الجريمة المنظمة: الفائز الوحيد من أزمة اللاجئين

21glenny-master675

ترجمة وتحرير نون بوست

في خضم أزمة اللاجئين الحالية، يدرس الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى إمكانية نشر أصول بحرية لمكافحة الجريمة المنظمة، المتمثلة بتهريب البشر، وبالأخص مواطني سورية والقرن الأفريقي، وهي التجارة التي أصبحت تدر أرباحًا تقدر بمليارات الدولارات، وربما أصبحت أكثر إدرارًا للمال من تجارة المخدرات غير المشروعة.

الجريمة المنظمة التي يسعى الاتحاد الأوروبي لمكافحتها لا تتمثل بالإتجار بالعمالة المهاجرة أو بالنساء لأغراض جنسية، بل إن هذه العصابات الإجرامية تقدّم على نحو فعال خدمات وكلاء السفر لتهريب اليائسين الفارين من النزاعات المحتدمة في بلدانهم، ويمكن أن تشمل خدماتهم تقديم الوثائق المزورة، تقديم الرشاوى لحرس الحدود، وتهريب ونقل البشر في ظروف خطيرة، وفي كثير من الأحيان، قاتلة.

التدابير التي تتخذها الدول لمواجهة تدفق اللاجئين، لا تؤدي، للأسف، إلا لتقوية نفوذ الجريمة المنظمة؛ فطالما استمر فشل الدول الأوروبية بإقرار وتنفيذ خطة لاستقبال اللاجئين ضمن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ستستمر صناعة تهريب اللاجئين بالنمو والاطراد.

منذ عقد كامل تقريبًا، أشرت إلى ضرورة إدراج موضوع مكافحة الجريمة المنظمة كأولوية لإنفاق الموارد تنوف بأهميتها عن المسألة الأكثر عاطفية المتمثلة بمكافحة الإرهاب؛ فالأزمة التي تواجهها حاليًا دول أوروبا تدلل على مدى شدة التأثير المدمر للجريمة المنظمة، سواء من خلال استغلال اللاجئين العزل أو من خلال تقويض الحكومات الشرعية، في الوقت الذي تواجه فيه دول أطراف أوروبا تحديات اقتصادية صعبة.

جميع العاملين في مجال تهريب البشر يحصّلون مبالغ طائلة من الرحلات المحفوفة بالمخاطر، حيث أشار تحقيق أجرته شبكة بي بي سي (BBC) مؤخرًا بأن مجموعة من المهربين في تركيا تتقاضى مبلغ 1200 دولار مقابل مكان واحد ضمن زورق مطاطي يتم حشره بـ40 مهاجرًا أو أكثر، يعبر بحر إيجة من بودروم إلى جزيرة كوس في اليونان، وبحسبة بسيطة يمكننا أن نقول إن زورقًا مطاطيًا واحدًا قابل للاستغناء عنه تمامًا، يقطع مسافة لا تتجاوز الـ15 ميلًا إلى اليونان، يدر ربحًا لعصابة التهريب يبلغ 48.000 دولار أمريكي، وسواء غرق القارب بمن فيه أو وصل إلى بر الأمان الأمر سيان، لأن المهربين سبق لهم وأن قبضوا ثمن الرحلة.

بالإضافة إلى ما تقدم، يستطيع اللاجئون الأكثر ثراء شراء حزمة مصممة خصيصًا للعبور على طول الطريق من تركيا أو لبنان إلى بلد محدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، ولكن معظم من يسلك هذا الطريق يضطر للتخلي عن مبالغ نقدية باهظة في كل مرحلة من مراحل الطريق، حيث يستغل التجار الوضع اليائس للمهاجرين على الطرقات، من خلال فرض أسعار باهظة ثمنًا للضروريات، فمثلًا رصد أحد الباحثين التابعين لمنظمة العفو الدولية بيع زجاجة من المياه في بريسيفو، جنوب صربيا، بسعر يبلغ 10 دولارات.

ضخت أزمة اللاجئين حياة جديدة في قلب الجماعات الإجرامية الراسخة، حيث بقيت القواعد الجغرافية لهذه الجماعات على حالها منذ تسعينات القرن المنصرم، الألبان في كوسوفو وشمال مقدونيا وجنوب صربيا، اليونانيون في سالونيك، الصربيون في بلغراد، البلغاريون على طول الحدود البلغارية مع صربيا ومقدونيا وتركيا، وجميع هذه الجماعات تتمتع بصلات وثيقة مع العصابات التركية، وهي المكان الذي غالبًا ما يبدأ اللاجئون منه رحلتهم إلى الاتحاد الأوروبي.

شبه جزيرة البلقان هي منطقة جبلية تقع على الطريق الرئيسي بين أوروبا والشرق الأوسط، ولعدة قرون كانت هذه المنطقة تمثل خط الصدع الرئيسي حيث التقت صراعات الإمبراطوريات النمساوية والروسية والعثمانية، وجماعات التهريب المحلية هناك تقوم بتهريب جميع ما يطلب منها، كالأسلحة والمخدرات والنساء أو اللاجئين، وتتمتع بمرونة تسمح لها بالتكيف مع أي طلبات مستجدة أخرى.

ولكن في الوقت الحالي، تركزت التجارة هناك على تهريب اللاجئين، وهي العملية التي تتطلب عمالة مكثفة، وبالتالي فإن عصابات التهريب تجند العاملين بشكل محموم، واليوروبول، هيئة إنفاذ القانون التي يقع مقرها في لاهاي والتي تسهل التعاون بين قوات الشرطة في أوروبا، سجلت عددًا مذهلًا، يبلغ 29.000 فرد في هذا العام وحده، يشتبه في تورطهم بمجال تهريب البشر داخل أوروبا، وهناك الآلاف من هؤلاء يعملون داخل سورية نفسها، ولبنان وعبر شمال أفريقيا.

في السنوات الـ15 الماضية، بذلت حكومات البلقان جهودًا مكثفة للحد من مستويات الجريمة والفساد، ولكن هذه الجهود المضنية مهددة الآن بالانهيار نتيجة لاستغلال عصابات التهريب للفوضى التي تعم أطراف أوروبا لإعادة ملء خزائنها، وتوسيع عملائها، وكذلك لممارسة التأثير المفسد على الحكومات؛ ففي أوقات عدم الاستقرار، تنمو الهياكل الإجرامية وتضرب بجذورها عميقًا وبسرعة خارقة في قلب الحكومات، بشكل يصعب معه إزالتها بعد فترة وجيزة، سيما في بلدان الاقتصادات المتعثرة.

العصابات الإجرامية المنظمة تغيرت وتكيفت بسرعة صاروخية منذ سقوط الشيوعية، حيث كانت هذه المنظمات من بين المؤسسات الأولى التي استغلت العولمة إلى أقصى حد، ومع التوسع الحاصل في الأسواق الجديدة حول العالم، وظهور منطقة واسعة ينعدم فيها حكم القانون من يوغوسلافيا في الغرب إلى حدود روسيا مع الصين في الشرق، شهدت فترة التسعينات تحسنًا ملحوظًا في توفير السلع والخدمات غير المشروعة في جميع أنحاء العالم.

خلال لقائي مع روب وينرايت، مدير اليوروبول، أخبرني بأن التطورات الحاصلة على عصابات الجريمة المنظمة “ساعد إلى حد كبير بالانتقال بهذه الصناعة من الهياكل الأسرية التقليدية للجريمة المنظمة، نحو هياكل تنظيمية عابرة للحدود وتضم في عضويتها جنسيات مختلفة”، أضف إلى ذلك القيمة الاستثنائية والتي لا تقدر بثمن لتكنولوجيا الهاتف النقال وشبكات وسائل الإعلام الاجتماعية بالنسبة للمجرمين، مما جعل إدارة أزمة اللاجئين أمرًا شبه مستحيل.

أزمة اللاجئين الحالية لن تصل إلى نهاية حتى يتم التوصل إلى حل للحرب التي تدور رحاها في سورية، وهو أمر لا يلوح في أفق المستقبل القريب، لذلك من الضروري على المدى القصير العمل على إزالة الحواجز ما بين البلدان؛ ففي الأسبوع الماضي، تم إغلاق الحدود، بناء الجدران، ونشر القوات المسلحة، وردًا على ذلك، عمدت مجموعات التهريب في منطقة البلقان ببساطة إلى رفع أسعارها وتوجيه اللاجئين عبر حدود أكثر خطورة مما سبق، وفي الوقت عينه، يشهد الوضع الإنساني لجميع اللاجئين، سواء في مقدونيا، صربيا، كرواتيا أو المجر، تطورات خطيرة قد يصل بالأمر إلى مستوى الأزمة الإنسانية.

الاتحاد الأوروبي يجب أن يتوصل إلى اتفاق لتنفيذ سياسة تضمن توطين اللاجئين ضمن كافة الدول الأعضاء في الاتحاد في أقرب وقت ممكن، هناك 500 مليون شخص يعيش ضمن دول الاتحاد الأوروبي، وهذه المنطقة قادرة ببساطة على استيعاب مليوني نسمة على الأقل، لا سيما وأن شيخوخة السكان تضع الآفاق الاقتصادية لدول القارة تحت ضغوط مستقبلية هائلة، وبالنظر إلى كون العديد من اللاجئين القادمين من سورية يتمتعون بدرجة عالية من التعليم، فإنهم بالتالي سيشكلون رصيدًا محتملًا ومهمًا لدول الاتحاد الأوروبي؛ لذا فإن إيقاف هؤلاء عند حدود المخيمات المؤقتة حيث يطغى اليأس والإجرام، لا يحمل أي إفادة لأي من البلدان المضيفة، باستثناء أولئك الذين يعملون في متاهات الاقتصاد السري الذي يعول عليه اللاجئون على نحو متزايد.

منطقة البلقان قطعت شوطًا طويلًا منذ الحروب التي اعتصرتها في تسعينات القرن الماضي، ولكن هذه الدول لا تزال تقف أمام معضلات وتحديات سياسية واقتصادية رئيسية غير محلولة، خاصة في البوسنة، كوسوفو، صربيا، ألبانيا، ومقدونيا، وكلما تلكأت أوروبا لفترة أطول في إيجاد حل لأزمة اللاجئين، كلما ازدادت الضغوطات التي تعاني منها هذه البلدان، وليس أقلها اطراد وتزايد نفوذ هياكل الجريمة التي تعيث فسادًا في جسد الدولة.

المصدر: نيويورك تايمز