إنها الذكرى الـ 84 لتوحيد المملكة جغرافيًا، اليوم الذي تحتفل فيه برقصات تصاحبها أغانٍ وطنية ورفرفة الأعلام؛ هذه الصورة النمطية التي ينقلها الإعلام الرسمي، وشغب يطال المرافق العامة والمحلات الخاصة ما ينقله لنا الإعلام الجديد تعبير وطني خاطئ وربما متعمد لاعتقاده أنه اليوم الذي يتحرر فيه من المحظورات لكسر الروتين!
يوم وطني يحل دون أن تُحقق رغبات الشعب، دون أن نحظى بدستور وبرلمان منتخب، دون أن تُقلص نسب البطالة والفقر ويتوفر السكن، دون أن ننعم بمستوى صحي يليق بكرامة المواطن، دون أن ترتقي الخدمات للمأمول، دون أن ينال أبسط حقوقه الإنسانية وأن يعبر عن رأيه بحرية، ودون أن تنال المرأة حقها في تقرير المصير لا أن تعتبر قاصر وتعامل على أساسه.
يوم وطني يحل وجنود الوطن منذ مارس يُقتلون على الحدود في حرب يبدو أن لا نهاية قريبة لها؛ مما يعني مزيدًا من الاستنزاف المالي والذي دفع الحكومة للاقتراض ثم توقعات بعجز بالميزانية.
يوم وطني يحل وبدلاً من أن يحتفل شباب الوطن الواعد ويستشعر بالانتماء ويصبح مواطن فعّال يقدم ما يستطيع لخدمة وطنه، يتساءل بأهمية بالغة عن تعويض لأجازة اليوم الوطني، فيأتي القرار بتمديدها!
يأتي اليوم الوطني ويذهب ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية تتحدث بلسان واحد وتنقل جانب واحد مشرق وتسلط الضوء على صغائر الإنجازات لتضخمها، ومن يبالغ بالمديح يتجاهل جوانب التقصير وصوت يصرخ من ظلم مارسته السلطة على مرأى ومسمع منه لكنه جبان يهاب قول كلمة الحق أمام مستبد متعالٍ.
أُعطي حياتيَ عن حرِّيتي بدلًا
إنَّ الحياةَ بلا حريّـةِ عدمُ
كأنني باحثٌ في الكونِ عن وطنٍ
به شغفتُ ولم أعرفْ له أثَرا* النجفي
هناك خلف القضبان يقبع رجال الوطن، رجال إصلاح، حكم عليهم بمدد مشددة بقانون الإرهاب، غيبوا قسرًا لكن ذكرهم باقٍ ولا يزال الأوفياء يتذكرونهم ويذكرون بهم بين فينة وأخرى، إنهم أعضاء “حسم”، الجمعية التي ولدت 2009 لتطالب بملكية دستورية بطريقة حضارية سلمية لتكافئها الداخلية بالتضييق والملاحقة الأمنية ثم الاعتقال وأحكام جائرة.
الوطن الذي نحتفل به يحتل مراتب متقدمة في القمع والاعتقالات التعسفية والإعدام على مستوى العالم، ولا يسمح لك أن تكون حرًا وأن تقول كلمة الحق ولا تخشى شيئًا.
بجانب علي النمر وعمه نمر النمر، 5 آخرين يواجهون حكم الإعدام، وكعادة حكومتنا التي لا تعير اهتمام بمطالب الجمعيات الحقوقية العالمية ولا تلتزم بالاتفاقيات الدولية التي تحظر الانتهاكات الجسيمة التي تقع بها من مدد الحبس الاحتياطي إلى عدم توكيل محامٍ والتعذيب لانتزاع الاعترافات وقد يصل إلى الموت بسبب ذلك، أمثال سلطان الدعيس والذي صعد من قضيته محمد البجادي وطالب بتحقيق مستقل لمعرفه أسباب وفاته، البجادي الذي خفف عنه الحكم إلى 4 سنوات قبل أشهر وقد قضاها ولا زال معتقلاً، علي الصيعري ابن الـ 17 عامًا، ولا ننسى خالد النزهة الذي مات تحت التعذيب بداية الثمانينات وغيرهم.
وبسبب محاضرة عبر يوتيوب يُعتقل الرجل الفاضل سليمان الرشودي ويُحكم عليه 15 عامًا، وبسبب مطالب بالإصلاح يُحكم على عبدالله الحامد 11 عامًا وعلى محمد القحطاني 10 سنوات، وبسبب تصعيده لقضية الحد الجنوبي يُعتقل عيسى النخيفي ويُحكم 3 أعوام، وبسبب وقفة احتجاجية عند وزارة العمل يُحكم على مهند المحيميد 10 سنوات، وبسبب نشاطهم الحقوقي يُحكم على عمر السعيد 4 سنوات وعلى فوزان الحربي 10 أعوام وعلى وليد أبو الخير 15 عامًا، وبسبب دعمه وتفاعله لقضية معتقلينا بالعراق بقي صالح العشوان لقرابة الثلاثة أعوام معتقلاً تعسفيًا، وبسبب منديل الحرية يُحكم على فاضل المناسف 15 عامًا، وبسبب مقال يُحكم على زكريا آل صفوان 10 أعوام، وبسبب خطبه يُحكم على توفيق العامر 8 أعوام.
ومنذ أكثر من عام الصحفي علاء برنجي معتقل ولا يعرف تهمه، كما يقضي زهير كتبي أكثر من شهرين معتقلاً بعد لقاء تلفزيوني، والقائمة تطول.
ولا ننسى الشباب الذين خرجوا عبر يوتيوب ليعبروا عن رأيهم في هاشتاج شهير الشعب يقول كلمته، فمعظمهم مغيب في السجون ولا يعرف متى سيحال للمحاكمة، ولا ننسى معتقلينا في غوانتناموا والعراق الذين يعانون الأمرين: مرارة الظلم والغربة دون تحرك فعال من حكمتنا لاستعادتهم!
وبينما يحتفل الوطن هناك فئة تعتب عليه؛ فئة مهمشه لم تمنح حقها الذي تطالب به منذ عقود، إنهم أبناء البدون الذين لا يعرفون وطنًا غيره لكنه تنكر لهم، لا منصت لمطالبهم ولا مجيب، وكأن الظلم قدرهم يحاول أن يكسر أملهم في تحقيق حلمهم بالمواطنة الكاملة، لكنهم يصرون على المحاولة مجددًا.
وفئة أخرى تتسول حقوقها الصحية وتتظلم عبر مقاطع اليوتيوب لتنل حقها وتنصف من صاحب القرار المغيب خلف باب لا يصل لطرقه أحد.
ونصف المجتمع التي تعاني منذ الأزل رغم الحراك الذي لا يتوقف للمطالبة بإلغاء الولاية والمساواة وقيادة السيارة وإلخ، وسيأتي من يقول إن الحكومة منحتها حق الترشح والانتخاب في المجالس البلدية كما سبق وأن عينت الحكومة ما يقارب 30% من النساء في مجلس الشورى، وهذا لا يعد انتصارًا لحقوقها؛ فالحكومة تجاوازت الحقوق الصغيرة الطبيعية للمرأة كالقوانين الجائرة التي تعتبرها كالقاصر إلى أن تفارق الحياه لتمنحها مكانة في مجلس لا تؤثر أصواتهن مجتمعة في أي تصويت على قضية ما داخل المجلس.
يوم وطني يأتي وهناك من يطبل ويسوق الأكاذيب، وكأن الوطن بحاجة لمثله لنحبه، ويأتي من يخونّ ويحرض على من ينتقد الحكومة وكأنها من المحرمات ولا يجب أن نمسها.
يأتي علينا عام بعد عام ونحن نأمل أن يكون الوطن أفضل، أن يصل للدرجة التي تجعلنا راضين عنه ونفاخر به لا أن ننافق خوفًا من قمع السلطة.