دشنت وكالة “بيزنس فرانس” مكتبًا لها في طهران لمساعدة الشركات الفرنسية الراغبة بالعمل في إيران، وذلك أثناء زيارة وفد فرنسي على رأسه وزير الزراعة الفرنسي ستيفان لوفول ووزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية ماتياس فيكل بصحبة 150 رئيس شركة، غالبيتهم ممثلين لمجموعات تجارية فرنسية كبرى.
هذا الخبر ليس عابرًا وله من الدلالات الكثير، ويُعد مؤشرًا قويًا على رغبة غربية طويلة المدى في غزو السوق الاستثماري الإيراني، ويعكس توجهات الغرب تجاه إيران بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق نووي بين إيران والدول الست الكبرى في فيينا، هذه التوجهات التي قابلتها إيران باستعداد واضح لتلقي سيل من روؤس الأموال الغربية لا سيما تلك القادمة من الاتحاد الأوربي.
وفود سياسية واقتصادية عديدة مرت بطهران الشهور الماضية ورغبات جامحة لدى بعض الشركات المتعددة الجنسيات في الدخول في علاقة اقتصادية مفتوحة مع إيران، هذه الفرصة التي انتظرتها تلك الشركات طويلًا حتى وصلت إلى نقطة الدفع باتجاه إبرام اتفاق نووي مع إيران ينهي حقبة من منعها غزو السوق الإيراني.
يُقدر خبراء اقتصاديين حجم الاستثمارات التي تنتظرها طهران في فترة وجيزة قادمة ما يجاوز 300 مليار دولار، في ظل تسابق الشركات الأوربية لنيل فرص الاستثمار داخل إيران. ملاحقة السوق الإيراني من قبل الغرب تظهر في تصريح لرئيس مجموعة “شركاء تركواز” الإيراني “رامين رابي” الذي أكد أن إقبال الشركات الغربية على إيران تخطى أرقامًا قياسية.
حيث يذكر أن شركته التي تعمل على تسهيل فرص الاستثمار في إيران أصبحت تتلقى 20 رسالة إلكترونية إسبوعيًا من شركات تبحث عن فرص للاستثمار داخل إيران، وأشار إلى مقابلته مؤخرًا أكثر من 100 ممثل لشركات 90% منها شركات غربية تنتمى إلى دول مختلفة أبرزها ألمانيا وإيطاليا ودول اسكندنافية وبريطانية وحتى أمريكية.
الزيارة الفرنسية المشار إليها أعلاه ليست الأولى من نوعها أوربيًا بعد التوصل للاتفاق التاريخي، حيث سبق الألمان الفرنسيين في الأمر بإرسال وزير اقتصادهم “سيجمار جابرييل” بصحبة وفد مكون من 100 من ممثلى الشركات الألمانية العالمية، وقد تباحث الوفد الألماني مع مسؤولين بالحكومة الإيرانية للنظر في الفرص الاستثمارية المتاحة بين البلدين.
ألمانيا التي تسعى وبقوة إلى تنشيط علاقاتها التجارية المتبادلة مع طهران تضع صوب أعينها على مليار متر مكعب إنتاج يومي متوقع من الغاز الطبيعي الإيراني بعد رفع العقوبات الاقتصادية، كذلك يتوقع أن يصل إنتاج إيران من النفط إلى 4.7 مليون برميل يوميًا، حيث تحتل إيران بهذا المرتبة الرابعة من حيث احتياطيات النفط على مستوى العالم، والثانية من الغاز، وعلى هذا تأمل ألمانيا رفع التبادل التجاري مع إيران ومضاعفته ليصل إلى 10 مليارات يورو في الفترة الوجيزة القادمة بحسب تصريحات رئيس الغرفتين التجارية والصناعية الألمانية، إيرك شفيتزر، وذلك بعدما تراجع في السابق من حدود 8 مليارات يورو في عام 2004 إلى حدود 2.4 مليار يورو العام الماضي 2014 وهو أدنى مستوى تبادل تجاري بين البلدين.
كما لا يخفى على أحد في السوق الإيرانية الآن سعى العديد من الشركات الأمريكية للتواصل مع نظيراتها الإيرانية في مجالات مشتركة عدة، لترتيب أمور استثمارات بين الجانبين لا سيما في المجالات النفطية، وهو ما نقله موقع اقتصاد نيوز الإيراني الذي أكد أيضًا أن وفدًا اقتصاديًا أميركيًا سيُرتب زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران في أقرب وقت ممكن.
الإيرانيون من جانبهم أسالوا لعاب الغرب على سوقهم المحلي حينما أعلنوا عن حاجتهم إلى استثمارات في القطاعات المختلفة بمليارات الدولارات، كانت أضخم هذه الأرقام المعلنة ما صرحت به وزارة النفط الإيرانية في وقت سابق بأنها ستعمل على جذب نحو 100 مليار دولار من الاستثمارات في مجال الطاقة، وهو ما التقته بشراهة شركات غربية أرسلت وفودها لنيل نصيب مع الكعكة الإيرانية.
كذلك الأمر فعلته وزارة النقل والمواصلات في إيران التي أعلنت عن طرحها مشاريع استثمارية بحجم يصل إلى 80 مليار دولار لتجديد الأسطول الجوي المدني الإيراني، ومد خطوط سكك حديدية ومشاريع بنية تحتية في الموانئ الإيرانية المختلفة، وقد تقدمت بالفعل شركات غربية وآسيوية متخصصة في هذه المجالات بعروض للحكومة الإيرانية التي تعمل حاليًا على انتقاء أفضل العروض لهذا القطاع.
كل هذه الإغراءات الإيرانية جعلت الوفود الغربية تتقاطر على إيران لتخطب ودها، كما زاد الطلب على انتداب سفراء الغرب السابقين في طهران لترأس وفود تجارية لاستكشاف الفرص الاسثمارية المتاحة هناك في سوق يبلغ تعداده نحو 80 مليون مستهلك من ذوي القدرة الشرائية العالية نسبيًا، وسط توقعات من اقتصاديين لارتفاع معدل النمو السنوي للاقتصاد الإيراني الذي يبلغ حجمه قرابة 420 مليار دولار حتى يصل إلى أكثر من 5 في المائة سنويًا وقد يتسارع إلى 7 أو 8 % في الأشهر الـ18 التالية، وبذلك يمكن القول بأننا سنكون أمام “نمر إيراني اقتصادي” بحسب تعبيرات بعضهم.
كذلك توقع البعض أن يقفز التبادل التجاري بين إيران والاتحاد الأوربي على سبيل المثال إلى 400 % في العام 2018، بعد أن كان 8.3 مليار دولار فقط في العام 2014. وعن فرص دولة أوربية كإيطاليا في الاستثمار في إيران باتت أكثر سهولة ويُسر من ذي قبل، حيث بلغت قيمة الصادرات الإيطالية قبل العقوبات 1.15 مليار يورو، ومن المتوقع أن تصل إلى 4 مليارات في العام 2018 لا سيما في قطاع المواد الكيميائية.
وقد بات معلومًا لدى الإيرانيين أن الشركات الأوربية حاليًا هي الأكثر مرونة من نظيرتها الأمريكية، لذلك يتوقع أن يكون لهم النصيب الأكبر من الاستثمار في إيران، فعلى سبيل المثال لم تتقيد الشركات الأوروبية في السابق بقيود حازمة في مسألة العقوبات على إيران، حيث ظلت بعض هذه الشركات تعمل في مجال القطاعات الاستهلاكية الإيرانية حتى لا تخسرها رغم تعرضها لضغوط أمريكية عن طريق النظام المصرفي العالمي، وهو ما اضطر بعض هذه الشركات مؤخرًا لتقليص عملياتها في إيران جراء معاناتها من تحويلات الأموال خارج إيران، أما الآن فقد باتت الظروف مواتية لتوسعة نشاطات هذه الشركات الأوربية.
يُشير البعض إلى نوايا الإيرانيين من خلف هذه التسهيلات الكثيرة في جانب جذب الاستثمارات الغربية إلى سوقها، فقد تأتي هذه التسهيلات بحسب رؤية محللين في إطار الإيقاع بشبكات الاقتصاد والمال العالمية في شراك الإيرانيين، وما لهذه الشبكات من نفوذ في عالم السياسية لاستخدامهم في الضغط على الحكومات الغربية لتمرير الاتفاق دون مماطلة في رفع العقوبات، حيث أن دخول هذه الشركات إلى السوق الإيراني سيدر عليها من الأرباح الكثير ومن غير المتوقع أن تفرط فيه تحت أي ظرف أو مزعم في حالة رغبة الغرب في الدخول إلى الصراع مجددًا مع إيران.
ولكن لكي تنفذ إيران هذا الأمر وتفتح موسم الاستثمارات الغربية في سوقها عليها أولًا المضي في تطبيق شروط الاتفاق النووي حتى ترتفع العقوبات عن طهران تدريجيًا، كذلك على المستوى الاقتصادي على إيران معالجة آثار الحصار الاقتصادي بأقصى سرعة عن طريق إجراء إصلاحات هيكلية من أجل دعم الأداء الاقتصادي على المديين المتوسط والبعيد.