بقلم: عدنان أبو عامر، المونيتور
سيطرت أخبار زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل لإيران، على الأحاديث السياسيّة الفلسطينيّة وراء الكواليس، وتبادل صنّاع القرار في غزّة والدوحة وطهران ودمشق رسائل غير مباشرة حولها.
وقد بدأت الأنباء تتواتر بشأن الزيارة. وكان المسؤول في هيئة إرشاد الثورة الإيرانيّة الدكتور أمير موسوي قد أشار في حديث إلى صحيفة “الرسالة نت” التابعة لـ”حماس” في غزّة، إلى أن ثمّة ترتيبات للقاء يجمع ما بين مشعل والرئيس الإيراني حسن روحاني في خلال الأسابيع المقبلة، وذلك لتعزيز العلاقات الثنائيّة بينهما.
لكن الزيارة تأجّلت لأسباب لم يتمّ توضيحها. وقال المستشار السياسي السابق لحكومة “حماس” الدكتور أحمد يوسف أن التأجيل حصل لانشغال إيران بالملفات الداخليّة ومحادثاتها مع المجتمع الدولي، كاشفاً عن زيارة سريّة قام بها وفد من الحركة لطهران بهدف التخفيف من حدّة الخلافات في إطار العلاقات المشتركة والوصول إلى “نهج تصالحي” لإدارة علاقاتهما الاستراتيجيّة.
لكن عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام في “حماس” عزت الرشق نفى في حديث إلى “المونيتور” أي ترتيبات حصلت في الأساس في ما خصّ زيارة مشعل لطهران، معتبراً كل ما يُقال مجرّد تكهّنات غير دقيقة والغرض منها الاصطياد في الماء العكر ومحاولة تشويه مواقف الحركة.
شروط قاسية
وأوضح الرشق أن الزيارة الرسميّة التي تمّت لطهران، قام بها عضو المكتب السياسي لـ”حماس” محمد نصر بتكليف من قيادة الحركة، لتقديم واجب العزاء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني بوفاة والدته. ونفى أن تكون زيارة مشعل مطلوبة أو أنه تمّ إعداد ترتيبات لها، وبالتالي فلا مجال للحديث عن نفي أو تأجيل إيراني.
وهو ما أكّده الناطق الإعلامي باسم “حماس” الدكتور سامي أبو زهري، مشيراً إلى عدم وجود مواعيد محدّدة لزيارة مشعل لطهران حتى يتمّ الاعتذار عنها.
لكن أوساطاً صحافيّة لبنانيّة مقربة من حزب الله أشارت إلى أن رغبة الإيرانيّين باستقبال قائد “حماس” لن تكون مجانيّة ومن دون شروط. فهم يريدون منها أن تكفّر عن سلوكها في العامَين الماضيَين، لأن ثمّة من هدّد في إيران بتنظيم تظاهرات إلى المطار لمنع مشعل من دخولها. أما محافل إيرانيّة أخرى فترى أن مجرّد زيارة الرجل تفتح صفحة جديدة معه.
وعن هذه التسريبات سأل “المونيتور” مسؤولاً إيرانياً سابقاً مقرّباً من دوائر صنع القرار في طهران، فأجاب أن “المحور المتشكّل من سوريا وإيران وحزب الله ليس متفقاً بشكل كامل على عودة العلاقات مع حماس. ولكل واحد من الأطراف الثلاثة حساباته ومصالحه، مع وجود ’فيتو‘ سوري على أي مصالحة معها يرتبط بالتزام الحركة بجملة شروط، من بينها تقديم اعتذارها العلني لسوريا وسحب مقاتليها من هناك”.
وهو ما أشار إليه الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلته الصحافيّة الأخيرة، حين طالب “حماس” بالابتعاد عن الإخوان المسلمين.
لذلك ردّد رئيس الحكومة في غزّة إسماعيل هنيّة في خطابه الأسبوع الماضي أن “حماس لن تعتذر لأحد، ولا تندم على موقف اتّخذته في سياساتها الخارجية”، ملمحاً بذلك إلى الموقف من القضيّة السوريّة، وهو ما كان “المونيتور” قد لفت إليه في تحليله لذلك الخطاب.
لكن موسوي أعرب في اللقاء الصحافي ذاته عن تفهّم إيران لموقف “حماس” من سوريا، بحكم علاقاتها مع الدول العربيّة وما تتعرّض له من حصار ومضايقات. وقال “طهران لا تطلب اعتذاراً من حماس، لأن الحركة تعاملت بعقلانيّة وحكمة في ظلّ تعقيدات الظروف السياسيّة في المنطقة”.
وتجدر الإشارة إلى أن “المونيتور” كان قد حصل على تصريح حصري من القائد البارز لـ”حماس” في غزّة الدكتور خليل الحية، نفى فيه أي مشاركة لعناصر الحركة في القتال الدائر في داخل سوريا. وقد أوضح أن تواجد بعض مناصريها أو المتعاطفين معها هناك، إنما يأتي بصفة شخصيّة، والحركة لا تتحمّل أي مسؤوليّة في ما خصّهم.
وفي حين تتحدّث الأوساط السوريّة والإيرانيّة عن أن عناصر كتيبة “أكناف بيت المقدس” يتحدّرون من أصول فلسطينيّة مدعومة من “حماس”، نفى المسؤول السياسي لـ”حماس” في لبنان رأفت مرة هذه الأنباء، مشدّداً على أن الوجود العسكري للحركة يقتصر على فلسطين وقتال إسرائيل.
تغييب مشعل
إلى ذلك تحدّث المصدر الإيراني نفسه الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته إلى “المونيتور”، عن “شرط” سوري وعن أن بعض أوساط إيران وحزب الله تطالب بتغييب مشعل عن المشهد العام للحركة، ما يعني عزله عن قيادتها باعتبار أنه هو من اتّخذ قرار الخروج من دمشق.
لكن “المونيتور” حصل على معلومات من داخل “حماس” تفيد بأن ضغوطاً كبيرة مورست على مشعل وقيادة الحركة في الخارج لمغادرة سوريا في أواسط العام 2012، خشية من أن يمنح بقاؤها هناك الأسد فرصة الإمساك بورقة المقاومة الفلسطينيّة وهو يقمع ثورة شعبه السلميّة. وكان مشعل آخر الراغبين بالخروج من دمشق.
من جهته أعلن موقع “تابناك” الإيراني التابع لقائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي معارضته لزيارة مشعل لأن عناصره يُقاتلون الجيش السوري، مطالباً بعدم السماح له بدخول إيران وبتعليق إعادة العلاقات مع “حماس” وربطها بتنحّيه عن قيادتها. وكتب العبارة الفارسيّة الشهيرة: “مشعل لا “خوش آمديد” بك في طهران!”. وهي تعني عدم الترحيب به.
وشدّد عزّت الرشق في حديثه إلى “المونيتور” على أنه “ما من شروط إيرانيّة بل هي تسريبات إعلاميّة، ونحن غير معنيّين بالتعليق عليها. لكننا من حيث المبدأ نرفض مناقشتها، لأنها تمسّ باستقلاليّة الحركة”.
لكن مسؤولاً بارزاً في “حماس” تحدّث من داخل غزّة بصراحة أكبر قائلاً لـ”المونيتور” إن “مشعل هو قائد حماس في الداخل والخارج، وأي قرارات سياسيّة تتّخذها الحركة لا يتحمّلها مسؤول بعينه. فالمؤسّسات التنظيميّة بجميع مستوياتها القياديّة تصادق عليها قبل خروجها من أرض الواقع، بما فيها الخروج من سوريا والعلاقات مع إيران”.
أضاف “من المهمّ أن تعلم الأطراف الراغبة بتسوية العلاقة معنا، أن حرصنا على وحدة الحركة وإجماعنا على قيادة مشعل يتقدّمان على أي علاقة مع أي دولة نحترمها ونقدرها. لذلك يجب التعامل معنا من خلال بوابتنا الرئيسة ممثّلة بمشعل”.
من جهته يقول المصدر الإيراني لـ”المونيتور” إنه “على الرغم من تعثّر زيارة مشعل لإيران، إلا أن الأخيرة تبدو مصرّة على إبقاء علاقتها بحماس ذات الجذور العضويّة بجماعة الإخوان المسلمين “السنيّة”. وذلك حتى تنفي الاتهامات التي تستهدفها باعتماد سياسات وتحالفات مذهبيّة صرفة. وهي تريد لحماس أن تكون جسرها مع الإسلام السياسي السنّي الذي يشاطرها بعض المواقف والمصالح، وإن اختلف الفريقان في الأزمة السوريّة!”.
أخيراً، يبقى أن عدم تحقّق زيارة مشعل إلى إيران وإثارة الكثير من اللغط حولها بين نفي وتأجيل، دفع “المونيتور” إلى الاستنتاج أن “حماس” تنظر إلى أن مستقبل العلاقات مع طهران لن يعود إلى سابق عهده.. إلى شهر العسل الذي عاشه الطرفان. لكنها في الوقت ذاته حريصة على عدم الوصول إلى مرحلة الطلاق البائن!