“اسامة زاهر يا ولد ..سجنك بيحرر بلد”
لطالما هتف زملاؤه بهذا الهتاف الذى يعبر عن حال جيل جديد شاب يضحى بحريته وحياته كلها من أجل حرية بلاده والاجيال القادمة ، جيل رفض أن يكرر اخطاء الاجيال السابقة التى ارتضت الظلم والاستبداد أو قبلت بالتعايش معه واستسلمت لطواغيته.
اسامة الذى اعتقل وهو فى عامه الجامعى الاول لانه هتف بحنجرته للحرية ورفع صوته بالتمرد ، فتعجب منه اقرانه كيف لهذا الشاب الغض اللين الذى لم يكد يتعرف على بيئته الجديدة أن يفوقهم شجاعة واقدام ولا يهاب قيود الطغاة وسياطهم فأدهشهم بثباته الذى ضرب به المثل .. قضى الفتى ثمانية أشهر فى سجنه ما زادوه الا ثباتا على الحق وتبيانا للطريق وقربا الى ربه فخرج بحال أفضل وكان من قليل نجحوا فى تحويل هذا الابتلاء القاسى الى تجربة حياتية وتربوية ناجحة .
كنت قريبا من أسرته خلال مدة الاعتقال بدرجة كافية لادرك أين تربى الفتى وكيف نشأ لكى يكون بتلك الصورة المضيئة ، أسرة امتلكت من الثبات والثقة فى الله والرضا بقضائه ما جعلها تفيض به على غيرها من اسر المعتقلين ، ثبات أدهشنى لأكتب فى احدى المرات ” اللهم ارزقنا ثباتا كثبات أهل اسامة ! ” .
خرج الفتى وكما يقولون ذهب الاسر وبقى الاجر ان شاء الله ، وما ان بدأ يخطو اولى خطواته فى ترتيب امور دراسته التى نجح فى تخطى العام الجامعى الاول منها رغم الاسر حتى فوجئ بكونه مطلوبا من السلطة المسعورة لحكم بحبسه عشر سنوات فى القضية التى أخلى سبيله على ذمتها والتى يتهمه فيها الطغاة برفع صوته بالهتاف ضدهم ، قيدت حركته وبدأت الضغوط تنهال عليه من محبيه واصدقائه بالسفر للخارج ليكمل دراسته وحياته بعيدا عن أيدى هؤلاء الجبناء الذين يمتلكون الحكم بالغلبة والقوة ، فى البداية رفض الفتى فكرة السفر وكانت له أسبابه لكن مع استمرار الضغوط بدأ يفكر فى الامر بجدية وأخذ عدة خطوات فى هذا الاتجاه بالفعل وكانت المانيا وجهته المفضلة لاستكمال دراسة الطب بها لولا انه انتظر خروج احبابه وزملائه المعتقلين عبدالغفار ومحمد وخالد فى شهر يناير القادم قبل اتخاذ قراره فى هذا الامر.
لكن الاسبوع الماضى حدث ما خشيه محبو اسامه فقد اعتقل الفتى ثانية ،
اعتقل الفتى مع عدد من اصدقائه اثناء لعب كرة القدم فى احد النوادى العامة ليخرج علينا بيان السلطة بأن اسامة واصدقائه كانوا يعقدون لقاءا تنظيميا للاستعداد للدراسة بهدف اعادة السيطرة على الجامعات وهى على كل حال ليست بتهمة الا فى دولة عسكرية مستبدة ﻻ تسمح بحرية الاجتماع وﻻ حرية العمل المجتمعى والسياسى وتطبق قوانين تعتبر اجتماع 5 مواطنين عمل يعاقب عليه القانون الذى اصدره الفرعون بدون الرجوع لرأى أحد غيره!
وما منح الامر اثارة كون احد الطلاب هو نجل قيادى بحركة الاخوان ما اعتبرته السلطة زعيما للخلية الطلابية بشكل تلقائى وما جعل الصحف الموالية ان تسارع بنشر الاخبار فدفع احد الكتاب العلمانيين غير المنصفين أن يكتب مقالا عن مهنة الطب التى تحولت الى مفرخة للارهاب كما يقول غاضا الطرف عن كون الارهاب انما يمارس من السلطة التى يدعمها ضد الطلاب والشباب مستقبل هذا البلد.
تلك قصة صديقى أسامة بشكل مجمل بعيدا عن تفاصيل كثيرة لعل آخرها أن والديه فى الحج ولم يعلموا بعد بالخبر الاليم .. هون الله على قلوبهم!
أسامة مع والدته
عاد الفتى ذو العشرين عاما الى سجنه وعاد الشوق الى قلوبنا وبات الدعاء والعمل سلاحنا لتغيير واقع يكون فيه أحبابنا بعيدين عن أعيننا وعن ايدينا واحضاننا وان كانوا فى قلوبنا وعقولنا ﻻ تغيب ذكراهم وﻻ العمل الدؤوب فى سبيل تحريرهم ، عاد الفتى ليترك لى ذكرى آخر تواصل بيننا حينما هاتفته فقط لأقول له ” وحشتنى ” ..
الآن اقول له احببتك يا أسامة ورايت فيك رجلا حرا كبير المقام عظيم الشأن طيب القلب ذو فطرة سليمة .. ستخرج يا فتى ليعلو شأنك باذن الله ثم بفضل جهادك وعملك وتضحيتك التى أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبلها منك خالصة لوجهه الكريم.