“إني آسفة يا حبيبي، فأنا أعرف كم هي قاسية، أن يفقد الإنسان كل شيء، فجأة، وفي وقت واحد”، هكذا تواسي كاترين، الممرضة الإنجليزية الرجل الذي أحبته بشكل مختلف عن الحب الذي نراه في روايات أخرى أو في عالمنا، الضابط الأمريكي فريديك هنري، وتتوطد العلاقة لتكون المنطلق الذي يباغت به، إرسنت هيمنغواي، الروائي الأمريكي الشهير، ويُدخل القارئ في دوامة الحب والحرب في روايته الشهيرة “وادعًا أيها السلاح” بعد أن ابتدأت الرواية بوصف فريديك ملازم في فرقة المستشفى الميداني للجيش الإيطالي في الحرب العالمية الأولى، وما عليه من مهام نقل الجرحى من ميدان الحرب للمستشفى.
هيمنغواي في هذه التحفة الحربية كما يمكن أن نسميها، يأخذك أيها القارئ، من يدك إلى ميدان الحرب بكل عناية، ويزجك هناك وحيدًا يسألك أن تبقى بكامل وعيك، لتدرك النهاية، فما تلبث أن تسمع دوي انفجار قريب، تُخرج رأسك إلى الورقة الأخرى لتجد أشلاء قتلى، وجرحى يكاد صراخهم وهم مبتوري الأطراف يؤذي طبلة أذنك السمعية، وتتحول الحرب إلى هزيمة، وانسحاب، لن يتركك تقاسي كثيرًا، سيجعلك تسكن بين الحين والآخر للحب الذي يرسمه بطلا الرواية بجميل العبارات، وهمس الحكاية، ثم يشدك من ذراعك إلى الحرب مجددًا، ولن يجعلك تقلق على إصابة فريديك في قدميه، سيؤمن له كل ما يسرك كمتابع لبطل روايته، لكن هل تستمر الحرب؟ ألا يموت البعض فيها؟! ويخرج البعض الآخرين وقد خسروا كل شيء منها، حتى الحب؟!
“وداعًا أيها السلاح” أو “وداعًا للسلاح” في ترجمات أخرى، التي صعدتْ بمؤلفها نحو الشهرة بعد أن نشرها عام 1929، وكانت الأولى في المبيعات على رواياته السابقات، وقد تحولت الرواية في عام 1930 وما بعدها إلى فيلم سينمائي، في عام 1957 ، وإلى مسلسل تلفزيوني عام 1966، وكتب عن هيمنغواي الكثيرون بعد هذا العمل الأدبي المتقن، منهم غور فيدال الذي وصفها بأنها “عمل طموح نستطيع من خلاله نرى نبرة دقيقة ومتقنة لا تخلو من بعض البلاهة الصادقة التي ميزت أعمال هيمنغواي منذ ذلك الحين”، فكان من أشهر معاصريه بعد عمله الأدبي المتماوج بين حكاية الحرب التي تنتهي بانسحاب الجيش الإيطالي وسيطرة النمساويين على الأراضي، وكل الميادين التي تركها الإيطاليون خلفهم، ويتداعى الجيش الإيطالي، فتقوم قوة منظمة من الرقابة الإيطالية بإعدام كل ضباط الجيش بتهمة الخيانة والانسحاب، وخبر الحب الذي يبقي رسم كاترين في مخيلة فريديك، فتسوقه الأقدار بعد التخلص من موت الحرب والهرب من الإعدام إلى وجه حبيبته مرة أخرى، لينعم بحياة ملئها انتظار طفلهم الموعود، وعلى طول الرواية بما فيها من الأحداث والنهاية، لا أخفيك أيها القارئ، أنك ستتعثر بطباع المجتمع الغربي، وأساليب حياتهم التي تبيح ما تبيحه، ولن أستغرب استهجانك لبعض الأقوال والمواقف.
وأخيرًا ستقف حائرًا، أمام نهاية الحب الذي تحدى كل ظروف تحيطه ليحيا، وبقيّ ينبض لآخر لحظة في قلب الرواية، وكأنه الانتصار الوحيد على الحرب التي جردت كل جميل، وجردت العالم آنذاك حتى مامرين النهاية التي قد تحلم بها وأنت تمد يدك لآخر رشفة من كوب قهوتكَ وتقرأ الكلمات الأخيرة، فتغلق الرواية، وبقلبك قد فتح بابًا من الأمل والأسى، كفيل بجعلك تدرك فرص الحياة في الهرب أو البقاء.