لم تلبث الفرحة بمسودة قانون الانتخاب، التي طرحتها الحكومة، طويلًا، ليعود الحديث مجددًا عن ضرورة إجراء تعديلات هامة على القانون لإلغاء أثر قانون الصوت الواحد على المشاركة الشعبية والحياة الحزبية في البلاد.
يستعرض هذا الملف الخاص قراءة شاملة وصورة أكثر وضوحًا للقراء حول مسودة قانون الانتخاب؛ وموقف الأحزاب والنواب منها، والملاحظات الدستورية التي أعقبت إعلانها، وذلك بتتبع أهم ما نُشر من تصريحات رسمية ومقالات وتقارير إعلامية في هذا الشأن.
وجهة النظر الحكومية
أعلن رئيس الوزراء عبدالله النسور في 31 أغسطس الفائت عن مسودة مشروع قانون الانتخاب، واصفًا إياه بأنه شبيه بقانون انتخاب عام 1989، وأكد النسور في المؤتمر الصحفي، الذي عقده في المركز الثقافي، أن مشروع قانون الانتخابات الجديد سينقل الأردن خطوات إلى الأمام، وسيجذر ما سبق من إصلاحات، ويفتح الأفق لتطوير الحياة الحزبية وتشكيل حكومات برلمانية.
من جانبه، وزير الشؤون السياسية والبرلمانية الدكتور خالد الكلالدة قال إن “الهدف من مشروع قانون الانتخاب تمثيل جميع القوى السياسية للمشاركة في رسم ملامح المشهد السياسي القادم، حتى تكون جميعها تحت دائرة الضوء للمواطن”، وأوضح الكلالدة في اللقاء الحواري، الذي نظمه حزب جبهة العمل الإسلامي بفرع محافظة إربد، أن هذا المشروع الذي خرج بنظام القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة يعد تتويجًا لمراجعة القوانين الناظمة للحياة السياسية، وسلسلة القوانين الإصلاحية، مبينًا أن اللجنة المكلفة بإعداد القانون كانت على اطلاع كامل بآراء مختلف القوى السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني.
بدوره، استهجن الناطق الرسمي باسم الحكومة، الدكتور محمد المومني، عدم وجود قبول كافٍ لقانون الانتخاب من قِبل بعض الأحزاب، جاء حديث المومني تعليقًا على ما أفضت إليه خلاصات اجتماع لـ20 حزبًا في 2 سبتمبر الجاري، انتقدت القانون وطالبت بنظام انتخابي مختلط، وبرده من مجلس النواب.
وأضاف المومني أن مسودة قانون الانتخاب التي أقرها مجلس الوزراء تعد قفزة بالاتجاه الصحيح وخطوة إصلاحية مدروسة بشكل جيد، وتستجيب لما عانت منه الحياة السياسية خاصة المطالبات التي كانت تحث على إلغاء الصوت الواحد، وحول الانتقادات التي طالت مسودة مشروع القانون فيما يتعلق بإمكانية حدوث احتقانات و”تخوينات” من أبناء القائمة الواحدة؛ بأن كل مقترع سيصوت لصالح قريبه أو من يخصه ويترك باقي القائمة، اعتبر الوزير أن “هذا فيه كثير من المغالطة”، وتساءل “هل يعقل أن المقترع سيصوت بدافع الحمية ولن يصوت إلا لقريبه أو من يخصه؟”، بحسب تقرير لوكالة عمون.
قانون الانتخاب بعيون الأحزاب
طالبت الأحزاب مجلس النواب برد القانون، وإعداد آخر جديد يعتمد النظام المختلط؛ بحيث يتضمن قوائم عامة أو وطنية يرتبط تشكيلها بالأحزاب السياسية بشكل حصري.
وقال حمزة منصور، الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي، “إن البيئة السياسية في البلاد غير مشجعة على المشاركة في العمل السياسي”، لافتًا النظر إلى ما اعتبره “حالة التضييق على الحريات العامة، واعتقال الناشطين السياسيين، التي تمارسها الحكومة ضد أعضاء الحزب”.
وأضاف منصور في حديثه لـ”قدس برس”، على هامش ندوة “المشاركة السياسية في العالم العربي” التي نظمها مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، أن مسودة قانون الانتخاب التي طرحتها الحكومة “لا تلبي طموحات الأحزاب الأردنية”، منوهًا إلى أنها “لم تكن النموذج المطلوب، وأن الحكومة حاولت من خلاله المزاوجة بين قانون انتخاب عام 1989 والقانون السابق، المعروف باسم قانون القوائم”.
وحول مشاركة الحركة الإسلامية في الانتخابات القادمة، قال منصور “إن الحركة الإسلامية تنتظر التعديلات التي ستجري على مسودة القانون، وليس بإمكان الحزب طرح موقفه من المشاركة في الانتخابات من عدمه قبل النظر في التعديلات النهائية على القانون”.
بدورها، استعرضت صحيفة الشاهد الأسبوعية آراء الأمناء العامين للأحزاب في تقريرها المنشور في 9 سبتمبر الحالي تحت عنوان “قانون الانتخاب كما تراه الأحزاب”.
أمين العام لحزب الوحدة الشعبية دكتور سعيد ذياب قال “إن القانون أخفق في الوصول للمطلب الأشمل بالنسبة للأحزاب التي تطالب بقائمة على المستوى الوطني من ناحية، والتمثيل النسبي على مستوى الوطني، وهذا يعتبر ثغرة في هذا القانون بعد 22 سنة من المطالبة بإلغاء قانون الصوت الواحد”.
من جانبه، قال أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي محمد الحمصي، إن الحزب مازال يدرس القانون ولم يصل إلى موقف واضح منه سواء بالتأييد أو الرفض، وفي حال وصلوا إلى موقف معين سيصدرون بيانًا يوضح وجهة نظرهم، ورأى أمين عام حزب التجمع الوطني محمد العبادي مجرد مغادرة مربع الصوت الواحد تعتبر خطوة إيجابية؛ لكن المسودة كما طُرحت لا ترتقي إلى رؤى القوى الوطنية الأردنية لإنجاز قانون انتخاب عصري يترجم أفكار وبرامج سياسية.
وألمح أمين عام الحزب الشيوعي، دكتور منير حمارنة، إلى أهمية القانون وإيجابيته بتخليه عن الصوت الواحد، وأبدى أمين عام حزب البعث التقدمي، فؤاد دبور، تحفظه على ما يتعلق بالقائمة الوطنية، بالإضافة إلى تقسيم الدوائر، خاصة الدوائر الكبيرة كعمان وإربد وهذا سيضعف العمل الحزبي.
وفوّض المجلس المركزي لحزب التيار الوطني مكتبه التنفيذي وقيادة الحزب اتخاذ الموقف الذي يراه مناسبًا إزاء مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي أعلنته الحكومة، ودعا أمين عام الحزب عبدالهادي المجالي إلى إجراء تمرينًا حقيقيًا حول كيفية التعامل مع القانون الجديد، والاستفادة منه على نطاق واسع في المرحلة المقبلة.
ومن جهتها، أوضحت عبلة أبو علبة، أمين عام حزب الشعب الديمقراطي، في حديثها لـ”الشاهد” أن مشروع قانون الانتخابات النيابية لم يرق إلى مستوى الإصلاح السياسي المنشود، ولن يسهم، فيما لو أقرّ في مجلس الأمة، في توفير بيئة سياسية صالحة لمرحلة الحكومات البرلمانية المنتخبة.
موقف النواب من القانون
رأى الكاتب في صحيفة الغد، فهد الخيطان، أن أداء مجلس النواب كان “قويًا وممتعًا” في جلسته التاريخية التي خُصصت لمناقشة مشروع قانون الانتخاب، وانتهت بموافقة الأغلبية على إحالته للجنة القانونية.
وفي تصريحات لـ”جفرا نيوز”، عبَّر النائب محمد فلاح العبادي عن عدم رضاه عن قانون الانتخاب، مشيرًا إلى أنه يعيد إنتاج الصوت الواحد من خلال القوائم النسبية نفسها، وحصر إرادة الناخب في قائمة واحدة، وأضاف أن هذا القانون سيضعف مشاركة عمل الأحزاب السياسية، ويحرمها من تشكيل توافقات تنعكس إيجابًا على البرلمان القادم، وأوضح أن الأحزاب لن تكون قادرة على حصد أكثر من خمسة آلاف صوت انتخابي مهما كانت شعبيتها، مشيرًا إلى وجود شبهة دستورية في القانون وثغرة قانونية يجب مراجعتها وحلها قبل أن يقع فيها المجلس الثامن عشر المقبل.
وانتقد النائب علي السنيد مشروع قانون الانتخاب المُقدم من قِبل الحكومة، واصفًا إياه بأنه قانون يعاني من إشكالية عند التطبيق وسيعيد تجزيء الواقع الأردني ودفع قوى غير مدنية إلى واجهة التمثيل، ولا يخدم التوجهات الديمقراطية للدولة الأردنية، جاء ذلك عبر بيان للسنيد نشره موقع جراسا نيوز في 20 سبتمبر الجاري.
من جانبه، قال النائب جميل النمري إن قانون الانتخاب الجديد يأخذ الأردن إلى استقرار سياسي وتشريعي، ويساعد الأحزاب إذا تحالفت بمتانة على الوصول إلى مجلس النواب، وأضاف النمري خلال جلسة حوارية حول مشروع قانون الانتخاب نظمها حزب الإصلاح في 16 سبتمبر الجاري، أن “النظام الانتخابي سيلغي البطاقة الانتخابية لأنها إذا فُقدت تحتاج إلى إجراءات إدارية روتينية وطويلة”، مشيرًا إلى لجنة الحوار الوطني التي شكلتها الحكومة عام 2011 أوصت به، وضمت بين أعضائها ممثلين عن الأحزاب والنقابات، أعيان، نواب سابقين، متقاعدين عسكريين، مدنيين، وممثلي عن المجتمعات المحلية وعن مناطق واسعة في المملكة، بحسب وكالة بترا.
ملاحظات دستورية
الفقيه الدستوري الأستاذ الدكتور محمد الحموري قال إن مسودة القانون الجديد تشكل خطوة إصلاحية إلى الأمام، وأوضح الحموري، “إلا أنه لا يجوز أن نخلط بين النظام الانتخابي الوارد في المسودة، وبين النظام الانتخابي الذي قامت على أساسه انتخابات عام 1989، لأنه لا صلة ولا شبه من أي نوع بين النظامين”.
وفنّد الحموري في مقاله “ملاحظات على مسودة قانون الانتخاب”، المنشور في موقع عمون رأيه بالتفصيل، مشيرًا إلى أن الملاحظات على مسودة القانون نوعان، النوع الأول: مدى الملاءمة في النظام الانتخابي الذي جاءت به النصوص، وهذه تدخل في باب المسائل الاجتهادية حول من هو الأفضل، والنوع الثاني: هي الملاحظات المتعلقة بالسلامة الدستورية لما ورد في بعض نصوص المسودة.
ونصح الحموري الحكومة بتجنب فكرة القائمة النسبية، لأنها مخالفة للدستور حتمًا، وأن تأخذ بنظام القائمة التي يستطيع بموجبها الناخب أن يختار مرشحين بعدد لا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة لدائرته الانتخابية، “أي أن يكون للناخب التصويت لقائمة انتخابية يضعها بكامل حريته، دون أن يُفرض عليه التصويت لقائمة أعدّها له غيره، فهذا الطريق لا يخالف أحكام الدستور”.
وأشار الكاتب في صحيفة الغد موسى شتيوي إلى ما وصفها بـ”بعض القضايا المبهمة أو التي لم يعالجها القانون” وذلك في مقاله الذي حمل عنوان “ملاحظات إضافية على مشروع قانون الانتخاب”.
وقال شتيوي “إن القانون غلّظ العقوبات المفروضة على المال السياسي، سواءً كان ذلك من جانب المرشحين أو الناخبين أنفسهم، وهذا شيء إيجابي؛ لكن الإشكالية في استخدام المال السياسي ليست في العقوبات، وإنما في آلية ضبط الذين يستخدمون هذا المال في الانتخابات”، ورأى بتضمين القانون لسقوف الدعاية الانتخابية “حاجة مُلحة” للجم دور المال السياسي في الانتخابات، والمساهمة في تحقيق العدالة الانتخابية بين المرشحين، ما سيترك أثرًا إيجابيًا على مجمل العملية، وأحد أهم السبل لاستعادة ثقة المواطنين هو إشراك القضاة في الإشراف على العملية الانتخابية.
وزاد شتيوي تنص الفقرة “ج” من المادة 47 من مشروع القانون على أنه إذا تساوت نسبة الأصوات بين قائمتين أو بين مرشحين اثنين أو أكثر، فيجري رئيس اللجنة قرعة بينهما، واحتمالية حدوث ذلك قد تكون مستبعدة، لكن القرعة ليست حلًا ديمقراطيًا لهذه المشكلة، والأصل هو أن تتم إعادة الانتخابات بين المتساوين بالأصوات حتى يعطى حق للناخب بالمفاضلة، وعدم تركها للحظ أو الصدفة، وفق قوله.
المصدر: أردن الإخبارية