أصدرت قناة “مصر الآن” الفضائية، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في تمويلها وإدارتها، والتي كانت تبث إرسالها من دولة تركيا، بيانًا أمس أعلنت فيه انتهاء مشروع القناة فجأة، وجاء في البيان الذي نشرته الصفحة الرسمية للقناة على موقع فيس بوك، “إننا نعلن اليوم عن انتهاء مشروع قناة مصر الآن والتي نتمنى أن نكون قد وُفقنا في التعبير من خلالها عن صوتكم، وكشف كثير من جرائم العسكر بحق مصر وأبنائها، وأن نكون قد وُفقنا كذلك في أداء رسالتنا على الوجه الأمثل”.
هذا البيان الثاني الذي يصدر عن القناة بعد أن توقف بثها منذ عدة أسابيع، وقد صدر البيان الأول عند توقف البث، متحدثًا عن إغلاق القناة لأسباب فنية ولأمور التطوير وأن عودة القناة ستكون وشيكة، تحدث البعض حينها أن السبب الحقيقي وراء إغلاق القناة هو الخلاف الإداري الداخلي بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين الذي طال القناة وسياساتها.
إذ يؤكد نشطاء مقربون من دوائر صنع القرار في الجماعة أن القيادات التاريخية للجماعة غير راضية بالمرة عن توجه القناة في الفترات الماضية؛ لأنها بحسب زعمهم تُساند الفريق الإداري الجديد الذي ظهر في النزاع الإداري الأخير، لأنه الفريق الموكل إليه إدارة وسائل إعلام الجماعة، لذلك قرر الطرف الآخر في النزاع من القيادات القديمة، والذي يتولى أمر تمويل المشاريع الإعلامية للجماعة، أن يوقف تمويل القناة وبالتالي توقف بثها.
ظهرت بعض القيادات الإعلامية للجماعة بعد ذلك لتكذب هذه الرواية وتؤكد على حتمية عودة القناة في الفترة المقبلة، لكن البيان الأخير للجماعة قطع الشك باليقين في هذا الاتجاه، فلم تعد القناة للعمل ولم يُعرف أسباب إغلاقها نهائيًا من خلال البيان المعلن.
بالتواصل مع أحد أعضاء اللجنة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين المتواجدين في تركيا أكد أنه بالفعل كانت هناك عدة محاولات لعودة القناة للعمل باسم جديد وتردد آخر مع تعديل في سياسة إدارتها كحل وسط بين أطراف الأزمة، وقد كان هذا القرار شبه نهائي في آخر اجتماعات اللجنة الإعلامية، إلا أنهم فوجئوا بخروج هذا البيان الذي تقرر بمقتضاه إنهاء مشروع القناة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة وغضب عدد من إعلاميي الجماعة، حسب قوله.
إذن فالحديث عن إلقاء الأزمة الداخلية للجماعة بظلالها على منفذها الإعلامي التليفزيوني، قناة مصر الآن، حديث صحيح في مجمله، تلك الأزمة التي نشبت منذ عدة شهور بين مجموعتين من قيادات جماعة الإخوان في الداخل والخارج، شهدت الجماعة على إثرها شبه انقسام داخلي بين أعضائها على خلفية ادعاء كل طرف أحقيته بالقيادة طبقًا للوائح الجماعة، إلى أن تطور الأمر إلى خلاف على ماهية منهج الجماعة في التعامل مع النظام في مصر عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة الرافضين للانقلاب العسكري.
المجموعة الأولى هي مجموعة القيادات القديمة في الجماعة يتزعمها الأمين العام السابق للجماعة الدكتور محمود حسين الذي مازال يرى أنه محتفظًا بمنصبه، والدكتور إبراهيم منير أحد أعضاء مكتب إرشاد الجماعة في الخارج، والذي أعلن أنه يشغل منصب نائب المرشد حاليًا، أما المجموعة الثانية التي خرجت بعد فض الاعتصامين تشكلت كمجموعة إدارية بعد صعوبة مزوالة قيادات مكتب الإرشاد لمهامهم بسبب الضربات الأمنية المتلاحقة، وقد أعلنت هذه المجموعة إجراء انتخابات وتصعيد أعضاء جدد لمكتب الإرشاد وتغييرات في المناصب الإدارية العليا بالجماعة، وهو ما اعترضت عليه القيادات القديمة التي ترى أن هذه المجموعة الجديدة تأخذ الجماعة إلى منهج الصدام العنيف مع الدولة، ثم توالت أحداث محاولة الطرفين إثبات صحة وجهة نظره إعلاميًا أمام القواعد.
فريق القيادات التاريخية للجماعة في الخارج وأتباعه من الإداريين في مصر رأوا أن أحد أبرز نقاط القوة لدى الفريق الجديد المتنازع معه على شرعية القيادة هي سيطرته على كافة المنافذ الإعلامية للجماعة، من قناة تليفزيونية، موقع رسمي، متحدث رسمي، وصفحات الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يُسهل لهم نقل وجهة نظرهم لصف قواعد الجماعة.
لذا رأت هذه القيادات القديمة الممسكة بزمام التمويل المالي في الجماعة منذ زمن بعيد أن تجرد الفريق الآخر من أحد نقاط قوته، وهي وسيلة القناة، حتى توقفت بالفعل بعد فشل محاولات رأب الصدع لاستكمال مشروع قناة مصر الآن، وترددت أنباء مؤخرًا عن نية هذه القيادات إنشاء عدة منابر إعلامية أخرى معبرة عن توجهاتهم ضمن خطة إعادة السيطرة على هياكل الجماعة أمام المجموعة الأخرى.
وقد اتضح هذا الأمر حينما بدأت قناة “الحوار” التي تبث من لندن ويمولها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي يمثله الدكتور إبراهيم منير في الأزمة، بث عدة برامج عن الشأن المصري كبديل للقناة التي أُغلقت، حيث دعمت القناة في خطوة مفاجئة فريقها بالإعلامي المصري الشاب “أسامة جاويش” وعدد من المعدين؛ وهو توجه لإعطاء القناة دورًا أكبر في المنافذ الإعلامية للجماعة، وبالطبع ستبقى سياسة إدارتها في أيدي مجموعة القيادات القديمة ومعبرة عن وجهة نظرهم.
وعن علاقة هذا بسياق الأزمة الداخلية بالجماعة، فقد أتت الأنباء عن قرب انتهاء هذا الخلاف الإداري بين المجموعتين المتصارعتين في الداخل المصري وخارجه، ولكن ليس بحل مرضي لكافة الأطراف كما كان متوقعًا، ولكنه حسم بالنفوذ لصالح فريق القيادات التاريخية التي تتمتع بنفوذ متوغل بين هياكل الجماعة كما تسيطر على مصادر التمويل المالية للجماعة، ولها شبكة علاقات واسعة، استطاعت الضغط من خلال كل هذا لحسم الصراع لصالحها.
حيث تواصلت مجموعة القيادات هذه عبر ممثليها في مصر لاستقطاب المكاتب الإدارية للجماعة في القطاعات الجغرافية المختلفة واستمالتهم لجانب وجهة نظرهم في الأزمة، في مقابل عرقلة كل جهود الفريق الآخر للتوصل لحل سريع للأزمة دون استبعادهم من المشهد، وبهذا قد أدركت المجموعة التاريخية أن حسم هذا النزاع لن يأتي إلا من الداخل أولًا؛ لذلك استخدمت كافة الوسائل للضغط في هذا الاتجاه، حتى وإن تم منع تمويل الجماعة عن بعض المكاتب الإدارية التي تتبنى وجهة النظر المعارضة لهم، وهو الأمر الذي حدث بالفعل في أكثر من حالة، بحسب مصادر من داخل الجماعة، كما صدرت بعض قرارات التحقيق والفصل مع مجموعة من القيادات الوسيطة التي تتولى ملفات تنفيذية لنفس السبب.
البعض عد ذلك “انقلابًا” داخل الجماعة بقيادة مجموعة القيادات القديمة على القيادات التي أفرزتها الأحداث الأخيرة، وقد انتهت المراحل الأخيرة لهذا الانقلاب بعملية السيطرة على المنافذ الإعلامية التي شكلت عائقًا طوال الفترة الماضية لتنفيذ إجراءات الحسم لصالحهم، بعد إخضاعها لسيطرتهم بسلاح التمويل.
وبذلك تمكنت مجموعة الدكتور إبراهيم منير والدكتور محمود حسين من حسم الصراع الداخلي لصالح جبهتهم في الجماعة؛ عبر استخدام نفوذهم وأدواتهم داخلها لاستقطاب هياكلها الإدارية المختلفة أو تحييدها على الأقل، وهو الأمر الذي تم مؤخرًا مع إحدى وسائل إعلام الجماعة التي أجبرت على الإغلاق، كما يُمكن اعتبار ذلك كرّة على مجموعة قيادات 2014، التي كانت تتمتع بالنفوذ الإعلامي داخل الجماعة، ولكن هذا النفوذ يبدو وأنهم لم يتمكنوا من ترجمته على الأرض بين المكاتب الإدارية للجماعة التي شهدت استقطابًا حادًا مؤخرًا بين الفريقين.
في الوقت نفسه الذي تؤكد فيه مصادر من داخل الجماعة أن الأمر شبه محسوم لصالح المجموعة القديمة بعد استخدام أدوات ضغطهم في العديد من المكاتب الإدارية، ولم يتبق بذلك سوى عدد قليل من مكاتب المحافظات التي رفضت الإذعان للقيادات القديمة، وما يتبقى الآن، بحسب تعبير بعض القيادات الوسيطة في الجماعة، هو تقليل أعداد من سيتم فصلهم من الجماعة أو تحويلهم للتحقيق في حال مخالفتهم لتوجهات القيادات القديمة، التي حسمت الأمر بشكل كبير لصالحها.