البعض يتساءل عن الموقف الروسي المتصاعد تجاه الأزمة السورية، وتلميحات موسكو بالتدخل العسكري المباشر ضد التنظيمات المتطرفة وهذا التحول الهام جاء بعد أن دعمت روسيا النظام السوري سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، حيث سبق وأن استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة على أي قرار غير مقنع لروسيا يخص الأزمة السورية.
فما هو شكل التحالف الروسي السوري؟ وما هي فرص تخلي روسيا عن حليفها بشار الأسد؟ وهل تستطيع روسيا حسم الموقف لصالح النظام السوري؟ وما انعكاس ذلك على شكل النظام العالمي؟
التحالف بين الدول يقوم على المصالح، وهنا لا بد من معرفة ما هي المصالح الروسية في سوريا حتى نستطيع الكشف عن مبررات الدب الروسي من الأزمة السورية، وهي على النحو التالي:
1- تحتل سوريا المرتبة الرابعة من الدول التي تستورد السلاح الروسي.
2- وجود قاعدة بحرية روسية في مدينة طرطوس الساحلية التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، وهذا بعد إستراتيجي هام لروسيا في ظل الهيمنة الأمريكية والغربية على منطقة الشرق الأوسط، وتكمن أهمية القاعدة البحرية في طرطوس كأحد الركائز الإستراتيجية في البحر المتوسط والتي وصفها الأميرال الروسي إيغور كاساتونوف بأنها تمنح القوات الروسية الوصول السريع إلى البحر الحمر والمحيط الأطلسي.
3- تجربة روسيا السلبية في تعاطيها مع الملف الليبي وموافقتها على القرار الأممي رقم 1973، والتي سمح للناتو بالتدخل في ليبيا وإسقاط نظام معمر القذافي أحد حلفاء موسكو.
4- موقع سوريا الجيوإستراتيجي والذي يشكل فضاء حيوي لروسيا على البحر المتوسط، وفي حال تم تدويل الأزمة فإن انعكاساتها لن تبقى في حدود سوريا، فهناك اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين الحليفين الإستراتيجيين سوريا وإيران، وهناك موضوع الأقليات في سوريا؛ فعلى سبيل المثال يعيش في سوريا أكثر من مليون كردي، وفي حال اندلاع أزمة قد تتأثر مناطق في تركيا والعراق وإيران، وقد يمتد إلى القوقاز، وهذا سيهدد مصالح موسكو لأن جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا مؤهلة للإصابة بعدوى الربيع العربي، بالإضافة إلى تحفيز الانفصاليين للانفصال عن روسيا مثل أزمة الشيشان.
5- رغبة روسيا في إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب أو على أقل تقدير ثنائي القطبية تكون روسيا وأصدقاؤها قطبًا مؤثرًا فيه.
6- سقوط نظام الأسد هو بمثابة تضييق للخناق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعلى حزب الله اللبناني، وهنا سوف تخسر روسيا نفوذًا هامًا في منطقة الشرق الأوسط عمومًا، والخليج العربي بشكل خاص.
مما سبق يأتي إصرار الموقف الروسي على دعم الحليف السوري عسكريًا وأمنيًا بالإضافة لدعمه سياسيًا طوال مدة الأزمة.
إن الأزمة السورية مقبلة على تفاعلات خطيرة، سيدفع ثمنها الشعب السوري، والأمة العربية والإسلامية كونها ستستنزف كل مقدرات سوريا البشرية والمادية، حيث ستصبح سوريا أرضًا لصراع القوى الكبرى وهذا سيكون على حساب الشعب السوري أولًا والأمن القومي العربي ثانيًا، ومن هنا نقرأ التحولات بمواقف الدول تجاه حل الأزمة السورية بحيث بدأت بعض الدول تقر بضرورة بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية لأن الجميع يدرك أن روسيا ولم ولن تتخلى عن بقاء النظام السوري بشكله الحالي، وتستطيع حسم المعركة عسكريًا لما تمتلكه من مقدرات بشرية وعسكرية وفي ظل ضعف الموقف الأمريكي بالأزمة السورية فإن فرص بقاء بشار الأسد ما تزال قائمة وبقوة.
إن روسيا تتطلع لتحولات بنيوية بالنظام العالمي بحيث ينتقل هذا النظام من نظام أحادي القطبية إلى نظام ثنائي القطبية وهي ترى بتدخلها بالملف السوري فرصة لتحقيق ذلك حيث تتقاطع مصالح الروس مع الصين ومع دول وحلفاء آخرين، وأن الميدان بعد سنوات لم يحقق حسمًا عسكريًا واضح المعالم، وشكل بروز تنظيم داعش انتكاسة كبرى للثورة السورية ولمطالب الشعب السوري العادلة.