السابق أرضيتها الصلبة.
منذ ذلك اليوم واليمن تعيش أيامًا عصيبة، تمزقت الهوية المجتمعية وتم نسف المرجعية الحاكمة لإدارة الدولة واستنزف الاحتياطي الاقتصادي المتدهور أصلاً، زاد من ذلك تدخل دول التحالف العربي والتي رأت في جماعة الحوثيين تهديدًا للمنطقة برمتها.
لا أحد من الكتاب اليمنيين والمراقبين العرب بإمكانه أن يستوعب تلك اللحظات الفارقة في التاريخ اليمني والمنطقة العربية بأكملها، وهم يرون زعيم جماعة المتمردين الحوثيين في شمال اليمن يلتهم البلاد بدعم إقليمي ودولي، وتعلن طهران أن العاصمة الرابعة عربيًا أضحت تحت سيطرتها.
معركة قصيرة في الـ20 من سبتمبر، على الجهة الشمالية للعاصمة بين وحدات عسكرية موالية للرئيس هادي بقيادة اللواء علي محسن الأحمر، وبين الحوثيين ووحدات عسكرية موالية لصالح انتهت بانسحاب الأحمر وقواته من الفرقة الأولى مدرع بعد رضوخ هادي الذي قد كان طلب من الأحمر الدفاع عن صنعاء.
كانت مجموعات المسلحين الحوثيين وقوات صالح المرتدية للزي التقليدي تسيطر على مقرات الدولة بكل سهولة، وصل المسلحون إلى كرسي القائد الأعلى للجيش اليمني ووزارة الدفاع والبنك المركزي والداخلية والنفط ونصبوا نقاط تفتيش في الشوارع الإستراتيجية.
كان مشهد مخزي واليمنيون يشاهدون الألوية العسكرية الضاربة المحيطة بصنعاء تفتح أبوابها أمام المليشيا، قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وألوية الحرس الرئاسية كلها تنحني لعربات المسلحين بأوامر عليا يقال إن وزير الدفاع السابق محمد ناصر أحمد كان وراءها.
فيما يرى آخرون أن الرئيس هادي كان يسعى لإرضاء قادة الحوثيين حتى ولو صار ظل السلطة الحاكمة الجديدة، بالعودة قليلًا إلى الوراء نجد الرئيس هادي قد رفض دعم اللواء حميد القشيبي في يوليو من العام الماضي لمواجهة الحوثيين في عمران.
كانت خطوة مؤازرة قوات الجيش في عمران، كفيلة بإيقاف الجائحة على بعد أكثر من 60 كم شمال صنعاء، لكن الرجل الذي سيحاصره الحوثيون في مقر إقامته فيما بعد لجأ إلى أسلوب المهادنة مع اجتياح المتمردين لعمران وقتل قائد الجيش هناك بأكثر من 100 رصاصة.
تحت قعقعة البنادق أُجبرت المكونات السياسية ومن بينها الرئاسة على توقيع اتفاق السلم والشراكة الذي صاغه المبعوث الأممي جمال بنعمر، وما يزال اليمنيون يتذكرون مدير مكتب زعيم الحوثيين أثناء التوقيع بدار الرئاسة وهو يرفع إصبعه أثناء التوقيع، في مشهد تحول فيه الرجل الأول في البلاد إلى سكرتير لزعيم الجماعة القادمة من غبار الكهوف ومثل مبعوث الأمم المتحدة شاهد زور عظيم.
نسف الحكام الجدد العقد الاجتماعي لإدارة الدولة والاتفاق الذي خرج به اليمنيون من مؤتمر الحوار الوطني والذي استمر لمدة عام، وشارك فيه الحوثيون وحزب صالح في موفمبيك برعاية أممية، اعتقل أمين عام الحوار الدكتور أحمد بن مبارك من قِبل الحوثيين وزجوا به في السجن بتهمة تمرير مشاريع غربية.
بدأت مؤسسات الدولة من رئاسة الوزراء إلى المكاتب الحكومية الأدنى تحت قبضة القادمين من صعدة، وتبقت رئاسة الجمهورية التي عينت أحد قياديهم البارزين ويدعى صالح الصماد مستشارًا فيها بقرار جمهوري، أراوده مستشارًا بدرجة رئيس جمهورية، وهو ما حدث أثناء تمرير قرارات وتعيينات كبيرة في الجيش والأمن والمحافظات وتجنيد الآلاف من المليشيا.
لم يلبث الرئيس هادي طويلًا في السلطة، إذ تم محاصرته في منزله بعد احتدام الخلافات مع مليشيا الحوثيين واندلاع معركة قصيرة مع الحرس الرئاسي الموالي له انتهت بالوصول إلى منزله، الأمر الذي دفعه ورئيس حكومة الكفاءات الوطنية رئيس الوزارء الحالي خالد بحاح لتقديم استقالتهما في يناير من العام 2015م.
بعد أيام أعلن الحوثيون ما سمي بالإعلان الدستوري الذي قضى بحل البرلمان الذي سبق أن قدم منصور هادي استقالته إليه، وتشكيل مجلس وطني انتقالي، مكون من 551 عضوًا، يتولى اختيار مجلس رئاسي من 5 أعضاء، وتعيين حكومة من الكفاءات، وقد صدر الإعلان من قبل ما سميت بـ “اللجنة الثورية”، التي يرأسها محمد علي الحوثي والذي أضحى رئيسًا للبلاد منذ ذلك التاريخ.
بعد هذه الإجراءات أضحت الدولة اليمنية برمتها والجيش اليمني بألويته ومعداته تحت إمرة زعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي، يتقاسمه في القرار الرئيس السابق علي صالح الذي عاد للواجهة منتشيًا بعودة السلطة التي فقدها إثر الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن في العام 2011م.
استطاع الرئيس هادي في فبراير كسر الحصار والهروب من منزله في روايات ما تزال متضارية، وصل عدن وأعلن استئناف عمله كرئيس للجمهورية، أعلنت جماعة الحوثي التعبئة العامة لملاحقة من أطلقت عليه الرئيس الهارب وتنظيم القاعدة وهو شعار لطالما استخدمته لدغدغة مشاعر القوى الدولية تجاه سياستها الجديدة باليمن.
توجهت الألوية العسكرية وقوات الحوثيين نحو عدن، وخلال معركة قصيرة لعب فيها شراء الولاءات دورًا كبيرًا، استطاعت الوصول إلى مقر الرئيس في لمعاشيق، والقبض على وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي الذي عاد للقتال إلى صف هادي وقادة عسكريين مواليين له.
اتجه الحوثيون نحو المحافظات المجاورة لصنعاء جنوبًا والبحر الأحمر غربًا والمحافظات الشرقية، ووصلوا محافظة إب وتعز، كانت تلك المحافظات تفتح أبوابها لوفود المليشيا ما عدا مقاومات بسيطة لوحدات عسكرية ورجال قبليين ما تلبث المعركة معهم أن تنتهي مع تعزيزات عسكرية للانقلابيين.
في الجانب الاقتصادي تحول الحوثيون وقوات صالح إلى غول كبير التهم إيرادات الحكومة التي تعرضت لاستقطاعات كبيرة تحت ما يسمى بالمجهود الحربي، ووصلت أسعار البنزين إلى 30 ألف ريال فيما كانوا يرفعون شعارات لإسقاط الجرعة التي تقدر بـ 1000 ريال يمني.
اشتعلت السوق السوداء، وظهر تجار أزمات من قادة ما تسمى باللجان الثورية وهي المسؤولة عن إدارة المؤسسات حسب تكليف الجماعة، أدت لدخول البلاد في أزمات متلاحقة وارتفاعات كبيرة في أسعار المواد الغذائية وصلت إلى 200 بالمئة، زادت من معاناة اليمنيين وفاقمت من أوجاعهم.
في مارس من العام الجاري أعلنت السعودية قيادة تحالفًا عربيًا في اليمن بعد وصول الرئيس هادي إليها هربًا من ملاحقة الحوثي وصالح، بدأت المقاتلات الجوية بتدمير القدرات الصاروخية ودك المعسكرات التي أضحت تحت سيطرتهم في مشهد مستمر حتى هذه اللحظة.
تأتي الذكرى الأولى للجائحة مع تقدم لقوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني بمساندة قوات التحالف العربي، حيث سيطرت تلك القوات على المحافظات الجنوبية واستطاعت تحرير أجزاءً كبيرة من تعز وإب، فيما تدور معارك على بعد 60 كم من صنعاء باتجاه مأرب استعدادًا لخوض معركة صنعاء.
عاد رئيس الوزراء خالد بحاح إلى عدن بعد أشهر من الإقامة بالعاصمة السعودية، فيما أعلن رئيس ما سمي باللجنة الثورية ذكرى سيطرتهم على صنعاء إجازة رسمية يصفونها بذكرى انتصار بثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
نحن اليمنيون نرى أنها الذكرى الأولى للنكبة، حيث أضحى معظمنا بلا وقود ولا غذاء ولا خدمات أساسية وتعطلت المنظومة التعليمية ولم ترتفع سوى معدلات الفقر والجوع والقتل والنزوح خارج البلاد المثقلة بالصراع والبؤس.