إلى البيت العتيق
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج27
صدق الله العظيم
ها هو آخر شهور السنة الهجرية وقد وافانا، وهو من أشهر الله الحرم المشهودة، شهر “ذي الحجة” الذي يجتمع فيه المسلمون من كل أصقاع المعمورة في مكة المكرمة، لأداء الفريضة الخامسة: حج بيت الله، فيتساوى على صعيد عرفات الثري والفقير، القوي والضعيف، الأبيض والأسود، في مشهد مهيب، تتسمر فيه الخلائق بإجلال لتوحيد خالقها، مالك الملك ذي الجلال والإكرام، وتكبيره وتعظيمه في بيته العتيق، أول بيت وضع للناس لعبادة الواحد الأحد.
الحج والرياضة
قد يتساءل البعض: وما علاقة الحج بالرياضة؟ فأقول: وهل الحج بحله وترحاله وسعيه وطوافه إلا رياضةٌ روحيةٌ وبدنيةٌ، يتحمل فيها الحاج مشاق السفر والتنقل، وأعباء السير وسط الحر والزحام، في سبيل الوصول إلى مرضاة الله عز وجل؟
وهل نسيتم موقف رسول الله – عليه الصلاة والسلام – خلال عمرة القضاء، حين أمر من معه من الصحابة الكرام بالإسراع في الطواف، والكشف عن سواعدهم الفتية، بغية إظهار شدتهم وبأسهم أمام أعدائهم المشركين، حيث خاطبهم حينها قائلًا: “رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة”؟
كما أنه قال – صلوات الله عليه -: {المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير}، والرياضيون أحرص الناس على قوتهم ولياقتهم البدنية، وهم بذلك أقدر الناس على تحمل أعباء الحج، وتأدية مناسكه بكل قوةٍ واقتدار.
نجوم مسلمون
بهذه المناسبة المباركة وفي هذه الأيام الفضيلة، نتوجه إليكم قراءنا الأفاضل بأسمى آيات التهنئة والتبريك، سائلين المولى عز وجل أن يعيده على الأمة العربية والإسلامية جمعاء بالخير والبركات والفرج والرحمات، وندعوكم لمتابعة بعض المواقف والأحداث التي شهدها الشارع الرياضي في سنواته الأخيرة، والتي تتعلق بأبطالنا المسلمين في ملاعب المستديرة، علمًا بأننا كنا قد نشرنا من منصة “نون بوست” منذ حوالي ثلاثة أشهر، موضوعًا مماثلًا بمناسبة شهر رمضان الكريم، حمل عنوان: (ومضاتٌ مضيئة من حياة لاعبي أوروبة المسلمين)، وسنحاول خلال موضوعنا الحالي استكمال ما بدأناه هناك، مع التركيز على الأحداث التي تتعلق بفريضة الحج:
من المغرب نبدأ، حيث أصدر الملك المغربي محمد السادس منذ أيام قرارًا بمكافأة عشرة أبطال رياضيين سابقين، بالتكفل بمصاريف سفرهم وإقامتهم لأداء مناسك الحج هذا العام، علمًا بأن هذه البادرة الطيبة ليست الأولى من نوعها، فقد اعتاد الرياضيون المغاربة على هذا النوع من المكافآت من قِبل عاهل بلادهم.
وما دمنا في الحديث عن المكافآت، نستذكر منتخب مصر لكرة القدم، والذي توج بكأس أمم أفريقية عام 2006، فما كان من عدد من نجومه كمحمد أبو تريكة، عبد الحليم علي، أحمد حسن، والمدرب حسن شحاتة، إلا أن طالبوا بمكافأة من نوع خاص، وهي التكفل بمصاريف سفرهم لأداء مناسك الحج، وهذا ما كان.
وبدورهم، يحرص أغلب نجوم منتخب الأخضر السعودي القدامى والحاليين كسامي الجابر، عبد الرحمن القحطاني، سعد الحارثي، محمد السهلاوي، عبد الله الشهيل، وغيرهم، على أداء فريضة الحج كلما تسنى لهم ذلك، ويساعدهم في ذلك فضلًا عن تواجدهم بجوار الأراضي المقدسة، توقف نشاط الدوري السعودي كل عام إبان موسم الحج.
أما النجم السعودي الشهير محمد نور، فقد ساعده مكان إقامته في مكة المكرمة، على أن يصبح صديقًا ودليلًا لأغلب قاصدي المشاعر المقدسة من لاعبي الدوري السعودي من محليين وعرب، وآخرهم النجم المغربي عادل هرماش والجزائري الحاج بوقاش.
ونبقى في السعودية وتحديدًا في المدينة المنورة، حيث أقيمت أواخر شهر مايو المنصرم مباراة خيريةً بكرة القدم، جمعت عددًا من نجوم العالم المسلمين بنجوم المنتخب السعودي، بحضور أكثر من 20 ألف متفرج، صفقوا كثيرًا لنجوم عالميين كعمر كانوتيه، حبيب كولوتوريه، ديديه دومي، مامادو سايدي، وآخرين من العالم العربي، كمحمد أبو تريكة، حازم إمام، بشار عبد الله، يوسف شيبو، رفيق صايفي، وطارق التايب، إضافةً لعدد من النجوم السعوديين، كمحمد عبد الجواد، مناف أبو شقير، موسى الشمري، عبده عطيف، حمزة الصالح، ابراهيم النقيب، وغيرهم، حيث انتهت المباراة التي حملت الطابع الودي الاحتفالي، بفوز منتخب نجوم العالم بنتيجة 4-2، ويذكر أن جميع لاعبي المباراة حظوا بفرصة لأداء مناسك العمرة في مكة المكرمة، وزيارة المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة.
ولم تكن تلك المباراة هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها مباراة احتضنتها مكة المكرمة أواخر عام 2013، جمعت نجوم العالم المسلمين بنجوم الدوري السعودي، وحضرها آنذاك أغلب من ذكرناهم في المباراة الثانية، إضافةً إلى النجم المالي سايدو كيتا، والفرنسي أبو ديابي، والمصري أحمد حسام ميدو، وغيرهم، وقد وعد راعي هذا الحدث الأمير السعودي فيصل بن سلمان بتكراره كل عام، مع محاولات لتوسيع دائرة المشاركين في المستقبل، لتشمل نخبة نجوم الكرة المسلمين في الملاعب الأوروبية، أمثال مسعود أوزيل، بلال ريبيري، كريم بن زيمة، أردا توران، مهدي بن عطية، ومحمد صلاح، حيث وُجهت الدعوة إليهم ووعدوا بتلبيتها في أقرب فرصة.
ونبقى في تلك المباراة التي شهدت لمسة وفاء تستحق الذكر، كان بطلها اللاعب المصري المعتزل محمد حسام ميدو، الذي كتب على حسابه في موقع (تويتر) حينها: “أتشرف بدعوتي للمشاركة في مباراة مكة الخيرية، وقد نويت إن شاء الله أن أقوم بعمل عمرة لأبي الروحي محمود الجوهري، ربنا يتقبل منه”، ويذكر أن الراحل محمود الجوهري قد تولى تدريب ميدو في المنتخب المصري، عندما ضمه إلى تشكيلته وعمره لم يتجاوز الـ18 عامًا.
وإلى مكة أيضًا، توجه المليادير الأندونيسي إيريك توهير، مالك نادي إنتر ميلانو الإيطالي، شهر نيسان الماضي، لأداء مناسك العمرة، في ظاهرة هي الأولى على صعيد أندية إيطاليا الكبرى، يذكر أن توهير رجل الأعمال المسلم المقيم في إيطاليا، قد نجح في شراء أغلب أسهم النادي النيراتزوري العريق، ليصبح رئيسًا له اعتبارًا من العام الماضي.
وبالانتقال إلى تهاني الأعياد الإسلامية، التي أصبحت تقليدًا تنتهجه أغلب الأندية العالمية، ولا سيما الإنجليزية، فنادي تشيلسي اللندني نشر على صدر صفحته الرئيسية في فيس بوك العام الماضي عبارة: “نادي تشيلسي يتمنى للأمة الإسلامية عيدًا مباركًا”، وعلى منواله نسج نادي ليفربول فكتب فوق صورة عليها عدد من المساجد: “عيد مبارك للمسلمين في كل العالم”، وكذلك فعلت أندية: مانشستر يونايتد، يوفنتوس، بايرن ميونيخ، وبروشيا دورتموند، إضافةً إلى الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، الذي دأب من خلال صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، على تهنئة المسلمين في جميع أعيادهم.
كما يحرص أغلب لاعبي أوروبا المسلمين على تبادل عبارات التهنئة عند كل مناسبة إسلامية، ومن العبارات المميزة تلك التي نشرها نجم برشلونة التركي أردا توران، الذي غرد على حسابه في تويتر إبان ليلة القدر المباركة فكتب: “ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، تصعد فيها الدعوات للسماء، أدعو الله أن تكون ليلةً مباركةً على الأمة الإسلامية”.
وبدوره بارك النجم الفرنسي المسلم بول بوغبا قبل أشهر، على صفحته الشخصية في تويتر، لإخوته المسلمين حلول شهر رمضان المبارك، ناشرًا صورته قبل مباراة نهائي دوري الأبطال، وهو باسطٌ كفيه يقرأ الفاتحة.
ونختتم جولتنا مع النجم السنغالي ديمبا با، الذي نشر على صفحته في إنستاغرام صورة لـ “بداية عرفات” كاتبًا تحتها: “ندعو الله أن يسامحنا جميعًا”، ونحن كذلك ندعو الله أن يسامحنا ويغفر لنا ويعفو عنا ويصلح حالنا وحال المسلمين في شتى بقاع الأرض، ببركة هذه الأيام الفضيلة، التي أقسم بها – سبحانه وتعالى – في سورة الفجر.
لبيك اللهم لبيك
هم في الملاعب نجوم يصولون ويجولون، وفي مكة حجاج يسعون ويطوفون، مع سائر المسلمين الذين لبوا نداء سيدنا ابراهيم الخليل فأتوا مشاةً وركبانًا، زرافات ووحدانًا، لينهلوا من طيب البركات، وتداعب أفئدتهم نفحات الهدى، فتسيل دموع الوجد رقراقةً من مآقيهم، وتنبسط لدعاء الرحمن الرحيم أكفهم، وتتعطر بذكره تعالى أنفاسهم، وتلهج بعبارات التلبية والحمد والتوحيد ألسنتهم قائلةً:
(لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)
اللهم اجعل لنا نصيبًا من ثواب حجاج بيتك العتيق هذا العام، ويسسر لنا سبيلاً إليه في أقرب الآجال، لنكون بقربك في أحب بقاع الأرض إليك، ونخطو حيث خطا أحب خلقك إليك “محمد وإبراهيم) عليهما وعلى جميع الرسل والأنبياء أطيب الصلاة وأتم التسليم.