تقع اليوم واحدة من الأحداث الفلكية النادرة، حيث يشهد القمر خسوفًا كليًا بينما يكون قمرًا كاملًا وعملاقًا أحمر اللون، وهو تصادف وقع آخر مرة عام 1982، ولن يقع مجددًا حتى عام 2033، ليكون مساء اليوم وفجر الغد فرصة لكافة سكان المنطقة ليمتعوا أنظارهم بذلك الحدث البديع، إلى جانب سكان أوروبا والأمريكتين، في حين سيفوت معظم أهل آسيا رؤية الخسوف نظرًا لوقوع القمر خارج السماء في ساعات الخسوف كلها.
يبدأ الخسوف الكلي في الساعة الثالثة صباحًا (فجرًا) بتوقيت القاهرة (الواحدة بتوقيت غرينيتش) وهي بداية يمكن لأصحاب النظر الدقيق أن يلحظوها قبل ذلك بحوالي نصف ساعة نظرًا لوقوع بعض أطراف القمر الجنوبية الشرقية للظل، ولمدة تزيد على الساعة سيستمر القمر في الاختفاء تحت ظل الأرض حتى يكتمل الخسوف ويصل لذروته في الساعة 4:47 فجرًا (2:47 بتوقيت غرينيتش)، وبعد ذلك يعاود القمر ظهوره رويدًا حتى الساعة الأولى من الصباح، وهي السادسة والنصف (الرابعة والنصف بتوقيت غرينيتش).
المراحل الأخيرة من الخسوف لن تكون ظاهرة في كافة البلدان العربية نتيجة خروج القمر من السماء، فكافة سكان المغرب والجزائر (وكل البلدان الواقعة على نفس خط الطول شمالًا أو جنوبًا) سترى الخسوف كله، أما ليبيا فسيخرج القمر فيها من السماء في لحظات الخسوف الأخيرة، بينما سيفوت أهل مصر والسودان مرحلة الخسوف الجزئي الأخير كلها، ولا يرى أهل الخليج سوى اكتمال الخسوف، وأخيرًا فإن سواحل عُمان لن تتمكن حتى من رؤية تلك النقطة لتكتفي بالخسوف الجزئي الأول.
لماذا يتغيّر حجم القمر؟
القمر العملاق هو حالة معروفة، ونراها بين الحين والآخر عندما يكون القمر بدرًا ولكن أكبر من حجمه الطبيعي ويبدو قريبًا جدًا من الأرض، إذ يزداد حجمه في السماء بحوالي 13%، وهو تضخم في صورة القمر يسببه وجود القمر في أقرب نقطة للأرض أثناء دورانه حولها في مداره البيضاوي، إذ يدور القمر في مدار تتغير فيه المسافة بينه وبين الأرض، وبالتالي يكون كبيرًا في النقطة الأقرب، وصغيرًا في النقطة الأبعد، وهو يُكمِل دورة كاملة كما نعرف كل حوالي 27 يومًا ونصف.
لماذا إذن تكون الأشهر القمرية إما 29 أو ثلاثين يومًا؟ لأن أطوار القمر لا علاقة لها بحجمه، بل بموقع القمر في مقابل الأرض والشمس، وحين يُكمل القمر دورته ذات الـ27 يومًا تلك، فإن الأرض تكون قد دارت قليلًا حول الشمس بشكل لا تكون معه دورة الأطوار قد اكتملت وعادت للقمر الجديد المُظلِم (المحاق كما يُسمى والذي لا نراه لأنه يكون قبل الهلال بيوم) إلا بعد يومين، ليكون الشهر القمري حسب أشكال القمر في السماء، أو بين البدر والبدر الذي يليه، حوالي 29 يومًا ونصف.
نتيجة هذا الاختلاف بين دورة القمر في مداره حول الأرض، والتي تحدد حجم صورته في السماء، ودورة أطوار القمر حسب الضوء القادم من الشمس، والتي تملي أطواره من المحاق والهلال حتى البدر المكتمل، لا يتفق موعد اكتمال القمر بالضرورة مع وجوده في النقطة الأقرب من الأرض، مما يعني أن بدرًا واحدًا فقط كل فترة يكون قمرًا عملاقًا، في حين تتسم أطوار أخرى، كالهلال والأحدب وغيرها بذلك الحجم العملاق في أشهر أخرى، ولا نسميها في تلك الحالة القمر العملاق.
القمر العملاق إذن هو تعامد وجود القمر في أقرب نقطة للأرض مع اكتماله كبدر، وهو ما يحدث مرة كل حوالي 14 شهرًا أو أقل ببضعة أيام، وهي مسألة منفصلة تمامًا عن ظاهرة الخسوف التي تقع مرة أو أكثر خلال العام الواحد، فالخسوف هو اختفاء القمر من السماء، إما بشكل كلي أو جزئي، نتيجة وقوع الأرض بينه وبين الشمس، والتي يستقي منها نوره كما نعرف ليعكسه إلينا، وهو ما يعني أن توافر تلك الشروط لتحقق ظاهرة خسوف القمر العملاق أمرًا نادرًا.
ليلة نادرة، خاصة لسكان السواحل
هي ليلة خاصة إذن ستتكرر بعد حوالي 18 عامًا، ولربما لا يكون ممكنًا حينئذ رؤيتها من منطقتنا، لننتظر عقدًا آخر أو يزيد قبل اقتراب القمر من الأرض واكتماله وخسوفه في نفس الوقت، وهو اقتراب لن نلحظه فقط بأعيننا في السماء، بل وسينعكس على الأرض بالنسبة للمقيمين في المدن الساحلية أو المسافرين إليها حاليًا، حيث يزداد مد البحر بقوة أكثر من المعتاد في حالة القمر العملاق نتيجة قوة الجاذبية القمرية القريبة جدًا.
الجالسون على الشواطئ إذن سيتمتعون بالخسوف في السماء وبآثاره على الشواطئ، وهو ما يدفعنا ربما لأن نغبط أهل الدار البيضاء والرباط وأغادير ووهران والعاصمة الجزائر، ممن سيجلسون على الشواطئ ليشهدوا الخسوف كاملًا، على عكس نظرائهم في تونس وطرابلس والأسكندرية وغزة ومسقط، ممن لن يحظوا برؤية الخسوف كاملًا وإن شعروا بآثار القمر العملاق في البحار التي يطلون عليها.