في ضوء تساقط الآمال بشأن نجاح المسيرة السياسية القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل التوصل إلى حلول مناسبة للقضية الفلسطينية، وفشل المشاريع الخاصة بها، وسواء كانت غربية وعربية وإسرائيلية، وفي ظل تهديدات الرئيس الفلسطيني “أبومازن” بشأن القنبلة التي أعلن بأنه سيلقيها وسط الحاضرين أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإلقاء دعوة لم تكن على البال ولا الخاطر، حيث كشف خلالها عن أن السلام مع إسرائيل، يجب أن يشمل دولًا عربية أخرى، من أجل المساعدة في حل القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المحورية.
مؤكّدًا بأن هناك فرصة كبيرة، لأن يكون السلام حقيقة على أرض الواقع، ومُذكرًا بأن حل القضية الفلسطينية سيغير وجه المنطقة الشرق أوسطية، وسيجلب تحسينات كثيرة لأوضاع دولها بما فيها إسرائيل، وبالتالي دحر خطر الإرهاب الذي بات يُهدد أمنها واستقرارها.
الرئيس السيسي قال ذلك، وهو يعلم أن العديد من الدول العربية، هي على علاقة ثنائية – تطبيعيّة – مع إسرائيل، وهي تبدو متقدمة إلى حدود جيدة وتشمل المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وهي ليست خافية عن العيان، سيما وأن هناك اعترافات إسرائيلية تملأ المناسبات المختلفة، بأن علاقات مهمّة تربطها مع أغلبية تلك الدول، وحتى هذه الأثناء فإن هناك ادعاءات تابعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يقول خلالها، بأن هناك تغييرًا جذريًا في علاقة إسرائيل بالدول العربية السنّية، وخاصةً في أعقاب صعود الراديكالية الإسلامية في دول عربية أخرى مجاورة.
وبالتأكيد كان قصده، بأن من الضرورة، عقد اتفاقات سلام عربية موسعة مع إسرائيل، تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه معاهدتي السلام المصرية -الإسرائيلية، والأردنية – الإسرائيلية، واللتان قطعتا أشواطًا تعاونية باهرة، وبالطبع سيتعين على تلك الدول بأن تقوم بإلقاء المزيد من التنازلات المُغرية، بالقدر الذي ترغب به إسرائيل، باعتبارها دولة تسعى إلى السلام وحسب، باعتبار أن مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية عام 2002، وأيدتها الجامعة العربية بعد خمسة أعوام من ذلك، والتعديلات التي أُلحقت بها، لم تعد كافية.
نتانياهو سارع إلى الإعلان عن سروره البالغ من مقاصد السيسي باعتباره الصديق الجيد لإسرائيل، وأكثر من ترحيبه بتلك الدعوة، باعتبارها تثبت أن هناك فرصة دافعة نحو التوصل إلى حلول جيدة للصراع، وباتجاه تقوية المصالح المشتركة وعلى رأسها مكافحة الإرهاب داخل المنطقة، لكن هذا السرور وفي حال كان صادقًا، فإنه سيصطدم لا محالة بأغلبية عربية مُعارضة، والتي لا زالت تعلن عن رفضها عقد أية اتفاقيات متسرعة مع إسرائيل، قبل أن تقوم بدفع مستحقات السلام.
وكانت تصدت المملكة السعودية، من خلال إشارة رئيس المخابرات السابق الأمير تركي الفيصل، بأن بلاده لن تتعاون مع إسرائيل ولن تقوم بإنشاء أي علاقات ثنائية معها، طالما أن فلسطين محتلة، وطالما لا يوجد حل للصراع مع الفلسطينيين، باعتبار أن استمرار الصراع هو الذي يقف حائلًا دون حصول أي علاقات مع الدولة الإسرائيلية، ودائما كانت تقوم بتحميل إسرائيل مسؤولية إعاقتها، بفضل سياستها المتشددة باتجاه أي حلول برغم أنها مقبولة.
على أي حال، فإننا وكما نفهم من أن الدول العربية وعلى رأسها الدولة المصرية، أصبحت تفضل المناهج السياسية في حل الصراع مع إسرائيل، باعتبارها حقيقة واقعة، ولها الحق في العيش داخل حدود آمنة، وضمن بيئة مواتية ومُتعاونة، حتى برغم الصدود الإسرائيلي، وتدني كمية التفاؤل باتجاه أن تميل إسرائيل إلى مجاري السلام، فإننا نفهم أيضًا بأنها تسير بعكس شعوبها، حسب استطلاعات دولية ومحلية، والشعب الفلسطيني بخاصة، أصبح أقل قناعةً بالعمل السياسي والدبلوماسي، وأقل ميلًا باتجاه إنشاء علاقات حقيقية مع إسرائيل، بل ويميل جزءًا كبيرًا منه إلى العمل المسلح والقضاء عليها برمتها، باعتباره الطريق الأمثل لتحرير الأرض والإنسان.
صحيح أن إسرائيل أثبتت جدارتها بعدما نالت الوقت الكافي، في تغيير سلوك النظام العربي، من نظام مُعادٍ لها، حيث شعاراته الخرطومية الثلاثة، إلى نظام مختلف بالكلية، بدا أكثر نبذًا للحرب وأكثر طلبًا للسلام، لكنها في نهاية المطاف، لم تفلح في تغيير المزاج العربي بشكلٍ مطلق، لذا فإن دعوة السيسي وفي هذا الوقت بالذات، قد لا تكون قابلة للاستمرار، وذلك للأسباب السابقة، إضافة إلى أن إسرائيل نفسها تكاد تكون مُكتفية بمستويات علاقاتها مع تلك الدول المعنية، لاسيما وأنها تفي بمجموع أغراضها ولو إلى حين.