إن الهجوم الإسرائيلي الأخير على المسجد الأقصى في القدس، قد حول المناطق الإسلامية المقدسة إلى ساحة حرب، وهو تطور خطير قادر على رفع مستوى التوتر، ليس على مستوى الأراضي الفلسطينية فحسب، بل على مستوى العالم الإسلامي أجمع.
ففي صباح يوم 13 من سبتمبر، داهمت مجموعة من المتطرفين اليهود المسجد الأقصى، حيث مكان صلاة المسلمين، المجموعة المدعومة بعشرات الجنود الإسرائيليين، ضمت وزير الزراعة الإسرائيلي آري أرييل، حيث تصادم الجنود الإسرائيليون مع المصلين المسلمين داخل باحات المسجد الأقصى والمسجد القبلي، وأطلقوا القنابل الصوتية وجرحوا العشرات، كما تم تدمير نوافذ وجدران وبسط المسجد، مقاطع الفيديو المسجلة تظهر الناس وقد أصابهم الفزع في المسجد بينما يدخل الجنود الإسرائيليون، مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، قال بأن إسرائيل “قد سيطرت بشكل فعلي على المناطق المقدسة”.
يأتي هذا الهجوم في اليوم الأول من عيد رأس السنة اليهودية، وكغيره من الأعياد الدينية، فعيد رأس السنة اليهودية هو يوم يذكّر الناس بأن يتذكروا ويتفكروا في حياتهم وهدفها، كما أنها تجسد السلام والصداقة بين الناس، بغض النظر عن دينهم وعاداتهم، فبينما كان ملايين اليهود يحتفلون بعيد رأس السنة اليهودية، حاملين رسالة السلام والصداقة، كان المتطرفون اليهود، مدعومين بسياسيين ومحروسين بالجنود، يثيرون موجة جدية من العنف في المناطق الإسلامية المقدسة، فهل يعبر هذا عن روح عيد رأس السنة اليهودية؟
كلا، وهناك حقائق أسوأ على الأرض، فالحكومة الإسرائيلية تحاول منذ مدة فرض أمرًا واقعًا يقسم المسجد الأقصى، ويخطط أن يكون التقسيم زمانيًا ومكانيًا، بحيث يحرم المسلمون من دخول مناطقهم المقدسة، كما تخصص ساعات محددة لدخول المستوطنين اليهود حصريًا، وتتحكم إسرائيل بحزم فيما يتعلق بدخول المسجد الأقصى.
الدكتور أحمد الطيبي، وهو عضو عربي في الكنيست، كان في المسجد عند وقوع الأحداث، قال، مسترجعًا الأحداث المريعة، إن إسرائيل تنفذ قرارها الجديد بتقسيم المسجد الأقصى، كما أشار هو والعديد من الشخصيات الدينية والمجتمعية ونواب عرب آخرون في الكنيست، إلى “إخراج الفلسطينيين من المسجد وباحاته، قبل أن تسمح الشرطة الإسرائيلية بدخول العشرات من المتعصبين اليهود”.
الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى تثبيت تقسيمًا زمانيًا ومكانيًا في المسجد الأقصى، شبيه بتقسيم المسجد الإبراهيمي في الخليل، والمجموعات اليهودية المتطرفة كانت تنادي بهدم الأقصى لبناء الهيكل اليهودي مكانه، والزيارة الاستفزازية التي قام بها أرييل شارون إلى المسجد الأقصى في سبتمبر 2000، قادت إلى الانتفاضة الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ما حدث في المسجد الأقصى في أول يوم من عيد رأس السنة اليهودية، هو عمل عدواني ومحاولة لنزع القدسية عن ثالث أقدس بقعة في الإسلام، بعد مكة والمدينة، إنه عمل استفزازي على يد حفنة من المتطرفين اليهود مدعومين من قِبل حكومة نتنياهو، إنه استفزاز سيكون له تداعياته في العالم الإسلامي وسيزيد من حالة التوتر بين اليهود والمسلمين.
القيادات المسلمة أدانت الحدث، كما تباحث الرئيس رجب طيب أردوغان مع مسؤولين فلسطينيين، سعوديين، أردنيين، وقطريين، بالإضافة إلى مسؤولين فرنسيين وألمان وآخرين في الاتحاد الأوروبي، والسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، لإنهاء هذا العدوان، كما عبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن القلق الشديد إزاء الأحداث الجارية.
الأمر ليس متعلقًا بمنطقة في مدينة القدس فحسب، التي يعني اسمها “دار السلام”، بل متعلقًا بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فالمتطرفون الإسرائيليون لا يريدون السيطرة على الأرض المقدسة فحسب، بل يريدون عقاب الفلسطينيين والمسلمين على مقاومتهم للاحتلال، ليس ثمة احتلال في التاريخ المعاصر سبّب قدرًا من الظلم والصراع والاستياء أكثر مما تسبب به الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وشرق القدس خلال حرب عام 1967، وفي عام 1980، أعلنت إسرائيل القدس عاصمة لها، في خطوة تنتهك القانون الدولي وغير معترف بها في المجتمع الدولي، وهو ما يعني شيئًا واحدًا، أن إسرائيل تواصل انتهاكها للقانون الدولي كل يوم.
إن هذا الاستفزاز، المُخطط له والمُدافع عنه من قِبل حكومة نتنياهو، يكشف عن النوايا الحقيقية تجاه حل الدولتين وعملية السلام.
الفلسطينيون والمسلمون حول العالم، لن يقبلوا بالانتهاكات في المناطق المقدسة في المسجد الأقصى، وعلى أصحاب الضمير، سواء كانوا يهودًا أو مسيحيين، أو مسلمين، أو علمانيين، أن يتكاتفوا لمقاومة التصرف المجنون الذي سينتج العنف والعدائية، القدس رمز للسلام والإصلاح في الأديان الإبراهيمية الثلاث، ويجب أن تبقى كذلك، لا أن يُضحى بها من خلال أعمال غير شرعية وأحلام مجنونة لحفنة من المتطرفين.
المصدر: ديلي صباح