انطلقت الأزمة الأخيرة في بوركينا فاسو على إثر إعلان أفراد من الحرس الرئاسي استيلاءهم على السلطة في البلاد قبيل أسابيع فقط من انتخابات رئاسية، في انقلاب عسكري هندسه الرّئيس المخلوع “بليز كمباوري” وحرسه وهو الذي تم عزله منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي ليلجأ إلى ساحل العاج قبل أن يتحرّك رجاله مُقتحمين اجتماعا لمجلس الوزراء وليعتقلوا الرّئيس المؤقّت كافاندو ورئيس الحكومة زيد ووزيرين آخرين.
وقال مسؤول عسكري عبر التلفزيوني الحكومي البركيني إنه تم تجريد الرئيس المؤقت للبلاد ميشال كافاندو من صلاحياته وحل مؤسسات الدولة السياسية بما فيها الحكومة، وإن قادة الانقلاب ، وهم من أفراد وحدة الحرس الرئاسي الذين كانوا على خلاف علني مع الحكومة الانتقالية، قاموا بإنشاء كيان سموه المجلس الوطني من أجل الديمقراطية.
وقال المقدم مامادو بامبا الذي تلا البيان في التلفزيون إن المجلس الوطني من أجل الديمقراطية وضع حداً “للنظام الانتقالي المنحرف”، وتعهّد بتنظيم “انتخابات شاملة”.إلا أن مُحاولات تبييض الانقلاب وإلباسه لبوس الدّيمقراطية لم تنجح حيث سارع رئيس البرلمان المؤقت شريف ساي بالتّصريح لإذاعة “آر.أف.إي” الفرنسية بأن ما حدث في البلاد انقلاب واضح، ودعا المواطنين إلى أن ينتفضوا ضده على الفور، ليحتشد أكثر من مئة شخص في ميدان الاستقلال منذ ساعات الصباح الباكر للمطالبة بإطلاق سراح مسؤولي الحكومة المؤقتة المعتقلين، قبل أن يطلق جنود أعيرة نارية تحذيرية لتفريقهم.
العزل السياسي يثير الفوضى مرة أخرى
ومرّة أخرى، بعد ليبيا والعراق، يبدو المشهد الحالي البوركيني نتيجة لما مضت فيه الطبقة السياسية الجديدة في فترة ما بعد إزاحة الرّئيس السابق المخلوع، حيث كان من المنتظر أن تدور الإنتخابات والتشريعية المقبلة في إطار قانون عزل سياسي كان البرلمان قد أدرجه كتنقيح للقانون انتخابي لينص في إحدى مواده على منع جميع أعضاء حكومة الرئيس السابق بليز كومباوري المعزولة من المشاركة في انتخابات 2015، بأغلبية 73 صوت من أصل 86.
هذا العزل بحسب بعض الملاحظين كان وراء الانقلاب العسكري الذي حصل، لتتثبّت تلك القناعة التي تقول أن العزل السياسي الذي يلي الثورات أو التحركات الإجتماعية الكبرى لا يمكن إلا أن يعمّق الشّرخ المُجتمعي داخل المجتمع الواحد، ما يُهدّد وحدته وتماسُكه وفرص الإستقرار داخله.
تراجع الانقلابيين وإعادة تنصيب المُنقلب عليهم
عدم قبول الشارع بهذا الانقلاب وتلویح مجلس الآمن بفرض عقوبات شديدة على المنقلبین مثلت ضغطا على جنرالات الحرس الرئاسي، حيث دان مجلس الأمن الدولي بالإجماع وبقوة الانقلاب في بوركينا فاسو، ولوح بفرض عقوبات على الانقلابيين إذا لم يسلموا السلطة، وكرر أعضاء مجلس الأمن بالإجماع في بيان مطالبتهم بإطلاق الرئيس ميشال كافاندو ورئيس حكومته فورا بعد أن اعتقلهما قادة الانقلاب العسكري، كما طالب الأعضاء الانقلابيين بـإعادة النظام الدستوري وتسليم السلطة إلى السلطات المدنية بدون تأخير، ودعوهم إلى احترام الجدول الزمني للعملية الانتقالية، خصوصا إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات صدقية مقررة في 11 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي وقت لاحق، قال قائد الانقلاب في بوركينا فاسو إن رجاله لم يكن في نيتهم جر البلاد نحو الحرب الأهلية مبديا استغرابه من تغير موقف الجيش المفاجئ خاصة وهو الذي أعلن أنه يلقى مساندة الجيش عقب إعلان الانقلاب، قبل أن تطوق القوات العسكرية العاصمة واغادوغو مطالبة قادة الانقلاب بتسليم أسلحتهم، ليخسر بذلك الانقلابيون كلا الدّعمين الممكنين الداخلي والخارجي.
وإثر وساطة إفريقية، عُقدت تسوية مع الانقلابيين توضحت معالمها مع أول ظهور إعلامي لميشيل كفاندو، الرئيس المؤقت لبوركينافاسو بعد عملية احتجازه، حيث صرّح إنه عاد للسلطة هو والحكومة المدنية الانتقالية بعد احتجازه رهينة، إثر انقلاب قاده الحرس الرئاسي على نظامه قبل أسبوع.
ووقع الانقلابيون مساء الثلاثاء اتفاقا ينص على عودتهم إلى ثكناتهم، ووافقوا على عودة الرئيس الذي أطاحوا به إلى منصبه كما طلبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي رعت المفاوضات، مقابل سن قانون يعفو عنهم ولا يحاسبهم على فعلهم الانقلابي.
من السّخرية بمكان، أن تقتنع أفريقيا السّوداء، مهد الانقلابات العسكرية وموطنها ألا مستقبل سوى للدّيمقراطية وألا أفق للانقلابات المُسلّحة التي تُسيل أنهارا من الدّماء وتُدخل الدّول المُرهقة إلى سراديب الضّياع … اقتنعت أفريقيا السّوداء بهذا فمتى تحين لحظة الوعي في أفريقيا البيضاء؟ مصر مثالا.