تُعد إسطنبول، أكبر المدن التركية، من أكثر أماكن الجذب السياحي في نظر السائحين العرب، حيث تشير الإحصائيات الحديثة من مركز إسطنبول للثقافة والسياحة، بلوغ عدد السائحين العرب في مطلع الشهور السبعة الأولى من العام الجاري إلى 1.321.198 سائحًا، وهي نسبة مدهشة، حيث تُمثل 18.7% من إجمالي عدد السائحين الذي استقبلته تركيا في نفس العالم وهو 7.080.581 سائحًا أجنبيًا.
ظلت السعودية تحتل المرتبة الأولى من بين أعداد السائحين العرب في خلال مطلع الشهور الأولى من السنة بعدد يُقارب 254.825 سائحًا سعوديًا، كما يُعد السعوديون من أكثر المستثمرين في العقارات داخل إسطنبول، ومن أكثر الجنسيات العربية التي تمتلك منازل خاصة بهم في المدينة، يليهم القطريون ثم الكويتيون، كما يحتل العراق المرتبة الثانية من حيث التصنيف على مستوى الجنسيات العربية التي تزور إسطنبول، بعدد يبلغ 198.425 سائحًا عراقيًا.
أصبحت إسطنبول تحتل المراتب الأولى في أكثر المدن السياحية زيارة، حيث بلغ عدد السائحين في السنين الأخيرة لتركيا 36.8 مليون سائح في 2014، كما احتل متحف “آيا صوفيا” المركز الأول من ضمن أكثر الأماكن زيارة داخل إسطنبول، وهو من أقدم الكنائس التي تحوّلت بعد الفتح الإسلامي لإسطنبول إلى مسجد ومن ثّم حوّلها أتاتورك إلى متحف يجمع بين الأيقونات المسيحية والرموز الإسلامية جنبًا إلى جنب.
هل تركيا هي المستفيدة من الربيع العربي؟
يبدو أن الإجابة ستكون بالإيجاب؛ حيث إن أعداد العرب الزائرين تركيا تزايدت بشكل مضاعف وملحوظ منذ عام 2011، مشهد السائحات العربيات المغطات الوجه في أكبر المحلات التجارية كالمركز التجاري “جواهر”، أكبر المراكز التجارية في تركيا، بات مألوفًا للغاية لكل من الأتراك والاقتصاد التركي، حيث يعتبر العديد من المواطنين العرب تركيا كبلد ثان لهم، إذا يشعرون فيها بالأمان أكثر من بلادهم نفسها، كما يجدوها متحضرة ومتمدينة كأوروبا، ولكن في نفس الوقت هي أقرب للثقافة العربية والدين الإسلامي أكثر من الغرب، فيستمتع العرب بصوت الآذان في تركيا، كما يتسمتعون بالمظاهر الدينية في المناسبات الدينية كالأعياد أو شهر رمضان، ومن أحد الأسباب التي تجعل العرب مرتاحين البال في تركيا، هي أنهم يمكنهم استهلاك كل المأكولات الغذائية بدون خوف، لأنها ستكون جميعها “حلال”.
يفضل السائحون الجزء الأوروبي من إسطنبول عن الأسيوي، كما يفضلون رحلة مضيق البوسفور، وهو المضيق الذي يفصل بين الجزء الأوروبي والأسيوي في المدينة، كما أن من أكثر الشوارع تفضيلًا بين جميع السائحين العرب، هو شارع “استقلال” المؤدي إلى ميدان “تقسيم”، أحد أشهر الميادين التركية، بالإضافة إلى ذلك يفضل العرب، وبخاصة النساء منهم، قصر “الباب الأعظم” أو كما هو مُسمّى بالتركية “قصر توبكابي” والذي تمّ فيه تصوير المسلسل التركي الشهير “حريم السلطان”، كما يتمركز العرب دائمًا عند ميدان “السلطان أحمد” حيث يعد الجامع الأزرق هو قبلة العرب في إسطنبول، بالإضافة إلى متحف “آيا صوفيا” الذي يقع بجواره، ولا ننسى من ذلك تفضيل السائحين لمشاهدة العرض الراقص للرقصة الصوفية المولوية “سما”، وهي رقصة الدراويش المشهورة والتي يبرع فيها الأتراك.
على الرغم من هيمنة دول الخليج العربي على النسبة الأكبر من الزائرين العرب إلى تركيا، إلا أنه يتنوع العرب داخلها، فيأتي كل من بلاد الشرق، كالأردن ولبنان وفلسطين، بالإضافة إلى بلاد شمال أفريقيا.
يأتي مواطنو الخليج العربي إلى تركيا حيث يشعرون بالراحة والحرية فيها أكثر مما يشعرون في بلادهم، أما عن مواطني لبنان والأردن وبلاد الشرق فيهتمون أكثر بالمناطق الأثرية الخاصة بالحضارة الرومانية والبيزنطية، فيسألون عن أماكن المتاحف والمعارض، بالإضافة إلى بحثهم عن أفضل المطاعم التقليدية الموجودة في إسطنبول، أما مواطنو الخليج العربي فهم أكثر إنطواءً، ولا يفضلون التحدث للغرباء ويحرّمون على زوجاتهم أو بناتهم التحدث للرجال، ولا يهتمون للتاريخ الروماني أو البيزينطي في تركيا، بل يفضلون المراكز التجارية ومحلات الأكل السريع.
القادمون من دول المغرب العربي، خاصة المتطبعون منهم بالثقافة الفرنسية، يبحثون عن الذوق الفرنسي في الأماكن التي يرغبون في زيارتها أو التواجد فيها، كما يفضلون نمط الحياة الغربي عن الإسلامي، ولكنهم أقل إقبالًا على المحلات التجارية نظرًا لتصرفات البائعين غير المقبولة أحيانًا مع السائحين العرب، إذ يظن البائع أن العربي يمتلك ما يكفيه من الأموال لشراء أي شيء بأي ثمن، فيُضاعف السعر مرتين أو ثلاثة عن السعر الأصلي الذي يبيعوه للأتراك.
انتعاشة الاقتصاد التركي من السائحين العرب
يرى باشاران أولوصوي، مدير المؤسسة التركية لوكالات السفر والسياحة أن العرب فاحشو الثراء، حيث يمكنهم المجيء إلى تركيا في أعداد ضخمة ومجموعات كبيرة من الممكن أن تصل إلى أكثر من ثلاثين فردًا، يقضون أسبوعًا في تركيا ليرحلوا بعد أن أنفقوا ما يزيد عن الـ80.000 يورو.
شهادات من السائحين العرب
– مُنايا – العراق “أعتبر المسلسلات التركية هي أكبر عرض سياحي لمدينة إسطنبول، فأنا لا أشاهد الممثلين فقط، بل أشاهد معالم المدينة أيضًا”.
– أحمد – عمان – “هذه زيارتي الخامسة لإسطنبول، فأنا أحبها، كما أنني أحب الذهاب إلى مدينة بورصة كثيرًا، إلا أنني أكره وجود الكثير من المتسولين في تركيا”.
– صالح – الكويت – “أكثر ما أحبه في إسطنبول هو جوها اللطيف، فالجو في الكويت يصل إلى ستين درجة مئوية”.
– مصطفى – سوري يعيش في الإمارات – “تذكرني إسطنبول بسوريا، فهي تشبهها في كثير من المشاهد والأماكن، وحتى الجو، لقد شعرت بالأسف لوضع اللاجئين السوريين هنا، حاولت بنفسي مساعدة البعض، ولكن لن أقدر على مساعدة الجميع”.
– محمد – الإمارات – “هذه زيارتي الرابعة لتركيا، لقد اعتاد الأتراك على مشهد الأجانب في إسطنبول، إلا أنني أشعر بأن تصرفاتهم بدأت في أن تحييد نحو العنصرية ضد العرب في الآونة الأخيرة”.
– منى – لبنان – “إسطنبول تشبه لبنان كثيرًا، الناس في العادة متفائلون، وتعجبني أزياءهم، فالكل يرتدي ملابس مختلفة وبحرية كاملة، إلا أنني تعرضت لأكثر من موقف عنصري من قِبل الباعة الجائلين، حيث لم يرد عليّ أحدهم من قبل بسبب كوني عربية”.
شهادات من الأتراك عن العرب
“على الرغم من تفضيل الأوربيين القدوم إلى تركيا في فصل الشتاء، يفضل العرب القدوم في فصل الصيف، ويتسببون في فوضى عارمة في أي مكان يدخلوه، يلزمنا الكثير من التنظيف بعد أن يرحلوا من المطعم”، مدير مطعم في الجزيرة الكبرى.
“لولا العرب لكنّا أغلقنا أبوابنا، إنهم ينعشون الموسم السياحي لدينا، إلا أنهم يصيبونا بالدوار الشديد عند قدومهم، كما أن أطفالهم يزعجوننا ويزعجون كل الحاضرين في الجوار”، مدير مطعم.
“العرب لا يعطوني البقشيش، كل ما يفكرون فيه هو أنهم أثرياء لذا يجب أن تُلبى كل طلباتهم، فهم يستطيعون شراء أي شيء”، نادل بأحد المطاعم التركية.
يمكنك الآن السير بجوار المطاعم التركية، ليُغير المنادي لغته لمجرد رؤيته للسائح العربي ويقول على الفور: “مرحبا، تفضل عندنا”، حيث يرى العديد من مديري تلك المطاعم أن العرب يحبون التحدث إليهم بالعربية، حينها يرحبون بك صديقًا ويدخلون مطعمك، كما يفضل الأتراك المشترين العرب أكثر من الأوروبين والأتراك أنفسهم، لقدرتهم الشرائية العالية، فالعربية تقوم بتجربة الحذاء، فيعجبها لتشتريه فورًا، أما التركية فتجرب عشرين نوعًا مختلفًا من الأحذية، قبل أن تخرج من المتجر غير راضية عن شيء.
إسطنبول التي كانت عاصمة لأكبر ثلاث إمبراطوريات في العالم، هي الآن وجهة العرب وقبلتهم للحياة فيها، بل وأحيانًا للاحتفال بالمناسبات العائلية المهمة كالزواج على سبيل المثال، بعد أن جذبت عيون فتيات العرب من المسلسلات والأغاني التركية المشهورة.
بعد الاضطرابات السياسية التي عاشها ويعيشها العالم العربي حتى الآن، تبدو تركيا المستقرة سياسيًا – بالنسبة للعرب – هي الملاذ الوحيد للحياة المرفهة والمستقرة، فهي البلد الأوروبية ولكن بطابع إسلامي.
المصدر: حريات ديلي نيوز