على عادة المصريين والعرب وعلى عادة مواقع التواصل الاجتماعي، تلك البيئة الخصبة لـ “الهري والهري المضاد”، انتشرت قصة السيدة إيمان كنجو وأصبحت حديث الناس في الأيام الماضية على الرغم من أن القصة تعود لشهرٍ مضى إلا أن رفع حذر النشر منذ أيام هو ما سمح للناس معرفة أن هناك إيمان كنجو وأنها حاولت الهروب إلى أرض الخلافة المزعومة وأن السلطات التركية أعادتها لإسرائيل. وبحسب الرواية المنتشرة فالسيدة إيمان كنجو هي سيدة فلسطينية حاولت الهروب إلى سوريا عبر تركيا للوصول إلى داعش إلا أن السلطات التركية ورئيسها رجب طيب أردوغان حالوا دون إتمام هذا الحلم وقاموا بتسليمها إلى الصهاينة.
وبحسب هذه الرواية انقسم الناس إلى فريقين: فريق الدواعش والمتدعشنين والمزايدين الذين ساهموا في تثبيت الرواية وصب اللعنات على الرئيس التركي، إذ كيف لرجلٍ مسلم يُسلّم امرأة مسلمة للصهاينة، وفريقٍ آخر مازال يحلم بالخليفة الأردوغاني فحاولوا إيجاد مخرج لهذا الفعل بعدّة طرق سخيفة منها: أنها سافرت دون علم زوجها وبلا محرم، ومنها استدعاء صلح الحدييبية لتبرير هذا الفعل.
العجيب أن كلا الفريقين لم يألُ جهدًا في التوثق من القصة وتعامل مع الرواية المنتشرة على أنها حقيقة مسلّمة على الرغم من عدم وجود أي دليل عليها سوى مقطع فيديو تظهر فيه السيدة إيمان وهي محاطة ببعض رجال الشرطة الإسرائيلية مرددةً العبارة المشهورة “باقية وتتمدد”. لكن طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي أنها تنتج ذواتًا تسعى دائمًا للحضور والمشاركة بغض النظر عن المشاركة فليس المهم ماذا تكتب بقدر الكتابة فالكتابة والحضور مقصد وغاية، وكأن “ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد” قد نسخت وكأن حصائد ألستنا ستغني عنا من الله شيئا.
أصل الحكاية
من هي إيمان كنجو؟
السيدة إيمان أحمد محمد كنجو مواطنة من عرب 48 تسكن بمحافظة الجليل بمدينة شفا عمرو بإسرائيل وتبلغ من العمر 44 عامًا وتحمل جواز سفر إسرائيلي. متزوجة ولديها من الأبناء خمسة منهم ثلاثة طلاب جامعة. وهي حاصلة على الدكتوراة في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر-القاهرة- وزوجها أيضًا حاصل على الدكتوراة من كلية الدراسات الإسلامية من نفس الجامعة.
تعود قصة السيدة إيمان لأشهرٍ مضت حين تواصلت مع عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وعرضت عليهم تدريس العلوم الشرعية لأفراد الدولة والذين وعدوها بدورهم مساعدتها على الوصول لسوريا عبر تركيا. وفي التاسع عشر من أغسطس الماضي سافرت السيدة إيمان إلى تركيا بصحبة والدها وبدون علم زوجها وأسرتها مما ألجأهم للتقدم ببلاغ للشرطة الإسرائيلية عن اختفاء السيدة إيمان، إلى أن اتصل والدها بهم وطمأنهم عليها. وما هي إلا أيام حتى اختفت السيدة إيمان ولم يستطع الأب العثور على ابنته ولم تسعفه الشرطة التركية أيضًا مما اضطر الأب أن يعود إلا بلاده في السادس والعشرين من الشهر نفسه بدون ابنته. وبعد يومين تمكنت قوات حرس الحدود التركي من منع مجموعة فتيات ونساء من أصولٍ أسترالية، أفغانية، تركمانية، شيشانية، حاولن عبور الحدود إلى سوريا كان من بينهن السيدة وإيمان وبحوزتها مبلغ 11,000 دولار، ومن ثمَّ قامت السلطات التركية بترحيل الفتيات إلى بلادهن. وبمجرد وصول السيدة إيمان إلى مطار بن غوريون في الثامن والعشرين من أغسطس، عائدة إلى أهلها، قامت الشرطة الإسرائيلية وبمساعدة جهاز “الشاباك” بالقبض عليها وتوجيه تهم التخابر مع عميل أجنبي، ومحاولة الخروج لدولة عربية بطريقة غير شرعية.
وفي تصريح لسوزونا زندك، ممثلة الشرطة في الشمال الفلسطيني المحتل، قالت إن جهاز الشاباك توصل لمعلومات حول مغادرة المتهمة ونيتها الانضمام إلى داعش قبل تسللها إلى سوريا، بينما برأت والدها من علمه بنية ابنته. وقد أرجأت المحكمة الجلسة القادمة إلى السادس من أكتوبر بسبب الأعياد اليهودية.
ليست هذه أول مرة يتم التغرير بسيدات وفتيات للحاق بأرض الخلافة المزعومة فقد تكرر هذا الأمر مراتٍ عدّة ومأساة الفتيات البريطانيات الثلاثة (خديجة سلطان، شميمة بيغوم، أميرة عباسي) اللواتي لم يتجاوزن السابعة عشر من عمرهن ليست ببعيدةٍ عنا. وما يزيد الأمر خسّة ونذالة هذه المرة أن السيدة بطلة القصة متزوجة ولديها من الأبناء خمسة، ومعلوم مصير هذه السيدة حيث كان سيُفرّق بينها وبين زوجها بحجة بقائه في ديار الكفر بفتوى من شرعيّ أحمق جاهل ومن ثمَّ تُزوّج لأي نذلٍ خسيس. فالعبث بأعراض النساء المسلمات والتغرير بهن هو ما يدفعنا لفضح مثل هذه التصرفات التي يقوم بها أفراد تنظيم الدولة. وعلى كل حال فعودة السيدة إيمان لأهلها أفضل آلاف المرات من وصولها لتلك الدولة الملعونة.
إلى هؤلاء المزايدين، فترحيل السيدة إيمان إلى دولة الكيان الصهيوني كان بموجب جواز السفر الذي تحمله وبموجب البلاغات التي قامت بها أسرتها الكريمة سواء في تركيا أو إسرائيل، وليس هناك أي نوع من تسليمها للمخابرات الإسرائيلية. وهذا ليس دفاعًا عن السيد رجب طيب أردوغان فالعلاقات التركية الإسرائيلية معلومة للجميع ولكنه دفاعًا عن الحقيقة التي تاهت في خضم المزايدات. أما إلى هؤلاء الحالمين بالخليفة أردوغان، فكفى عبثًا بالتاريخ وتنزيل وقائع في غير محلها وكفاكم دفاعًا بغير علم.