يعجب المشاهد لفريق كاراتيه المكفوفين، من رشاقة حركاتهم وقفزاتهم وهم يتدربون فوق البساط الجلدي ويؤدون حركات عنيفة تعكس ثقتهم بنفسهم، بعد أن حرروا قسطًا وافرًا من طاقتهم الكامنة.
يضم فريق الكاراتيه والذي يتم تدربيه بنادي المشتل بقطاع غزة، 8 فتيان من المكفوفين، تحت إشراف الكابتن حسن الراعي مدرب المنتخب الفلسطيني للكاراتيه ومدير أكاديمية “المشتل” للفنون القتالية.
وسط أجواء عالية من التشجيع يستعد اللاعب الكفيف “محمد مهانى” جيدًا لصد ضربة من زميله لمجرد سماعه للصفارة تنفيذًا لما تلقاه في أكاديمية الألعاب القتالية على مدار ثلاثة أسابيع، حيث يقول: “كانت أمنية طالما راودتني، وبعد شهور من التدريب تحولت لحقيقة، أتقن الآن أساسيات لعبة الكارتيه، وزادت ثقتي بنفسي، وحررت جزءًا من طاقتي الكامنة”، ويتابع: “كان صعب علينا الالتحاق بمثل هذا النوع من الرياضة وكنت محتار كيف سألعب، بعد تدريبنا على يد الكابتن حسن، عرفنا الاتجاهات وتعلمت على برنامج الإدراك الحسي وحركات الدفاع عن النفس، وأنهينا الكاته الأولى وثلاث عشرة حركة من الكاته الثانية”.
أما صديقه مؤمن البيطار الذي يقف مقابلاً له مستعدًا لمواجهته يقول: “في البداية الأمر كان صعبًا، لكن مع الممارسة أصبح سلسلاً وخصوصًا أن المدرب يتعامل معنا بكل أريحية”، مشيرًا أن هذه التجربة أضافت له القوة والعزيمة وزادته ثقة بالنفس وأصبح قادرًا على مواجه المجتمع وحفزه على ذالك والديه.
ومن ناحيته يقول مدرب الفريق حسن الراعى: “إن هذه التجربة هي الأولى على مستوى فلسطين والشرق الأوسط”، فهو يعتمد في تعامله مع المتدربين على برنامج الإدراك الحسّي، واستثمار حاسّتي السمع واللمس في تدريبهم.
وأشار بقوله: “إن هذه الفئة تعاني من التهميش في المجتمع الفلسطيني وعدم الانغماس في المجتمع، فنحن بادرنا بتوجيه رسائل متعددة إلى الجهات الرسمية والدولية والهيئات الخاصة التي تختص بدراسة المكفوفين وخاطبناهم بأن لدينا دورات مجانية لتدريب المكفوفين لعملية إشراكهم وإدماجهم في المجتمع، والحمدلله رب العالمين تواصلنا مع مركز النور للمكفوفين التابع للأنروا وتم التنسيق معهم وأوفد لنا الشريحة الأولى وهم هؤلاء الأطفال الذين – بإذن الله تعالى – سيخرج منهم أبطال يمثلون فلسطين في المحافل العربية والدولية”.
ويستخدم الراعي أساليب التفريغ النفسي قبل البدء بتدريب الفريق، ولاحظ أن الأطفال يحملون عبئًا كبيرًا على أكتافهم يتمثل برغبتهم بأن يكونوا كالأسوياء بالإضافة إلى رفضهم لإعاقتهم وخشيتهم من ضياع حقوقهم؛ لذا، فإن السبب الأول الذي صرحوا به لرغبتهم في تعلم الكاراتيه هو “الدفاع عن النفس”، وأثناء التدريب بات كل منهم يثق بقدراته الجسدية والعقلية أكثر، حتى بات تدريبهم أسهل، وتفوقوا على أقرانهم في المدة الزمنية لإنهاء التدريبات التي تخولهم الحصول على الحزام الأصفر.
استمر تدريب الفريق 21 يومًا فقط بمعدل ساعة ونصف يوميًا وبدأ بتاريخ 26 يوليو، وتخرجوا في 19 أغسطس بالحزام الأصفر في فوج أطلقت عليه إدارة نادي المشتل “فوج الشهيد علي دوابشة”، وتمكّن أعضاء الفريق من تجاوز التمارين كافة وإتقانها في مدة زمنية قصيرة، تبعًا للراعي الذي قال: “أثبت فريق المكفوفين أنه أهل للحصول على الحزام الأصفر بعد تجاوزه التمرينات في 21 يومًا، في الوقت الذي يلزم أقرانهم من الأصحاء ثلاثة أشهر لتجاوزه”.
ويطمح الفريق في تشكيل منتخبًا فلسطينيًا لتمثيل الوطن في البطولات والمشاركات الخارجية، فالواثق من خطوته يمشي ملكًا، كما هو حال خطوات تدريباتهم المستمرة منذ عدة أسابيع، بالرغم من فقدانهم لنعمة البصر إلا أنها لم تثنِ عزيمتهم ليكونوا أبطالاً متسلحين بحب الرياضة، رغم المعيقات التي تواجههم على مستوى القطاع الغزي، فبصيرة الفريق الغزي أقوى بعزيمته وإرادته.