ترجمة وتحرير نون بوست
لحوالي 14 عامًا، استقر المعتقل العسكري للولايات المتحدة الواقع على خليج غوانتانامو في كوبا، على حافة منطقة البحر الكاريبي وعلى حافة الدستور على حد سواء، مركز الاعتقال الذي افتتحه الرئيس جورج بوش في أشهر الذعر التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، كان له تأثير تطرفي قوي، كما عمل على تشويه موقف أمريكا بشدة باعتبارها دولة قانون ومؤسسات، وكلّف دافعي الضرائب أكثر من 5.2 مليار دولار حتى الآن.
هذه المهزلة كان من الممكن، ومن المتوجب، أن تنتهي قبل سنوات، ولكن الكونجرس وضع كامل ثقله للحفاظ على أبواب هذا المعتقل مشرعة، وداخل السلطة التنفيذية، عملت الوكالات في بعض الأحيان لتحقيق أهدافًا متعارضة، وأحيانًا تصرفت ببطء شديد، ولكن في النهاية، مسؤولية كل شيء تقع على كاهل الرئيس.
إغلاق معتقل غوانتانامو، كان الوعد الأساسي الذي تعهد به أوباما في حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض، ولكن هذه الوعد لا يزال حبرًا على ورق، بسبب التقديرات السياسية الخاطئة لفريقه، والتتبع الشديد للمعارضة في الكونجرس، وفشله في استخدام سلطته بشكل أكثر شدة، والآن لم يتبق أمام أوباما سوى حوالي عام واحد للوفاء بوعده، ورغم أن الالتزام بهذا الوعد يعد مهمة شاقة ولكنها ليست مستحيلة.
من المخطط أن يقدم البيت الأبيض والبنتاغون عما قريب خطة مفصلة إلى الكونجرس لإغلاق السجن، وتنطوي هذه الخطة على اقتراحات لإطلاق سراح المعتقلين الذين برأت ساحتهم، ونقل الباقي إلى السجون أو المنشآت العسكرية في الولايات المتحدة، ويمثل هذا الاقتراح أفضل فرصة لكسر المعوقات السياسية والبيروقراطية التي أبقت معتقل غوانتانامو مفتوحًا حتى الآن.
حتى يوم الجمعة المنصرم، لا يزال يوجد في المعتقل حوال 115 شخصًا، حوالي نصف هؤلاء، 53 رجلًا، حكم عليهم بالبراءة وهم جاهزون للإفراج عنهم، ومن الباقين يوجد 10 سجناء أدينوا بموجب أحكام عسكرية أو تم توجيه تهم محددة لمقاضاتهم على أساسها، و52 شخصًا آخر لم يتم اتهامهم بأي جريمة ولكنهم معتقلون بشكل مستدام، ولا يوجد أمامهم حاليًا أي سبيل للحرية أو لتطبيق الإجراءات القانونية الواجبة عليهم.
وكما قال أوباما عن المعتقل في عام 2013، في تصريح يحمل قدرًا كبيرًا من بخس الأمور لحقها، “الأمر ليس مستدامًا، لأن فكرة أننا نحتجز على نحو دائم مجموعة من الأفراد الذين لم تتم محاكمتهم، لا تعكس ما نحن عليه، بل إنها تخالف مصالحنا، ويجب أن يتم وضع حد لها”.
بريئون ولكنهم معتقلون
خلص فريق من مسؤولي الأمن القومي التابعين لست وكالات حكومية، بما في ذلك وزارة الدفاع، وزارة الخارجية، ومكتب إدراة الاستخبارات الوطنية، إلى أن 53 شخصًا من المعتقلين في غوانتانامو ينبغي الإفراج عنهم في حال وجدت حكومات دول مستعدة لاستقبالهم.
ولكن الحكومة تقدم أعذارًا مشكوك بصحتها لاستمرار احتجاز هؤلاء المعتقلين، أحدها يتمثل بأن أكثر من 80% من المعتقلين الجاهزين للإفراج عنهم هم من اليمنيين، الذين لا يمكن إعادتهم بأمان إلى وطنهم الذي يرزح تحت وطأة الحرب، رغم أنه على أرض الواقع عرضت العديد من البلدان استعدادها لاستقبال المعتقلين المفرج عنهم، بما في ذلك اليمنيين.
والعذر الآخر يتمثل بأن قانون الولايات المتحدة يوجب أن يقرر وزير الدفاع، أشتون كارتر، شخصيًا بأن التهديد الذي قد يشكّله كل شخص يتم الإفراج عنه قابل للسيطرة عليه، وبطبيعة الحال، وزير الدفاع قد يخشى تحمل اللوم إذا ما تم الإفراج عن أحد المعتقلين لينخرط في وقت لاحق في نشاط إرهابي معين، وهذا الأمر بالتأكيد كان جزءًا من الدافع الذي دعا الإدارة الأمريكية لسن هذا القانون، ولكن مع ذلك، فإن هذا لا يعفي الوزير الحالي ومن سبقه من تبعات بطء الإجراءات المتخذة.
بعد أن وصف غوانتانامو بأنه “صرخة تروّج للجهادية”، تعهد كارتر في الشهر الماضي بالتحرك سريعًا لإغلاقه، ومع ذلك، وحتى يوم الجمعة المنصرم، لم يوافق كارتر سوى على إطلاق سراح 7 سجناء فقط منذ توليه منصبه في فبراير الماضي، علمًا أن أحد الأسباب التي اضطرت سلفه، تشاك هاغل، للخروج من منصبه، كانت تتمثل بنقده من قِبل مسؤولي البيت الأبيض لأنه كان يتحرك ببطء تجاه قضية معتقلي غوانتانامو، وهو الذي وافق على إطلاق سراح 44 معتقلًا في غضون عامين؛ لذا يجب على أوباما أن يصر على تحرك كارتر بسرعة أكبر.
وفي ذات الوقت، يوجد خيار آخر للحد من عدد المعتقلين، فالواقع يشير إلى أن العديد من المعتقلين الجاهزين للإفراج عنهم تقدموا بالتماسات للمثول أمام المحكمة، مطالبين الحكومة بتفسير السبب الذي يكمن خلف استمرار اعتقالهم، وفي جميع هذه الحالات، كانت وزارة العدل الأمريكية ترفض هذه الالتماسات تلقائيًا؛ لذا إذا توجه أوباما بطلب إلى الإدارة للتوقف عن هذه الممارسة، يمكن حينئذ للقاضي الفيدرالي أن يفرج فورًا عن المعتقلين لإرسالهم إلى البلد المستعد لاستقبالهم دونما الحاجة لموافقة وزير الدفاع.
سجناء إلى الأبد
الجزء الأكبر من بقية المعتقلين، 52 معتقلًا، يُعرفون بشكل غير رسمي باسم “سجناء إلى الأبد”، وهؤلاء منخرطون في مأزق قانوني لا نهاية له، فهم ليسوا متهمين بارتكاب جريمة، كما لم يتم إعدادهم للإفراج عنهم، وبعضهم معتقل في غوانتانامو منذ افتتاحه في عام 2002.
الفريق الحكومي المسؤول عن استعراض قضايا السجناء للإفراج عنهم استمر بالنظر في هذه القضايا، ومؤخرًا، في شهر أغسطس، برأ ساحة السجين الليبي عمر خليف محمد، المعتقل في غوانتانامو منذ عام 2002.
ولكن هذه العملية لا تزال تجري ضمن نطاق ضئيل، وإذا كان من المخطط إغلاق غوانتانامو في العام المقبل، فلا بد من تسريع عملية استعراض السجناء بشكل كبير.
ضمن هذه المجموعة، يوجد ما لا يقل عن 20 معتقلًا على استعداد للإقرار بجرائمهم أمام المحاكم الفيدرالية، مثل جرائم التآمر أو الدعم المادي للإرهاب، وذلك وفقًا لمركز الحقوق الدستورية، وهي مجموعة قانونية تمثل حاليًا 11 معتقلًا.
في نهاية المطاف، سيبقى عدد ضئيل من المعتقلين الذين لم يتم توجيه أي اتهامات لهم، والذين تصفهم الحكومة بأنهم “خطرون للغاية” لكي يتم الإفراج عنهم؛ حيث تعتزم الحكومة مواصلة احتجازهم إلى أجل غير مسمى بالاعتماد على التراخيص القانونية التي أصدرها الكونجرس أثناء حربي العراق وأفغانستان، وبالطبع فإن هذا أمر غير مقبول في بلد غالبًا ما يحاضر حكومات الدول الأخرى حول عدم قانونية اعتقال الأشخاص بدون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة؛ فإذا كانت الحكومة الأمريكية غير مستعدة لمحاكمة هؤلاء الرجال فإنه من الأولى بها أن تطلق سراحهم.
الماثلون أمام المحاكم العسكرية
من بين الرجال الـ780 الذين احتجزوا في غوانتانامو منذ عام 2002، تمت إدانة 8 معتقلين فقط من قِبل اللجان العسكرية، كما عمدت المحاكم إلى إلغاء 4 اتهامات على الأقل من التهم الموجهة ضدهم.
ويجري حاليًا محاكمة 7 سجناء من قِبل اللجان العسكرية، بمن فيهم خالد شيخ محمد، المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، ولكن تلك المحاكمات امتدت على مدى سنوات طوال، مع عدم وجود أي نهاية لها تلوح في الأفق.
اللجان العسكرية هي مهزلة قانونية تمثل فشلًا عمليًا ذريعًا، وإذا كانت الحكومة الأمريكية تريد محاكمة المعتقلين، فهناك نظام قانوني راسخ قادر على الحلول مكان نظام اللجان العسكرية، يتمثل بالمحاكم الاتحادية “الفيدرالية” في الولايات المتحدة؛ فعلى النقيض من اللجان العسكرية العاجزة، استطاع المدعون الفيدراليون الفوز باتهامات حوالي 200 قضية من قضايا الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر، بما في ذلك قضية معتقل غوانتانامو السابق، أحمد خلفان غيلاني، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة لدوره في تفجير السفارات الأمريكية في أفريقيا عام 1998.
خطة مقاضاة خالد شيخ محمد، في المحكمة الاتحادية في مدينة نيويورك عام 2011، سقطت عندما استغل بعض السياسيين ذوي النفوذ الكبير سوء تعامل الإدارة مع القضية، التي خربت أوضح طريق يمكن التعويل عليه لإثبات التهم ضد محمد عن الهجمات الإرهابية التي ارتكبها من خلال دعوى قضائية عادلة، وبطبيعة الحال، أي أدلة أو اعترافات تم الحصول عليها جرّاء تعذيب محمد في الموقع الأسود “بلاك سايت” التابع لوكالة المخابرات المركزية، كان لا يمكن التعويل عليها كأدلة مقبولة ضمن المحاكمة، ولكن مع ذلك، كان بوش والمدعي العام السابق إريك هولدر جونيور واثقين من أن لديهما ما يكفي من الأدلة الأخرى لكسب قضيتهما.
بالمحصلة، وبعد أربع سنوات، وبدلًا من قضاء حكم بالسجن مدى الحياة دون عفو في سجن شديد الحراسة، مازال محمد ومتهمون آخرون في أحداث 11 سبتمبر عالقين في إجراءات ما قبل المحاكمة في غوانتنامو.
بشكل عام، وقف المشرعون الجمهوريون في طريق إغلاق السجن منذ عام 2010، من خلال تمرير التشريعات التي تمنع الإدارة من نقل المعتقلين إلى الولايات المتحدة، حيث استغل هؤلاء المخاوف العامة، رغم أن معتقلي غوانتانامو يمكن أن يتم احتجازهم بشكل آمن في السجون الاتحادية، وبمبلغ يقل للغاية عن المبالغ الطائلة التي يتم إنفاقها سنويًا لاحتجاز السجناء في غوانتانامو.
السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، أوضح في بيان له بأنه سيلتزم بالمساعدة على إغلاق السجن، إذا ما تم تزويد الكونجرس بـ”خطة شاملة” تغطي قضايا غوانتانامو، وتشمل توضيح سياسة الاعتقال الأوسع للإرهابيين المشتبه بهم الذين قد تقبض عليهم الحكومة الأمريكية في المستقبل.
ولكن المعارضة الأقوى لقرار إغلاق غوانتانامو لا تزال تقبع في مجلس النواب، حيث يشير العديد من الجمهوريين أن الولايات المتحدة بحاجة لاحتجاز المتهمين بالإرهاب إلى أجل غير مسمى، وتبينت هذه المعارضة بعدما بدأت وزارة الدفاع الأمريكية بدراسة المواقع المحتملة لاحتجاز سجناء غوانتانامو داخل الولايات المتحدة، حيث عمد السياسيون المحليون حينها إلى الاعتراض على هذا القرار، مدعين بغرابة بأن وجود هؤلاء السجناء على الأراضي الأمريكية من شأنه أن يهدد السلامة العامة.
لقد آن الأوان حقًا لإنهاء مهزلة غوانتانامو؛ المعتقل الذي يعد الرمز الأقوى للدلالة على العصر المشين للتاريخ الأمريكي، الكثير من الأشخاص يتحملون المسؤولية عن خلق هذا المعتقل أو مساعدته للاستمرار في عمله، ولكن رجل واحد فقط لديه القدرة على توليد الزخم اللازم لإنهاء هذا الرجس القانوني والأخلاقي.
وكما ذكر شقيق أحد المعتقلين في غوانتانامو، محمدو ولد صلاحي، في رسالة بعثها إلى أوباما يوم الجمعة “هناك عذاب أيضًا، يكمن في عدم معرفة متى، أو فيما إذا كان، سينتهي عهد السجن الظالم”.
المصدر: نيويورك تايمز