قد يكون العيد سعيدًا في كثير من الدول ولكثير من الناس، إلا أنه للعراق والعراقيين ليس كذلك.
ينقسم العراقيون بين انقساماتهم الكثيرة إلى قسمين رئيسيين لا يمكن الاختلاف عليهما، إذا كنت تفكر بالسنة والشيعة فربما عليك إعادة التفكير ثانية، فليس هذا هو الجواب الصحيح، ينقسم العراقيون إلى عراقيين في الداخل وعراقيين في الخارج.
لا توجد معلومات دقيقة عن أعداد العراقيين في الخارج، إلا أن الرقم يتراوح بين 3 – 6 مليون عراقي مقيم خارج العراق، أما في داخل العراق فينقسم عراقيو الداخل لقسمين أيضًا: نازحون داخليًا وسكان أصليون، أما النازحون داخليًا فيبلغ عددهم 3.5 مليون عراقي، أما السكان الأصليون فيبلغ عددهم 33 مليون عراقي، المشترك الوحيد بين كل هذه الملايين أن العيد أتى وليس لدى أحد منهم متسع للفرحة.
عدد غير دقيق للعراقيين خارج العراق يتراوح بين 3 – 6 مليون عراقي
ففي بغداد بعد عدة إصابات واشتباه بأخرى في الأيام الماضية، أُعلن أخيرًا عن تفشي وباء الكوليرا وزيادة حالات الوفاة من المرض، والإصابة والاشتباه بـ 100 حالة جديدة، تم تخصيص مستشفى أبو غريب لاستقبال المصابين بعد تزويده بكافة الاحتياجات، حسب ما صرحت الجهات الرسمية في العاصمة.
يتفشى وباء الكوليرا في العراق بعد انقراضه منذ عقود من العالم؛ حيث كانت آخر مرة يتفشى فيها المرض في أمريكا في السنوات الأولى من القرن العشرين، أما في زمبابوي فقد تفشى المرض في 2009 إلا أن السلطات سيطرت عليه ولم تتعد حالة الوفيات 5% من المصابين، ما يحدث اليوم في العاصمة هو الناتج الطبيعي للتلوث البيئي في العاصمة بعد تراكم القمامة وسوء تصفية المياه وما هو إلا جزء بسيط من الإهمال الذي يشهده العراق في كافة المجالات، نسبة الوفاة من المرض كبيرة نسبة إلى أعداد المصابين القليلة نسبيًا، وسنعرف في الأيام القادمةإاذا ما سيكافح المرض أو ينتشر على نطاق أوسع، يذكر أن تفشي الكوليرا أدى إلى تأجيل الدوام في المدارس حتى 18 من أكتوبر القادم، ونأمل أن يُسيطر عليه قبل هذه المدة.
التظاهر في بغداد ضد الفساد
وعلى صعيد آخر، تم اعتقال الناشط “جلال الشحماني” وبعض المتظاهرين وذلك بعد أيام من اعتقال وتعذيب الناشط “علي هاشم” أحد رموز تظاهرات ساحة التحرير 2015، ومن المتوقع أيضًا أن تزداد عمليات الاختطاف والاختفاء القسري خلال الأيام القادمة مستغلى عطلة العيد والفوضى التي ستنتج عنها؛ وذلك محاولة لخمد المظاهرات والقضاء عليها.
يذكر أن المظاهرات ابتدأت في بغداد 13 يوليو 2015، مطالبة بالإصلاحات وإقالة وزير الكهرباء ومحاكمة رموز الفساد المتمثلة برئيس الوزراء الأسبق، ورئيس المحكمة الاتحادية الحالي، وغيرهم من نواب البرلمان والمسؤولين، بدأ الشباب بالتظاهرات في كل يوم جمعة في بغداد ثم انتقلت المظاهرات إلى المحافظات العراقية الأخرى، بالطبع لم تسلم المظاهرات من محاولات لتسيسها واحتسابها على طوائف وأحزاب دينية وعلمانية على السواء، ومن محاولات جعلها تهتف لأشخاص، وبعد الفشل بهذا المسعى؛ بدأت أعمال العنف ضد المتظاهرين ومحاولات للقمع وخمد التظاهرات وخاصة في آخر جمعتين، وسط تعتيم إعلامي إلا ما نقرأه من شهادات النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي.
بوابة مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم الدولة
تمر محافظة “نينوى” ثاني أكبر محافظة في العراق بعدد السكان والثالثة في الأهمية، بظروف عصيبة للعام الثاني على التوالي في ظل الغياب التام لسلطة الحكومة العراقية على أراضيها، سقطت الموصل كمحافظة عراقية في 6 يونيو 2014 لصالح الدولة الإسلامية حيث ضمتها إلى أراضيها الممتدة في الجانب الشرقي من سوريا، لم تقم الحكومة المركزية بأي محاولة لاستعادة نينوى، بالإضافة إلى قطع جميع المنافذ إليها فلا داخل ولا خارج، الرواتب مقطوعة منذ عدة أشهر والأعمال شبه متوقفة والركود يعم المدينة.
حاول السكان كسر الحصار المفروض عليهم بالذهاب لأداء فريضة الحج، إلا أنهم أُرجعوا إلى ديارهم خائبين بعد عناء رحلة طويلة وشاقة، كأن كل هذا لا يكفي لتأتي ليلة العيد ومعها قصف مدوي بالصواريخ هز المدينة في أكثر من منطقة في الداخل وفي الأطراف، بدل أن يستيقظ السكان على تكبيرات العيد استيقظوا على أصوات الصواريخ والقصف وتكسر النوافذ التي ملوا تصليحها.
في ذي قار جاءت ليلة العيد كنجدة للموظفين في مصلحة الجوازات وكخيبة أمل للمواطنين، في الأيام الماضية تصدر المحافظة أكثر من ألف جواز سفر يوميًا وطوابير المنتظرين تزداد كل يوم بدل أن تنقص، لا يخفى أن التهافت على الحصول على الجوازات جاء نتيجة لموجة الهجرة الكبرى التي يشهدها العراق بشكل خاص، والوطن العربي بشكل عام، حيث أعلنت بعض شركات السفر الأشهر في العراق بأن عملها تضاعف في الفترة الماضية وأنها تسير رحلات في الأسبوع الواحد أضعاف ما كانت تفعل في شهر، يذكر أن الشريحة الأكبر من المهاجرين وطالبي اللجوء هم من الشباب بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة، فلا وظائف ولا فرص للعمل مع ازدياد مخاطر التعرض للقتل والاختطاف أو بكل الأحوال للحصار والحرب كما هو الوضع الآن.
معانات ثلاثة ونصف مليون نازح داخل العراق
أما عن النازحين داخليًا 3.5 مليون عراقي، فهم سكان القرى والمدن الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية الذين يقضون عامهم الثاني على التوالي في الخيام، يقبع السكان في المخيمات وهم تحت الإقامة الجبرية ولا يستطيعون التنقل بحرية دون موافقات رسمية في ظل غياب أبسط مقومات الحياة وتفشي الأمراض الجلدية والتنفسية بينهم.
ما بين إحسان المحسنين والمنظمات الإغاثية ومزايدات الساسة، يبقى النازحون الخاسر الأكبر من كل ما يحدث، و تبقى أقصى أحلامهم إبدال الخيمة بـ “كرفان” يمنعهم من الانجراف والغرق في الوحل شتاءً ومن الاختناق بالعواصف الرملية صيفًا، وربما بعض المياه النظيفة للشرب إن أمكن، في يوليو المنصرم أعلنت السلطات عن وفاة العشرات من النازحين بسبب موجة الحر التي شهدتها المنطقة، وذلك بعد موت العشرات من موجة الصقيع في الشتاء الماضي أيضًا.
نأمل أن يصحب العيد القادم بعض السلام والطمأنينة والاستقرار، فقد استحقه العراقيون بعد كل هذا العناء ولو من باب التغيير.