عقب حادث التدافع الذي وقع الخميس الماضي الموافق العاشر من ذي الحجة في مشعر مِنى والذي أدى إلى وفاة نحو 769 شخصًا وإصابة 934 آخرين من حجاج بيت الله الحرام، وذلك بحسب آخر إحصائية أعلنتها وزارة الصحة السعودية، هب قناصل الدول المختلفة بالسعودية التي لها ضحايا من بعثاتها في هذا الحادث للبحث عن ضحايا بلدانهم لتقديم المساعدات المختلفة لهم، وسخرت السفارات والبعثات كامل طاقاتها للاهتمام برعاياها من الحجيج، بينما كان لمصر طريقةً مغايرةً بعض الشيء في اهتمامها ومتابعتها شأن الحجاج المصريين.
إذ أصرت مصر ألا يتحدث أحد عن أعداد الضحايا في الحادث غير البعثة الرسمية للحج، رغم أن أعداد الحجاج المصريين الذين خرجوا عن طريق الشركات السياحية وغيرها أضعاف أعداد البعثة الرسمية فضلًا عن مئات من حجاج الفرادي والزيارات والمقيمين، وهو الأمر الذي تدركه السلطات الرسمية في مصر جيدًا لكنها تجاهلته وأصدرت تعليماتها إلى شركات السياحة المصرية بألا يقوموا بنشر أو حصر أعداد المفقودين من حجاجها، لتكون البعثة الرسمية الوحيدة هي التي تملك الحق في إعلان عدد الضحايا متجاهلةً بذلك مئات الجثث المجهولة والمفقودين الذين يبحث ذويهم عنهم، واكتفت البعثة بالإعلان عن الضحايا ممن تم التعرف عليهم فقط.
تثنى لبعض المصريين الموجودين بالسعودية التحري في الأمر مؤكدين أن الشارع 204 من مشعر منى الذي جرى فيه الحادث يوجد به العديد من مخيمات الحج السياحي المصري، مشيرين إلى تلقي تلك الشركات تعليمات من جهات سيادية مصرية بألا تقوم بإعلان حصر أعداد حجاجها والمفقودين منهم، كما تحدثوا عن مئات من الجثث المجهولة التي تكتظ بها الغرف المكيفة بعد عدم تمكن ثلاجات المشافي من استيعاب أعدادهم، مؤكدين أن ذلك يؤدي إلى تغيير شكل الجثث بشكل سريع بعد عدة ساعات من وضعها بعيدًا عن الثلاجات، مشيرين كذلك إلى دفن العشرات ممن تم التعرف عليهم دون ذويهم بسبب اكتظاظ الأمكان بالجثث غير معروفة الهوية.
من جانبه، خرج رئيس بعثة الحج المصرية محمد مختار جمعة مؤكدًا أن حالات الوفيات من الحجاج المصرين بلغت 54 شخصًا، بالإضافة إلى 30 آخرين يتلقون العلاج بالمستشفيات السعودية والذين لم يتوجه إليهم إلا بعد ثلاثة أيام من الحادث، ولفت إلى أن عدد المتغيبيين من الحجاج المصريين عن البعثات الرسمية 120 حاجًا فقط، متجاهلًا عشرات المفقودين والمختفين واكتفى بالتصريح أنه: “من الاستحالة حصر عدد المتخلفين قبل تفويجهم إلى المدينة المنورة، وأنه لا يمكن اعتبار التغيب من بين حالات الضحايا قبل التأكد من ذلك”.
الجالية المصرية بالسعودية هي التي عكفت على متابعة الحادث بشكل موسع وحصر ضحاياه والمفقودين، وقامت بمتابعة أسماء المصابين الموجودين بالمشافي المختلفة، كما قامت بنشر أسماء بعض المفقودين والمصابين الذين تجاهلتهم بعثة الحج الرسمية إضافةً إلى معلومات شخصية عنهم وأرقام هواتف أقاربهم للتواصل معهم.
https://www.facebook.com/EgyptianCommunity/posts/1078377862175136?__mref=message_bubble
فيما قام بعض أعضاء الجالية من المقيمين بمكة وجدة والطائف إلى النزول بأنفسهم للبحث عن بعض المفقودين الذين نشرت صورهم من خلال صفحة الجالية على الفيس بوك، وآخرون اهتموا بالنزول للمشافي المختلفة لمعرفة أسماء وحالات المصابين المصريين المتواجدين بالمشافي، حيث ناشدتهم الجالية عبر صفحتها الرسمية بالمساعدة في مهمة البحث عن المفقودين.
https://www.facebook.com/EgyptianCommunity/posts/1079432472069675?__mref=message_bubble
وأكدت الصفحة على لسان بعض المصريين الذين تواجدوا بطوارئ مِنى أن القنصل المصري تغيب عن المشهد تمامًا رغم أن قناصل الدول الأخرى نزلوا بأنفسهم لمتباعة تلك الأمور بالنزول إلى المستشفيات المختلفة التي تلقت مصابين من الحادث، كما أشاروا إلى أن الضحايا المجهولين تم أخذ بصماتهم لمحاولة التعرف عليهم، والذين قامت السلطات السعودية بعد ذلك بعملية دفن جماعي لهم بعدما لم يتم التعرف عليهم، إذ بدأت الجثث فى التحلل وتغيرت ملامح الأوجه، وذلك تم خوفًا من انتشار الأوبئة والأمراض، وقد خاطبت السلطات السعودية بعثات وسفاراتها وقنصلياتها لحضور مراسم الدفن ولكن السفارة المصرية وقنصلياتها كانوا في ذيل الحاضرين، وقد ضمت تلك المقابر الجماعية نحو 600 شخصًا على الأقل.
https://www.facebook.com/EgyptianCommunity/photos/a.133317466681185.23595.131828796830052/1079088592104063/?type=3&__mref=message_bubble
تفاعل مع أزمة ضحايا المصريين الحجاج المصابين والمفقودين في هذا الحادث العشرات من المدونيين على مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعلوا على هاشتاج #مفقودين_منى_2015 الذي دشنته الصفحة كما دشنت “وسم” للبحث عن المفقودين، وأكدت الصفحة الرسمية أن مئات الرسائل وردتها من أهالي المفقودين من الحجاج الذين بدأوا بالتفاعل مع الصفحة عن طريق إرسال بيانات ذويهم علهم يعرفون ما يثلج صدورهم بشأن أهاليهم الذين تجاهلتهم السلطات الرسمية.
https://www.facebook.com/EgyptianCommunity/posts/1079409838738605?__mref=message_bubbl
هذه الجهود الفردية كلها التي قامت بها الجالية المصرية بالسعودية قوبلت بمجرد إجراء اتصالات مصرية بالجانب السعودي لتقديم تسهيلات لتفويج الحجاج بسرعة، أو إصدار بيانات تعزية، وعقد اجتماعات رسمية مع البعثات المختلفة، التي كان لها دور أكبر من الدور المصري الرسمي في التعامل مع الحادث، لتزداد معاناة أهالي الحجاج المصريين الذين لم يجدوا أحدًا من السلطات المصرية يدلهم بمعلومة عن ذويهم تريح بالهم، لتظل كافة الاحتمالات قائمة عن كل حاج مصري مفقود بين مصاب لا يعرف أحد عنه شيء أو ميت ودفن دون معرفة أهله أو مفقود لا بين هؤلاء ولا هؤلاء، كل ذلك بسبب تأخر رد الفعل الرسمي المصري لحصر عدد الضحايا وتصنيفهم حسب حالاتهم وإعلان المفقودين منهم، لكن السلطات المصرية فضلت أن تترك الأمر للجهود الأهلية في الداخل والخارج في تقاعس واضح شهد به حجاج البعثة المصرية.