مات المئات من حجاج الحرم المكي رحمهم الله، فيما سمي تدافع منى ، كان الله لأسرهم وذويهم في مصابهم ، ولم تكلف أنظمتنا وقنواتنا نفسها كعادتها دائما إعلان حداد رسمي ، لأننا لا نحزن في دويلاتنا العربية إلا حين يموت الحاكم أو أحد أفراد أسرته ، أما “نحن الرعاع” في نظرهم فلا قيمة ولا وزن إلا حين نساق كالأغنام لكي ندلي بصوت صوري يزين الواجهة الديمقراطية إلى حين !
وتكدست جثث الضحايا بشكل همجي مقزز ، كأنها أزبال وضع بعضها فوق بعض ، للأسف ويا للحسرة ، أي قلب هذا الذي ينظم الحج إلى الله الكريم الرحيم المتفضل على عباده وأي روح هذه التي تسود بمثل هذا العبث هذه العطية الإلهية والمحبة الغامرة في الكون ؟
وراحت كل دويلة تبحث عن ضحاياها ، وكأن القتيل ليس إنسانا ومسلما بغض النظر عن انتمائه ، وهي جزء من مخطط التفتيت الذي مزقنا زمانا، بل يجب أن يحمل جنسية معينة ليحظى بالاهتمام والتكريم والحزن !
وتضاربت الأرقام والأخبار وفتح التحقيق لكي لا يحاسب أحد ، وهلم جرا من تضارب الحقائق ولعب السياسة واستغلال الفزاعات الطائفية والإقليمية وهنيئا للناس بالشهادة !
ولكي يستمر الوضع على ماهوعليه لإخفاء الجريمة فالحديث في المقدس والقضاء والقدر إن حاولت تفكيكه وتحليله فأنت كافر قبل أي محاكمة !!
حديث موقع الديار عن موكب لولي عهد كسبب للزحام والكارثة مع تناقل نشطاء لفيديو يوثق لهذا التنقل “الملكي” الخاص فليس مستغربا ، فهو عادة قرونية معمول بها مع جميع الأنظمة والشخصيات الخاصة أو من تدفع أكثر !
في هذا الحادث يتجلى لنا إسلام العوام أو الإسلام الفكري أو ما يسميه الناس الإسلام الشعبي طامة كانت ولازالت تنخر جسد الأمة فلا ضير أن ترى الناس في زمن رضعوا فيه الخنوع والخضوع والخوف يبحثون عن المبررات ويختفون وراء التعزيات ، إسلام اللامبالاة الذي ترك التهمم بأمور المسلمين وتحول إلى الزهادة والعبادة والحوقلة في المساجد بعيدا عن الشأن العام ، إسلام عشوائي ينتشر في الجنبات تموله بقصد أو بغير قصد أيادي العبث تتخرج منه أفواج التطرف ، بعيدا عن الإسلام المنظم الواعي والمسؤول الذي تبشر به مدارس الحركة الإسلامية المنتشرة بقوة ، إسلام العمق والمشروع والعقلية العلمية المتطورة الحداثية الحامل لرسالة المحبة والسلام للعالم قادم لا محالة بخطى ثابتة ، إسلام المضمون بعيدا عن المظاهر الخادعة والأشكال التي قد تكشفها الممارسة اليومية .
واعذروني إن اخترت لكم أسماء لإسلام يتعدد لكي نتفاهم في عالم اضطربت فيه التعريفات والمصطلحات، لكن لابد من تحديد أي إسلام نريد لكي نميز ونتواصل بشكل أفضل .
حين يوفر الفضاء المناسب والتدبير والتسيير الملائم الناجح لتمر الأجواء بشكل روحي عالي ببلد كالسعودية فهو نظير مقابل مادي وأجر مدفوع مسبقا وليس منة من أحد أو مجانا ، وإلا لماذا تتقاضى السعودية ملايير الدولارات دون أن تضمن تنظيم المناسك بشكل متقن وأين تذهب تلك الأموال ؟
إن كثيرا من الأمراء والوزراء بالشقيقة السعودية و البذخ الخليجي المعروف في مقاهي وكباريهات أوربا في الليالي الحمراء والصفراء يكشف جزءا من الجواب !
هذه الفاجعة إن وقعت ومرت فهي كشفت جزءا مما تعيشه أنظمتنا العجوزة ، التي لم تعد لها القدرة على مواكبة التطورات والنمو الديمغرافي وحاجات شعوبها المتزايدة والعالم السريع وتناقل المعلومة مهما غطت وضيقت الخناق وقصفت الحريات والأصوات ، مع وجوب التمييز بين من يسيرون وبين الأرض الطاهرة التي يحج لها الناس كل سنة !