أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا أكدت خلاله أن الجيش المصري انتهك القانون الدولي خلال عملياته الأخيرة في سيناء التي استمرت على مدار العامين الماضيين، وأكدت المنظمة أن عمليات الجيش أسفرت عن تهديم جماعي وإخلاء قسري لمنازل نحو 3200 عائلة، وأوضحت المنظمة أن الجيش المصري خرق بتلك العمليات العسكرية اتفاقيات أممية وإقليمية دخلت طرفًا فيها مسبقًا، وقالت ربما تكون السلطات في مصر قد انتهكت قوانين الحرب أيضًا من خلال انعدام التناسب في تدمير آلاف المنازل.
التقرير الذي حمل عنوان “تهجير الآلاف في عمليات الهدم في سيناء” تحدث عن ترك العائلات الحدودية في شبه جزيرة سيناء لتدبير أمورهم بأنفسهم أثناء النزاع مع ما وصفهم التقرير بـ”المتمردين” في إشارة إلى مسلحي تنظيم ولاية سيناء، كما شرح التقرير إخفاق الحكومة في إعالة السكان على النحو اللائق أثناء عمليات الإخلاء وما تلاها في شمال سيناء، وذكر التقرير: “أنه منذ يوليو 2013، وبدعوى القضاء على تهديد أنفاق التهريب، قام الجيش تعسفيًا بهدم آلاف المنازل في منطقة مأهولة بالسكان لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، ، فدمر أحياءً بأكملها ومئات الأفدنة من الأراضي الزراعية”.
المنظمة الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان اعتمدت في تقريرها على مقابلات أجرتها مع نحو 11 عائلة من التي تم إخلاؤها في المنطقة العازلة، كما اعتمد على شهادات صحفيين ونشطاء كانوا يعملون ميدانيًا في سيناء، وأوضحت المنظمة أنها حللت عشرات من مقاطع الفيديو التي صورت عمليات الإخلاء، وأكثر من 50 صورة التقطتها أقمار صناعية فوق المنطقة العازلة بين مارس 2013 وأغسطس 2015، وقالت إنها استخلصت النتائج في تقرير حمل عنوان”ابحثوا عن وطن آخر”.
حيث أثبتت المنظمة أن السلطات المصرية قدمت للسكان النزر اليسير أو لا شيء على الإطلاق على سبيل الإنذار بالإخلاء، ولم توفر لهم سكنًا مؤقتًا، وعن التعويضات كانت غالبًا غير كافية بما يُكافئ المنازل المدمرة، أما الأراضي الزراعية فلم تعوضهم الحكومة المصرية عنها على الإطلاق، كما أثبتت الوقائع أنه لا يوجد أي سُبل فعالة للطعن على قرارات الإخلاء أو تهديم المنازل أو مبالغ التعويض تلك، وهو ما يعتبر انتهاكًا لتدابير الحماية المتاحة للسكان الذين يتم إخلاؤهم قسرًا الواردة في القانون الدولي.
يُذكرأن السلطات المصرية دأبت على معاملة شمال سيناء كمنطقة عسكرية مغلقة منذ فترة طويلة، حيث منعت الوصول إليها من جانب الصحفيين والمراقبين الحقوقيين، وذلك منذ الأحداث السياسية في مطلع يوليو عام 2013، عقب انقلاب الجيش على الرئيس السابق محمد مرسي، على حد وصف المنظمة، التي استند تقريرها على صور الأقمار الصناعية لتثبت بدء الجيش عمليات الهدم في تلك الفترة، أي قبل أكثر من عام من إصدار الحكومة المصرية للقرار الرسمي المنشئ للمنطقة العازلة الذي أعلن عن بدء عمليات الإخلاء والتهجير تلك.
انضوى كذلك خلال التقرير تأكيدات المنظمة على تدمير الجيش جميع المباني والأراضي الزراعية تقريبًا في نطاق حوالي كيلومتر واحد من الحدود، باستخدام المتفجرات غير المحكومة ومعدات الحفر، بالإضافة إلى تدميره لعشرات المباني على مسافة تزيد عن كيلومتر من الحدود، وإعلان الجيش نيته الاستمرار في عمليات التهديم.
تم تفنيد مزاعم السلطات المصرية في أن القضاء على الأنفاق بين مصر وغزة يكمن في تهجير أهالي سيناء على المنطقة الحدودية، إذ إن الخطة الرسمية المصرية تنطوي على على إخلاء نحو 79 كيلومترًا مربعًا على حدود غزة، تشمل مدينة رفح بأكملها التي يسكنها نحو 78 ألف نسمة.
النظام المصري كذلك يدعي أن مسلحي تنظيم ولاية سيناء يستخدمون هذه الأنفاق لتلقي السلاح والمقاتلين والدعم اللوجيستي من غزة، وهو مبرر آخر للتهجير القسري للأهالي، في حين تطالب المنظمات الحقوقية المحلية والدولية النظام المصري بتقديم أدلة على مثل تلك الادعاءات، وهنا استعانت منظمة هيومن رايتس ووتش بتصريحات رسمية صدرت عن مسؤولين مصريين وإسرائيليين تؤكد أن المسلحين في سيناء حصلوا على أسلحتهم من ليبيا في المقام الأول ثم من معدات الجيش المصري في القمام الثاني، كما أن هذه الأسلحة يتم تهريبها إلى غزة من سيناء وليس العكس.
وفي هذا أرسلت المنظمة العديد من الخطابات إلى عدد من هيئات الحكومة المصرية منذ يوليو 2015، بما فيها مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية، تتعلق باستفسارات حول المنطقة العازلة والخطوات التي اتخذتها مصر لحماية حقوق السكان الذين تم إخلاؤهم، في حين لم ترد السلطات المصرية على أي من تلك الاستفسارات.
لم يسمح النظام المصري بأي إشراف خارجي على تلك العمليات التي تتم تحت بند “مكافحة الإرهاب” سواء في سيناء أو غيرها، كما لا يسمح الجيش المصري بنشر معلومات عن تلك العمليات إلا من خلاله، وتهدد السلطات الصحفيين الذين يغطونها بعقوبات شتى، آخرها إحدى مواد قانون الإرهاب الذي صدر في أغسطس الماضي ونص على غرامة تصل إلى 500 ألف جنيه مصري ما يُعادل (64 ألف دولار أمريكي) بالإضافة إلى المنع من العمل لمدة سنة كاملة، كعقوبة لمن ينشر معلومات عن الإرهاب تخالف البيانات الحكومية.
يُذكر أنه منذ شهر يوليو 2013 قُتل أكثر من 3600 شخص طبقًا لتقارير حقوقية، من بينهم مدنيين ومسلحين وأفراد من قوات الأمن خلال العمليات العسكرية في سيناء، استندت هذه الأرقام على تقارير إعلامية وبيانات حكومية، لأن المنظمات الحقوقية أبدت عجزها عن التحقق المستقل بشأن تلك الأرقام، في حين يتهم أهالي سيناء السلطات المصرية في أكثر من مرة بتحريف الإحصائيات الرسمية الناتجة عن عمليات الجيش.