أعلن فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، من طنجة، مساء الأحد، في ختام ثاني زيارة له للمغرب منذ دخوله قصر الإليزيه، والتي دامت يومين، عن نجاح زيارته، حيث يعتبر أنه تم تحقيق المصالحة السياسية بين البلدين بعد عام من فتور العلاقات على خلفية استدعاء عبد اللطيف الحموشي، مدير مديرية مراقبة التراب الوطني (DST)، للتحقيق معه في قضية تعذيب.
زيارة أتت لتتوج مسارًا من الجهود الفرنسية لتطويق الأزمة السابق ذكرها، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية، لوران فابيوس، التي أتت ضمن نفس السياق، في شهر يناير السابق، ولتطوي صفحة أخرى من صفحات “الصخب الدبلوماسي المغربي” الذي لم يسلم منه كبير ولا صغير.
أصل المشكلة بين المغرب وفرنسا
تعود الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وباريس إلى شهر فبراير قبل الماضي إثر حادثة استدعاء عبد اللطيف الحموشي، مدير الاستخبارات المغربي، من طرف الشرطة الفرنسية من أجل المثول أمام محكمة فرنسية في علاقة باتهامات حول التعذيب وسوء المعاملة قدمها مغاربة من أصحاب الجنسية الفرنسية ضده، أثناء زيارته لباريس.
حادثة أثارت غضب المغرب الذي اعتبرها سلوكًا عدائيًا غير لائق لأنه لم يمر عبر القنوات الدبلوماسية كما جرت العادة بين الدول في مثل هذه الملفات، غضب تترجم عبر استدعاء السفير الفرنسي لديه (المغرب) من أجل تبليغه احتجاج الأخير على ما حدث، ثُم ليتم الإعلان عن تعليق التعاون القضائي والأمني بين البلدين.
مُحفزات التوتر بين البلدين تواصلت تباعًا عبر ما اعتبرته الرباط تساهلاً في السماح لمعارض مغربي بالهجوم على غرفة جنرال مغربي أثناء تداويه بأحد المستشفيات الفرنسية، وخاصة بعد تعرُّض وزير الخارجية المغربي إلى تفتيش “مُهين”، حسب السلطات المغربية، لشخصية رسمية تحمل جواز سفر دبلوماسي في مطار فرنسي، ورغم اعتذار السلطات الفرنسية وعلى رأسها فرانسوا هولاند، للملك المغربي إلا أن موقف الأخير ظل في حكم الغاضب.
تراكم المُؤاخذات بين البلدين دفع الجانب المغربي إلى النقد الحاد لتعاطي الجانب الفرنسي مع ملف العلاقات المغربية – الفرنسية، وهو ما برز خاصة مع تصريح لوزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار، لمجلة جون أفريك قال فيه إن الثقة بين البلدين تقلصت وبأن الإرادة السياسية لإعادة المياه لمجاريها غائبة عند الطرف الفرنسي، كما أضاف بأن عهد الوصاية الفرنسية على المغرب قد ولّى دون رجعة.
ومن بين أهم الإشارات التي اُستُشفّ منها عمق الأزمة بين البلدين، تخلّف المغرب عن مسيرة الزعماء التي نظمتها باريس على خلفية اعتداءات شارلي إيبدو، تخلف كان سببه المعلن الاحتجاج على رفع صور مسيئة للرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – ويبدو أنه مثّل أيضًا فُرصة للتذكير ببرود العلاقات بين البلدين وبموقف المغرب الحاد من فرنسا.
برنامج زيارة هولاند للمغرب
مع وصوله إلى مطار طنجة، تحدّث الرئيس الفرنسي إلى الصحافة، ليؤكد أمله أن يدخل البلدان مرحلة جديدة من الشراكة، مضيفًا أنه أتى في إطار زيارة عمل وصداقة تم الإعداد لها منذ عدة أشهر، موضحًا أن المغرب وفرنسا تجمعهما العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، الاقتصادية منها والثقافية واللغوية، كما يجمع البلدان ليس فقط تاريخ طويل مشترك، بل أيضًا المستقبل المثمر جدًا، وفق تعبيره.
ووصف هولاند العام الذي شهد توترًا بين البلدين بالمرحلة الصعبة التي يجب تجاوزها، لأنهما يمتلكان إرادة للعمل سويًا في أفريقيا، معتبرًا أن حلوله في المغرب يأتي لملامسة التحديات الكبرى للمرحلة الراهنة، والمتمثلة في قضايا الأمن والاقتصاد والشغل والمناخ ومكافحة الإرهاب.
وبعد اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي عصر السبت، جرى التوقيع على اتفاقية ثنائية تتعلق بتكوين الأئمة الفرنسيين في المغرب، كما أشرفا، في حي مغوغة، على تدشين ورشة صيانة القطارات فائقة السرعة، وبعد النشاط الملكي والرئاسي، استقبل هولاند، بقصر الضيافة في طنجة، رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ورئيسي مجلس النواب، رشيد الطالبي العالمي، والمستشار، محمد الشيخ بيد الله.
وأقام الملك، بالقصر الملكي في طنجة، حفل استقبال على شرف رئيس الجمهورية الفرنسية والوفد المرافق له، وخلال يوم الأحد، أشرف محمد السادس وهولاند،على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز معهد التكوين في مهن الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، وترأسا حفل إطلاق “نداء طنجة، من أجل مبادرة تضامنية قوية لفائدة المناخ”، تلتها مأدبة غداء، كما قاما بزيارة للمركب المينائي طنجة – المتوسط.
وبعد أن انتهى البرنامج الرئاسي الخاص بالزيارة، غادر فرانسوا هولاند ومرافقوه من كبار المسؤولين الفرنسيين مدينة طنجة، مساء الأحد، وكان في وداعه قبل مغادرته مطار ابن بطوطة الدولي، عبد الإله بنكيران، وقبل أن يغادر، صرح الرئيس الفرنسي بأن المصالحة بين البلدين قد تمت، وأن الخلافات لم تمح أو تم التغلب عليها فقط، بل أصبحت تمامًا من الماضي.
ما سر الاهتمام الفرنسي بالمغرب؟
من المعلوم أن العلاقات الدبلوماسية تحكمها المصالح المشتركة، وهو ما يُفسر في الحقيقة هذا السعي الذي لقيه المغرب من طرف فرنسا لرأب الصدع وإرجاع المياه إلى مجاريها، فبالرجوع إلى آخر الإحصائيات المنشورة حول حجم المبادلات بين البلدين، نجد أن حجم التبادل بينهما مثلاً تجاوز عتبة 92 مليار درهم (9.1 مليار دولار) خلال السنة الماضية، كما أن قيمة الصادرات المغربية خلال نفس السنة بلغت 41 مليار درهم، في حين كانت الصادرات الفرنسية تجاه المغرب في حدود 51 مليار درهم؛ ما يجعل من فرنسا الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية.
وبخصوص الاستثمار الفرنسي فيها، تحتل الشركات الفرنسية صدارة الشركات الأجنبية بالمغرب، حيث توجد بالبلاد نحو 750 شركة فرنسية، كما أن حجم الاستثمارات الفرنسية بالمغرب بلغ في المتوسط نحو 15 مليار درهم (1.5 مليار دولار) سنويًا فى الفترة ما بين عامي 2009 و 2013، حيث تمثل الاستثمارات الفرنسية بالمغرب 43% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية بالبلاد، أما في المجال السياحي، يتصدر السياح الفرنسيون لائحة السياح الذين يزورون المغرب بنسبة 35% من إجمالي عدد السياح.
وبالإضافة إلى الملف الاقتصادي، تعتبر المغرب إحدى بوابات فرنسا على أفريقيا، كما أنه تُعول على خدماتها وتعاونها خاصة في ملفات الهجرة السرية ومكافحة الإرهاب، وهو ما يُفسّر حرصها على عدم إضاعة هذا الشريك الإستراتيجي.