ترجمة وتحرير نون بوست
إنه موسم القتال في أفغانستان، وشهر أغسطس بالذات كان دمويًا للغاية في شوارع كابول.
في الأسابيع القليلة التي سبقت وصولي إلى المدينة، خلّفت الهجمات عشرات القتلى، ومئات الجرحى، بالتلازم مع تحطم الأمل في قدرة الحكومة على تأمين وحماية العاصمة.
على أرض الواقع تتمثل المعادلة بأن أمان كابول نادرًا ما يعني استقرار أفغانستان، ولكن انعدام الأمان بكابول يعني حتمًا عدم استقرار الأمة، وصيف كابول الدموي والعنيف يبهت ويتضاءل بالمقارنة مع العنف الذي شهدته المحافظات المحيطة بها، وخاصة في الجنوب، ومع تركيز الدول الغربية بشكل متزايد على أماكن أخرى، تحتدم المعركة وتتصاعد في أفغانستان.
الأمور ازدادت سوءًا
أفغانستان تتوزان بدقة على حبل يقودها نحو أجلين مختلفين؛ فخلال زيارتي الأولى لها في عام 2014، كان الشعور العام في العاصمة يفيض بالتفاؤل الحذر، بل حتى بالأمل، وإقبال الناخبين المثير للإعجاب على الانتخابات الوطنية، كان يعكس حينها شعورًا عامًا بالتفاؤل حول أن الحكومة الجديدة تعني إمكانيات جديدة وآمال جيدة للمستقبل.
ولكن مع عودتي إلى كابول بعد أقل من عام، يبدو أن مسار مستقبل أفغانستان تحول نحو اليأس بدلًا من الأمل، والعقوبة العامة التي فرضها الرئيس أشرف غاني على باكستان إبان الهجوم الانتحاري عند مدخل مطار كابول الدولي، تدلل على أن حالة الإحباط وصلت إلى أعلى المناصب العامة في أفغانستان.
الشعور بانعدام الأمل يضرب عميقًا في قلب شوارع كابول، فسواء أصحاب المحال التجارية، سائقو سيارات الأجرة، لاعبو الصالات الرياضية، وأساتذة الجامعات، جميعهم أجابوا على سؤالي المتمثل فيما إذا كانت أفغانستان تتحسن أو تشهد تحسنًا أمنيًا بغض النظر عن إراقة الدماء التي حصلت في شهر أغسطس، بذات الإجابة، الأمور ازدادت سوءًا.
مجموعة عديدة من العوامل ساهمت في ارتفاع هذا الشعور باليأس وانعدام الأمل، ومنها ارتفاع أعمال العنف وانسحاب القوات الغربية من الأراضي الأفغانية، حيث كانت النتيجة الطبيعية للانسحاب مغادرة الآلاف من العمال الأجانب من أفغانستان، مما خلق فراغًا اقتصاديًا هائلًا، ترك العديد من الشركات المحلية على حافة الانهيار.
العامل الآخر الذي ساهم أيضًا في صياغة الواقع الأفغاني الحالي، يتمثل بأنه ولفترة طويلة من تاريخها الحديث، تمت صياغة مسار أفغانستان بشكل غير متناسب من قِبل القوى الخارجية؛ فالتاريخ الأفغاني الحديث يزخر بشتى أنواع التدخلات الخارجية، كالتدخل الدائم من الدول المجاورة، تدخل المستعمر البريطاني في أوائل القرن العشرين، تدخل الكتلة السوفييتية في أفغانستان في أواخر القرن المنصرم، ومؤخرًا، تدخل ائتلاف الدول الغربية.
ولكن اليوم، وللمرة الأولى منذ عقود، أصبحت المسؤولية عن صياغة مستقبل أفغانستان تقبع بين يدي الأفغانيين، وبالتالي فإن التوقعات القاتمة التي أعرب لي عنها السكان المحليين، تعكس أكثر من مجرد إحباط لاحق للانتخابات، إنها تعكس شعورًا بالأزمة الذي تولد جرّاء التفاوت الكبير ما بين الآمال التي علقها الأفغانيون على حكومتهم، والواقع المرير الحالي الذي تقاسيه هذه الحكومة، وبعبارة أخرى، التفاوت بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون.
لذا فإن التوقعات والآمال المعتدلة التفاؤل، ستكون أمرًا حاسمًا في الحد من الإحباط واستدامة الأمن والاستقرار.
طريق المستقبل الوعر
التحديات التي تقبع في مسار أفغانستان هائلة، فأفغانستان بلد يبلغ عدد سكانه نحو 28 مليون نسمة، 76% منهم يعيشون في المناطق الريفية، وأكثر من 13 مليون شخص يعانون، بدرجات متفاوتة، من انعدام الأمن الغذائي.
الجهود الرامية لمكافحة هذا الفقر المستشري تعيقها حالة انعدام المساواة ما بين الجنسين، والتي تعد من بين الحالات الأسوأ في العالم، والأثر المدمر الذي نجم عن ثلاثة عقود من الحرب، يظهر جليًا من خلال تحري واقع الفئات العمرية للسكان في أفغانستان، حيث يظهر بأن نصف سكان الدولة تقل أعمارهم عن 14 عامًا.
معظم السكان الأفغان يعيشون في المناطق الريفية ويرزحون تحت وطأة الفقر
الولاءات العرقية والقبلية تواصل، بدرجات متفاوتة، صياغة الطريقة التي يرى بها الأفغان أنفسهم، والطريقة التي يرون بها بعضهم البعض، وخاصة في المناطق الريفية، وهذا الأمر يمكن ملاحظته بشكل خاص من خلال المناقشات حول الأمن في البلاد.
من خلال حديثي مع سائق أجرة يجلس بلا حراك في ازدحام كابول، يوضح لي قائلًا “حيثما يوجد البشتون توجد المشاكل، في الجنوب، المشاكل مستمرة، والآن، في الشمال، حيث يعيش شعب البشتون، يوجد مشاكل أيضًا”، وتابع قائلًا بعد توقفه عن الكلام للحظة مع تحرك السير ببطء، “أنا أدرك بأن شعب البشتون ليس سيئًا بمجمله، ولكن معظمهم سيئين”.
التوسط لحل هذه الاختلافات، وليس التمويه والتعتيم عليها، يمثل تحديًا معقدًا آخر يجابه الحكومة، فهذه القضية، بالتلازم مع العديد من القضايا الأخرى، تحتاج إلى معالجة في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على محاربة التمردات المتعددة التي تطفق في جسد البلاد.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن حركة طالبان المتمردة، لا تمثل قوة واحدة متماسكة ومتجانسة، بل إنها حركة غير متجانسة وتتميز بوجود العديد من الشبكات المنفصلة والعاملة على الأرض، وظهرت خطوط الصدع مؤخرًا بشكل لافت إبان خلافة الملا منصور كزعيم لحركة طالبان.
طالبان المنقسمة، لا تمثل تهديدًا أشد توترًا واضطرابًا على البلاد فحسب، بل إنها قد تشكل خطرًا مديدًا يتمثل بقيام الفصائل الانفصالية بتأسيس جماعات مستقلة أو الانضمام إلى فصائل الدولة الإسلامية المحلية، كفصيل ولاية خراسان، الذي يستفيد من الاضطرابات التي تنخر في جسد طالبان ليحفر عميقًا ويؤسس لموطئ قدم له في أقاليم أفغانستان.
ولكن، للتفاؤل مكان
إذا نظرنا إلى الواقع بصورة منعزلة، فإن الصورة الحالية لأفغانستان تبدو قاتمة بشكل لا يصدق، ومع ذلك، وضمن السياق التاريخي، التقدم الحاصل في البلاد لا يمكن إنكاره، فمن السهل علينا أن ننسى أنه قبل عقدين من الزمان فقط، كانت أفغانستان تتحرك قدمًا للسقوط تحت حكم وسيطرة طالبان بعد حربين قاسيتين.
وهناك سبب آخر يبعث على الأمل والتفاؤل، فالجامعات الأفغانية تفيض بالطلاب الحيويين وذوي القدرات العالية، وأثناء حديثي مع فئة من باحثي الدراسات العليا بجامعة كابول، استطعت أن ألمس بجلاء إحساسهم بالمسؤولية لصياغة مستقبل بلادهم.
التعليم سيكون آلية حاسمة لجسر هوة عدم المساواة بين الجنسين، ومحاربة الأسباب الجذرية للمشاكل الاجتماعية المستشرية كالفقر والتطرف، وإنتاج الجيل القادم من القادة الأفغان، وعلى عاتق هذا الجيل من الشباب، ستقع مسؤولية تسخير إمكانات سكان أفغانستان اليافعين، ودمجهم بشكل متزايد مع العالم الخارجي.
استمرار الدعم الغربي لجهود الأمن والاستقرار الحالية سيكون أمرًا ضروريًا لبقاء أفغانستان وأمنها، ومن هذا المنطلق، دعم التعليم في أفغانستان هو استثمار ناجع في المستقبل؛ فأزمة اللاجئين في العالم هي مجرد عرض من أعراض مشكلة أكثر عمقًا، تتمثل بالميل العالمي لتجاهل المآسي الإنسانية التي تنتج هؤلاء اللاجئين.
أفغانستان على حافة أفضل فرصة لها لصياغة مستقبل أكثر إشراقًا وأكبر أملًا، ولكن القوى الظلامية ملتزمة بتوجيه دفة المسار الأفغاني في اتجاه آخر؛ لذا وبالتوازي مع استمرار الآمال الأفغانية بالصعود والتنامي، يبنغي على آمالنا أيضًا أن تكبر وتستفيض على حد سواء.
المصدر: كوارتز