جاءت الكلمة الصوتية الأخيرة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لتزيد من الإثبات أن الخلاف بين تنظيم القاعدة العالمي وتنظيم الدولة الإسلامية لم تعد مجرد بيعة بين التنظيمين.
فلقد كانت كلمة الظواهري الأخيرة مليئة بالنقد والاتهامات والتشكيك في تنظيم الدولة وقيادييها وسياستها في إدارة الصراع ونقله إلى داخل فروع الجماعات الجهادية التابعة للقاعدة انطلاقًا من اليمن والصومال ومالي وغيرها.
ولم تقف الاتهامات عند هذا الحد، بل انتقد زعيم تنظيم القاعدة نظيره البغدادي واتهمه بالسكوت وعدم نصرة إخوانه في أفغانستان ووزيرستان وغزة واليمن ومغرب الإسلام ولو بالإشارة لهم في كلماته الصوتية.
لم نتوقف كثيرًا على مضمون هذه الكلمة التي مدتها 45 دقيقة لكن أردنا في هذه المقالة أن نبحث ولو سريعًا في مسألة شائكة وغامضة وهي مسألة البيعة.
هل بايعت دولة العراق الإسلامية سابقًا تنظيم القاعدة؟ وهل خلعت الدولة الإسلامية في العراق والشام بيعتها من ربقة القاعدة؟
هذا ما قاله الظواهري في كلمته التي صدرت في الـ 9 من شهر سبتمبر الجاري “وأنا هنا أود أن أسأل من نكث بيعتَه لأميرِ المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد حفظه اللهُ، بأي مبرر شرعيٍ نكثت تلك البيعة؟ وما هي المخالفة الشرعية التي ارتكبتها الإمارة الإسلامية حتى تحِلَ نكثُ بيعتِها؟”، وقال أيضًا “للأسف كان جزاؤهما على دعوتِهما للوحدةِ أن كافأهما البغدادي ومن معه بدعوةِ المجاهدين في الجزائرِ واليمنِ لشق الصف ونكث البيعة، كما نكثها هو ومن معه من قبل”.
الملاحظة الأولى أن تاريخ تسجيل الكلمة كان قبل إعلان حركة طالبان عن موت الملا عمر؛ ما يطرح التساؤل التالي: أين الظواهري من خبر مقتل الملا عمر ومن أين يتلقى أوامره في حين أن أميره المبايع له ميت؟
الحقيقة أننا وأثناء بحثنا وجدنا تضاربًا كبيرًا بين تصريحات قياديي الدولة وقياديي القاعدة وليس الأمر بالسهولة التي تجعلنا نحكم على بيعة أو فسخ بيعة قام بها أحد الطرفين دون أن نسرد بعض كلمات الفريقين.
“أقرت من قيادة العراق هناك، قيادة دولة العراق الإسلامية أقرت بالموافقة على الدخول إلى أرض الشام، أتينا إلى هذه الأرض تقريبًا في الشهر الثامن الميلادي وكان في شهر رمضان من عام 2011″، بهذه الكلمات أجاب أمير جبهة النصرة أبو محمد الجولاني صحفي قناة الجزيرة تيسيرعلوني في برنامج لقاء مفتوح في 19 من ديسمبر 2013 بعد سؤاله له عن الجهة التي كانت سببًا في ظهور جبهة النصرة في سوريا.
فقد قال العدناني في كلمته الصوتية “عذًرا أمير القاعدة” في 11 مايو 2014 “ولأجل هذا أرسلت الدولة عبر أبي حمزة المهاجر رسالة لقيادة القاعدة تؤكد فيها ولاء الدولة لرموز الأمة المتمثلين بالقاعدة، وتخبرهم أن الكلمة لقيادة الجهاد في العالم لكم، برغم حل تنظيمكم على أرض الدولة، تبقى الكلمة لكم حفاظا على وحدة كلمة المجاهدين، ورص صفوفهم.”
كلمة العدناني كانت ردًا على الظواهري الذي صرح في كلمته “شهادة لحقن دماء المجاهدين في الشام” بأنه يشهد الله أن الدولة الإسلامية في العراق فرع تابع لجماعة قاعدة الجهاد، معددًا الوقائع والمراسيل التي كانت بينه وبين قيادات الصف الأول من دولة العراق الإسلامية الذين كانوا يخاطبونه بأميرنا، وساردًا الأحداث التي كانت قيادات الدولة تنتظر الفصل فيها من قبل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.
وأضاف أن كل ما ذكرتَ من شهادتك صحيح، بل وأزيدك عليه أننا كنا ولحين قريب نُجيب من يسألنا عن علاقة الدولة بالقاعدة بأن علاقتها علاقة الجندي بأميره، ولكن هذه الجندية يا دكتور لجعل كلمة الجهاد العالمي واحدة، ولم تكن نافذة داخل الدولة، كما أنها غير مُلزمة لها، فإنما هي تنازل وتواضع وتشريف وتكريم لكم منا، وعندنا من الوقائع والأحداث والشهادات المشابهة لشهادتك الأضعاف تُثبت طبيعة هذه العلاقة، وأنها ليست نافذة داخل الدولة وزاد أيضًا بينما عندنا الإثباتات خلاف ذلك من أفواه قادة الدولة والقاعدة، وأنت على رأسهم، فمن فيك سمع العالم أن التنظيم حُل في العراق وبايع الدولة وانخرط فيها.
المتأمل في كلام العدناني يلاحظ أنه لم يتنصل ولم ينكر مخاطبة قياديي الصف الأول في تنظيم الدولة أمير القاعدة بعبارات توحي بأنهم جنود له، ولكن سرعان ما يستدرك العدناني وينفي جملة أن تلك العبارات توحي بتبعيتهم وبيعتهم للقاعدة، بل وصل الأمر إلى الدعوة الصريحة لأن يكون الظواهري جنديًا في الدولة الإسلامية إذا ما كتب له الوصول إليها، فقد قال في نفس الرسالة الدولة ليست فرعًا تابعًا للقاعدة، ولم تكن يومًا كذلك، بل لو قدر الله لكم أن تطئوا أرض الدولة الإسلامية، لما وسعكم إلا أن تبايعوها وتكونوا جنودًا لأميرها القرشي حفيد الحسين، كما أنتم اليوم جنود تحت سلطان المُلا عمر، فلا يصح لإمارة أو دولة أن تبايع تنظيمًا.
لقد رفضت الدولة الإسلامية في تلك الفترة أن تنسحب من سوريا وقد كان طلبًا مستحيل التحقق “وأما عن مناشدتك لنا الانسحاب من الشام فلن نعيد ونكرر بأن هذا أمر شبه مستحيل، غير ممكن لا شرعًا ولا عقلًا ولا واقعًا” وأنكرت بيعتها للقاعد،ة بل أعلن العدناني صراحة أن الخلاف أصبح خلافًا منهجيًا وعقائديًا عندما قال “إن خلاصةَ الأمر أن الخلاف بين الدولة الإسلامية وبين قيادة تنظيم القاعدة خلاف منهجي كما قال أمير التنظيم في لقائه الأخير مع مؤسسة السحاب، هذه هي القضية وليس بيعةُ من لمن ومرجعية من لمن، والتي أجهد أمير تنظيم القاعدة نفسه لإثباتها ولم يثبتها، ولن يثبتها.”
لقد تصدرت قضية البيعة والخلاف والاقتتال بين الجماعتين وسائل الإعلام العالمية ولم يتم الفصل في هذه المسألة إلا أن الوقائع المتعددة والتصريحات المتواترة لقياديي القاعدة قبل وفاة أسامة ابن لادن تصب في خندق واحد وهو أن دولة العراق الإسلامية لم تكن فرعًا للقاعدة في العراق بل كانت القاعدة في بلاد الرافدين إحدى الفصائل المشاركة المكونة لها، بل إن الظواهري نفسه قال في إجابته على سؤال وجه له في لقائه مع مؤسسة السحاب وقد أعلنها صراحة أن “الدولة خطوة في سبيل إقامة الخلافة أرقى من الجماعات المجاهدة، فالجماعات يجب أن تبايع الدولة وليس العكس”.
بعد أن كان التفاهم سيد الموقف طوال 9 سنوات بين تنظيم القاعدة ودولة العراق الإسلامية وكانت المجاملات والخطب الرنانة والتزكيات بينهما أصبحت اليوم حربًا بالرشاشات والدبابات والمدرعات والمفخخات.
في الأخير يبدو لنا أن دولة العراق الإسلامية لم تكن في عنقها بيعة للقاعدة بل انحلت القاعدة نهائيا في العراق لأن التابعين للحركات الجهادية أجمعوا أنه بعد سنتين من القيادة والحرب الأحادية التي يخوضها فرع القاعدة في العراق ضد القوات الأمريكية قررت قاعدة الرافدين رفقة عدد من الجماعات المسلحة تشكيل مجلس شورى المجاهدين في العراق في 15 من شهر يناير 2006 وتم اختيار عبدالله رشيد البغدادي أميرًا لهذا المجلس وكان الهدف من تشكيل هذا المجلس توحيد جهود الجماعات وجعلها في إطار واحد لمقاتلة الغزو الأمريكي.
وفي أوائل شهر أكتوبر 2006 ومع بداية الانسحاب الأمريكي أُعلن المجلس عن حلف المطيبين الذي كان نواة لإعلان مسمى “دولة العراق الإسلامية” وتم بعد تشكيل هذا الحلف الإعلان عن دولة العراق الإسلامية وتعيين أبو عمر البغدادي أميرًا لها في الـ 15 من شهر أكتوبر 2006، بل إن الظواهري نفسه في إجابته على سؤال وجه له في لقائه مع مؤسسة السحاب قد أعلنها صراحة أن “دولة العراق الإسلامية خطوة في سبيل إقامة الخلافة أرقى من الجماعات المجاهدة، فالجماعات يجب أن تبايع الدولة وليس العكس”.
في الأخير يظهر أن الخلاف بين تنظيم الدولة الإسلامية أصبح خلافًا منهجيًا وهو ما ذكره الظواهري في لقاء مع مؤسسة السحاب سابقًا ولم يعد خلاف بيعة وهو أيضًا ما جزم به المراقبون الذين تابعوا خطابات الظواهري الأخيرة التي أصبح يتحدث فيها كثيرًا عن تنظيم الدولة وعن تفريقه للصف الجهادي وسكوته عن الجرائم التي يتعرض لها المجاهدين حسب وصفه.