وصف “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” مدينة اللاذقية الساحلية، ومعقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها رئيس النظام السوري بشار الأسد، بأنها “كعب أخيل” الأسد.
وأشار المعهد إلى أن المدينة ذات الجالية السنية الكبيرة ليست آمنة بشكل كامل للنظام السوري، معتبرة أن هذا يفسر سبب التواجد الروسي الجديد المتركز هناك.
وقال الباحث فابريك بالنشي، وهو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في “جامعة ليون 2″، وزميل زائر في معهد واشنطن، إن روسيا أرسلت مقاتليها إلى اللاذقية، وليس طرطوس، وأسست بها قاعدتها العسكرية هناك بسبب “ضعف نظام الأسد في تلك المنطقة، التي لم يعد العلويون يشكلون فيها أغلبية”، بحسب تعبيره.
ديموغرافيا اللاذقية
وحول ديموغرافيا اللاذقية، قال بالنشي إن عدد سكان اللاذقية في 2010 كان 400 ألف، 50 بالمئة منهم علويون، و40 بالمئة سنة، و10 بالمئة من المسيحيين -وغالبهم أرثذوكسيون-، مشيرا إلى أن العلويين موجودون في الأحياء الشمالية والشرقية، بينما يتواجد السنة وسط المدينة، وفي حي الرمل الفلسطيني، أفقر أحياء اللاذقية جنوبا، بينما يعيش المسيحيون بمنطقة تسمى “المنطقة الأمريكية” نسبة إلى مدرسة بروتستانتية أسستها أمريكا هناك.
وأوضح الباحث أن اللاذقية مدينة سنية تاريخيا، إذ لا زال سكانها الكبار يعتبرون العلويين غرباء، فحتى الانتداب الفرنسي في 1920، لم يكن هناك علويون في المدينة، باستثناء بعض الخدم، في حين أصبحوا يمثلون 10 بالمئة فقط بعد عقدين من الزمان في 1945، ومتواجدين في حي اسمه الرمل الشمالي، في حين حصل الانتقال الكبير الديمغرافي على يد حافظ الأسد أثناء عملية “العلونة” التي قادها في سوريا، ليصبح العلويون أغلبية بحلول الثمانينيات.
أما بالنسبة لريف اللاذقية، فإنه مقسم كذلك ما بين قرى سنية وعلوية، فعند السير باتجاه تركيا شمالا على خط اللاذقية – الحفة – سلمى فإن تلك المنطقة ذات أغلبية سنية، تتراوح بين 80 – 140 ألف شخصا، بحسب إحصاءات 2004.
وأوضح الباحث أن مناطق “ربيعة” و”قسطل معاف” ذات جالية سنية تركمانية، كما هو الحال في قرى “برج إسلام” و”صليب التركمان”، مشيرا إلى أن تركمان “ربيعة” و”قسطل معاف” انضمتا للمعارضة المسلحة، في حين فضل تركمان “برج إسلام” و”صليب التركمان” الحياد، لإحاطتهما بالقرى العلوية.
وتابع الباحث بأن المنطقة الواقعة شرق اللاذقية، شمال جبل الأنصارية -المعروفة باسم جبل العلويين-، بما في ذلك الحفة وقراها، وجبل الأكراد، هو منطقة سنية كذلك، وأصبحت منذ 2012 معقلا للثوار، إذ سيطر ثوار جبل الأكراد في تموز/ يوليو 2012 على الحفة، دون أن ينضم إليهم السكان، خوفا من انتقام القوات الحكومية.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن مدينة اللاذقية تضم 200 ألف نازح، بالإضافة لـ100 ألف في مناطق أخرى من المحافظة، معظمهم سنة من إدلب وحلب، إذ يذهب العلويون إلى القرى العلوية، والسنة إلى القرى السنية، ما سبب ارتفاعا بالتمثيل السني منذ 2011 على خط اللاذقية – الحفة – سلمى.
شمال غرب سوريا
ومنذ 2012، بحسب الباحث، سيطرت المعارضة المسلحة على جبل الأكراد والمنطقة الممتدة حتى الحدود التركية، وصولا إلى قرية “كسب” الأرمنية، إذ سيطر الثوار في آذار/ مارس 2014 على كسب ودمروا الرادار الروسي على “الجبل الأقرع” هناك، دون أن يستطيعوا التقدم جنوبا وغربا، فانسحبوا منها في حزيران/ يونيو من العام ذاته.
وأشار الكاتب إلى أن المنطقة الواقعة غرب إدلب، وجسر الشغور وأريحا، في خط متصل بين جبل الأكراد ومنطقة الثوار شمال غرب البلاد، تمثل تهديدا حقيقا لسيطرة النظام في اللاذقية، معتبرا أن هذا ما دفع الأسد لتشكيل مليشيا جديدة باسم “درع الساحل”، وتنتمي لمليشيات “جيش الدفاع الوطني”، وتهدف إلى حماية الساحل على يد الشباب العلويين الذين رفضوا القتال خارج المناطق العلوية.
وأوضح الباحث أن الأسد يحتاج أن يظهر لمن حوله أن يحمي “علويستان”، وهذا ما دفعه لاستخدام الجنود العلويين الذين سيحمون المنطقة بأيديهم، ويدعمون القوات الحكومية، مستدركا أن هجوم الثوار في سهل الغاب خلال تموز/ يوليو وآب/ أغسطس من العام الجاري هددت اللاذقية والمنطقة العلوية في جبل العلويين شمالا.
وبالنظر لهذه المتغيرات، فإن خطر الانتفاضة السنية في الساحل لا زالت قائمة، فيما يحاصر الجيش السوري منطقة الرمل الفلسطيني، معقل السنة في اللاذقية، منذ انتفاضة آب/ أغسطس 2011، في حين ينتظر الكثير من السكان اللحظة المناسبة للتحرك، بحسب تعبير بالنشي.
معركة البحر
وأشار الكاتب إلى أن سيطرة الثوار على البحر “استراتيجية ورمزية” في الوقت ذاته، موضحا أن جيش الفتح المتواجد قرب اللاذقية يهمه السيطرة على ميناء رئيسي، مثل اللاذقية أو طرطوس، مؤكدا أن حالة اللاذقية ستكون أقوى.
وأوضح الكاتب أن طريق اللاذقية أسهل للوصول من طريق طرطوس، كما أن طرطوس -على نقيض اللاذقية- مدينة علوية بالفعل، إذ يشكل العلويون 80 بالمئة من سكانها، مقابل 10 بالمئة من السنة، و10 بالمئة من المسيحيين، كما أن السكان المتواجدين بين طرطوس وحمص علويون بالغالب، مع وجود قوي لأقلية مسيحية، مثل قرى صافيتا ووادي النصارى.
ويتركز السنة في الريف المحيط بطرطوس حول قرى الحميدية وتل كلخ، في حين يقطع حزب الله والجيش السوري الطرق على الثوار، كما يسيطرون بقوة على الحدود اللبنانية لمنع أي تنسيق بين سنة سوريا، وسنة لبنان في مناطق عكار وطرابلس، كما حصل في معركة القصير في أيار/ مايو 2013، بحسب الكاتب.
وفي الوقت الحالي، يحمي حزب الله والمليشيات الشيعية مدن دمشق وحمص، التي تعتبر أساسية بالنسبة للنظام وحزب الله والداعمين الإيرانيين، في حين تعتبر اللاذقية منطقة ذات أهمية استراتيجية أقل بالنسبة لإيران، بعكس روسيا، التي تريد الحفاظ على تواجد على طول الساحل أكثر من دمشق أو مرتفعات الجولان.
وبسبب ذلك، أشار الكاتب إلى أن روسيا لا زالت تسيطر على قاعدتها في طرطوس، وتنوي إعادة بناء قاعدة الغواصات السوفييتية السابقة في جبلة (20 كم جنوب اللاذقية)، موضحا أن ذلك لهدف تعزيز دولة علوية في الساحل، ومنع القوى السنية السورية من الوصول للبحر.
الخلاصة
وبالنظر لهجوم الثوار أثناء الربيع قرب إدلب، فإن هناك احتمالية بأن نيران هذا الهجوم ستصل اللاذقية، إذ يتوقع أن يجد الثوار دعما من السكان السنة، الذين حلم الكثير منهم بالثأر من جهود النظام لتأسيس دولة علوية في مدينتهم.
وأشار الكاتب إلى أنه بعد سقوط جسر الشغور في نيسان/ أبريل هيمنت المخاوف على الجالية العلوية، ما دفع بعض العائلات للهروب لجبل العلويين، الذي يعدّ أكثر أمنا من مدينة اللاذقية، التي لا يمكن التأكد من ولاء اللاجئين للقوات الحكومية فيها.
وأوضح الكاتب أن كثيرا من اللاجئين يعيشون في اللاذقية، ويفهمون المشكلة الطائفية التي تواجه المدينة والريف، ولذلك فإن قدوم القوات الروسية يهدف لحماية المدينة، بالنظر لضعف القوات الحكومية هناك، مشيرا إلى أن نجاح الثوار بالسيطرة على كل المدينة أو أجزاء منها، فإن إخراجهم لن يكون سهلا.
وأوضح الكاتب أن النموذج الروسي الذي تعتمد عليه شبيه بمدينة “أبخازيا” المستقلة بشكل شبه كامل عن جورجيا، بفضل الحماية التركية، ما يتوافق مع التطبيق الروسي من تأسيس بلدان صغيرة محيطة بها، لتكون قواعد عسكرية، معتبرا أن “علويستان” المدعومة روسية، إذا تحققت، ستوفر الكثير من الميزات لدولة حقيقية، بما في ذلك الاعتماد الكامل على روسيا، دون التكلفة ذاتها.
أما الأسد، بحسب الكاتب، فلا يملك خيارا أفضل من القبول بدور روسي في المنطقة الساحلية، إذ لا يستطيع جيشه حماية اللاذقية، ولا دمشق، دون دعم حزب الله وإيران، في حين اعتمدت دول الخليج على ضعف الجيش السوري وسقوط الأسد، ما يسمح بحل سياسي مفروض، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الدعم الروسي المباشر، أو الدعم الإيراني المباشر.
ومن المنظور الفرنسي، أوضح الباحث الفرنسي أن الهجمات المستمرة على تنظيم الدولة ستستمر تحت اسم “الدفاع عن النفس”، بالنظر إلى أن الهجمات الأخيرة التي حصلت في فرنسا تم تخطيطها في سوريا، وبالتالي ستمتنع فرنسا عن منع الروس من نشاطاتهم في سوريا، تحت مسمى محاربة الإرهاب كذلك، في حين يتوقع أن يأخذ الأوروبيون منحى مشابها بالروس، عبر إرسالهم قوات إلى المنطقة العلوية التي ستظهر، لـ”حماية أقليات” الشرق الأوسط، متجاوزين تنظيم المؤتمرات، مثل الأخير الذي نظمه وزير الخارجية الفرنسي لورينت فابيوس هذا الشهر.
المصدر: معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى – عرض: عربي 21