على خلاف أكثر من مليون لاجئ في دول الجوار السوري، تركيا والأردن والعراق ولبنان، ظن أكثر من 200 ألف مواطن سوري هربوا من قذائف النظام السوري ومن صواريخه، أن مصر ستكون أنسب لهم، بحكم بعدها عن مناطق الصراع وبحكم تكلفة الحياة المنخفضة نسبة إلى دول أخرى، ولكنهم لم يكونوا ليعلموا أن تغيرا سياسيا أو انقلابا عسكريا سيغير حياتهم في مصر إلى جحيم يجوعون فيه تماما كما يجوع إخوانهم في دول الجوار ويموتون كما يموت إخوانهم في ملاجئ النازحين.
وبسبب التعقيدات الأمنية والاضطرابات التي تعيشها مصر، فإن الأرقام الرسمية متضاربة، فالمفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، تقدر عدد اللاجئين ب123 ألف لاجئ مسجل رسميا لدى السلطات المصرية، وذلك دون احتساب الفلسطينيين السوريين، في حين قدرت الحكومة المصرية الحالية أن عدد اللاجئين بلغ أكثر من 300 ألف، 45 في المائة منهم دون سنة 18.
والتقارير الرسمية، كما التقارير الإعلامية، تشير إلى أن وضع السوريين في مصر قبل انقلاب 3 يوليو، ورغم صعوبته، أفضل من وضع اللاجئين السوريين في مخيمات الأردن ولبنان، وهو بالتأكيد أفضل من وضع السوريين في مصر ما بعد انقلاب 3 يوليو، فإدارة الرئيس المصري، محمد مرسي، كانت تمنح السوريين فور وصولهم لمصر وثائق إقامة تمكنهم من العمل في المصر وتمكن الأطفال من الالتحاق بالمدارس المصرية كأي طفل حامل للجنسية المصرية.
وأما الآن، وبقرار من السلطة الجديدة، ومنذ يوم 8 يوليو، يحتاج السوريون الراغبون في دخول مصر إلى الحصول على تأشيرة دخول مرفقة بتصريح أمني من النظام السوري، وذلك بالإضافة إلى الحملة الإعلامية التي استهدفت السوريين وجعلت فئة كبيرة من المصريين تحمل مسؤولية ما يحدث في مصر من اضطرابات للاجئين السوريين.
طاهر، وهو لاجئ سوري في مصر، وله ابنتان، قال لموقع vice أنه، منذ 30 يونيو، وفور ملاحظة لكنته السورية، يتعرض إلى اعتداءات لفظية وجسدية، حيث يتهمه الكثيرون بأنه “عميل للإخوان المسلمين”، ويتعامل معه آخرون على أنه “عدو لمصر”، وعلى أنه “يهدد الأمن القومي لمصر”، كما قال أيضا أن كثيرين من السوريين الذي يعرفهم طردوا من شغلهم، في حين حرقت ودمرت ورشات ومحال تجارية مملوكة لسوريين في كل من القاهرة ودمياط.
صحر، وهي أم سورية لثلاثة بنات، توجهت إلى وكالة أسفار في الإسكندرية، وذلك لترتب رحلة قانونية إلى أوروبا لزيارة أقاربها، ولمعالجة ابنتها المصابة بالشلل، غير أنها وجدت 180 لاجئ سوري وفلسطيني عالقين بالوكالة المليئة بالمسلحين، الذين لا تعرف إذا ما كانوا حراسة خاصة أو من الجيش أو من الشرطة، وبعد ساعات انتظار تم اقتيادها رفقة اللاجئين الآخرين، تحت تهديد السلاح، إلى ثلاثة مراكب صغيرة، ومن ثم إلى مركب آخر لا يكاد يتسع إلى 150 شخص كأقصى تقدير، لتبدأ رحلتهم غير الشرعية إلى أوروبا والتي كانوا جميعا يعتقدون أنها شرعية وأنها منظمة من قبل وكالة أسفار قانونية.
السفينة غرقت قبل مغادرتها للمياه الإقليمية المصرية، وصحر معتقلة الآن مع مئات اللاجئين في أحد أقسام شرطة الإسكندرية، وذلك بتهمة محاولة عبور البحر المتوسط بصفة غير شرعية، وأما بناتها الثلاث، فقد فقدن الحياة غرقا في مياه المتوسط خلال الخمس ساعات التي أمضوها متشبثين بأحضان أمهم، صحر، قبل وصول قوارب الإنقاذ إليهم.
صورة للاجئين السوريين المعتقلين في قسم الشرطة الذي احتجزوا فيه بعد إنقاذهم من الغرق
صورة لجثة أحد الذين ماتوا غرقا على سواحل الإسكندرية
الصحفية إيلينورا فيو، أجرت تحقيقا مفصلا عن اللاجئين السوريين في مصر، وانتهت بخلاصة قالت فيها: “السلطات المصرية تنفذ لعبة قذرة، فمن جهة قانونية تصعب عملية استقرارهم في مصر، ومن جهة أخرى تقوم بالتحريض عليهم عبر وسائل الإعلام، ولا تترك أمامهم خيارا سوى الهروب إلى البحر، ومن ثمة تقوم باعتقالهم بحجة محاولة الهجرة غير الشرعية”.