قبل ست وثمانين عامًا، وبالتحديد سنة 1929، وأثناء الانتداب البريطاني، تفجرت ثورة البراق في رام الله ونابلس والخليل وصفد وجنين ويافا وعكا وفي كل أنحاء فلسطين، وكان السبب في الثورة التي قُتل فيها 123 يهوديًا، واستشهد فيها 116 عربيًا، وخلفت مئات الجرحى، هو محاولة اليهود الاقتراب من مدينة القدس، ومحاولة مجموعة من اليهود أداء شعائرهم الدينية في المكان الذي يسميه المسلمون حائط البراق، والذي يسميه اليهود حائط المبكى.
فما الذي تغير؟ قبل ست وثمانين عامًا كان العربي الواقع تحت الاحتلال البريطاني يثور لمجرد اقتراب اليهود من القدس، بينما نراه اليوم لا يحرك ساكنًا في رام الله ونابلس والخليل وقلقيلة وأريحا رغم احتلال اليهود للقدس، واقتحامهم للمسجد الأقصى، ورغم استخدام اليهود الأكسجين وأدوات القطع لتحطيم نوافذ الحرم القدسي خلال اقتحامه صباح الإثنين الموافق 28 سبتمبر 2015، وقاموا باستخدام آلات حفر لقص الحمايات الحديدية لنوافذ المصلى القبلي من الجهة الشرقية.
فما الذي تغير؟ اليهود الذين تمنوا يومًا تأدية شعائرهم الدينية قريبًا من حائط البراق، صاروا يمتلكون حائط البراق بالكامل، بل ويمتلكون حارة المغاربة بكاملها، بعد أن هدموا بيوت المسلمين سنة 1967، بل وصار اليهود هم الذين يقررون مواعيد صلاة المسلمين، وصاروا يحددون الساعات التي يسمح فيها للمسلمين بدخول المسجد الأقصى، والتي يمنع فيها على المسلمين الصلاة في المسجد الأقصى؟
فما الذي تغير منذ سنة 1929 حتى سنة 2015؟ وكيف نجحت ثورة البراق في إلزام بريطانيا بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة تقول كلمتها في ملكية حائط البراق، حيث ترأس اللجنة في ذلك الوقت وزير الخارجية السويسرى، وكان نائبه مسؤول كبير في البنك الدولي من أصل سويدي، لقد درس الرجلان كل الملفات وعشرات الوثائق التي قدمت من الطرفين، واستمعا لشهادات اليهود والعرب عدة أشهر، ليصدر قرار اللجنة الدولية المحايدة يقول: إن ملكية حائط البراق تعود إلى المسلمين، وإن حائط البراق أرض وقف تعود ملكيته إلى عائلة “بومدين” الجزائرية، والحائط جزء من الحي الملاصق له والمعروف بحي المغاربة، وعلى ذلك انتهى تقرير اللجنة الدولية الذي قُدم إلى عصبة الأمم.
اليوم، وبعد انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين وبعد الإعلان عن قيام دولة فلسطين، وبعد إقامة السلطة الفلسطينية، وبعد أن صار لنا رئيس، وصارت لنا أجهزة أمنية، وصار لنا وزراء، وبعد الاعتراف الأممي بدولة فلسطين بصفة مراقب، وبعد الاحتفال برفع العلم الفلسطيني على مبنى الأمم المتحدة، وبعد كل هذه الانتصارات الفلسطينية المذهلة، تقدمت رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست، النائب ميري ريغيف من حزب “الليكود” بالاشتراك مع النائب يحيائيل بار من حزب “العمل”، بمشروع قانون يقضي بحرية العبادة لليهود في المسجد الأقصى في القدس، كما هو الحال في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
فماذا يقول الفلسطينيون؟ كيف يردون على توحد أعضاء حزب العمل اليساري مع أعضاء حزب الليكود اليميني في الرؤية، واتفاقهم على أن القدس التي يسمونها “أورشليم” تقع خارج إطار النزاع الحزبي، وفي قلب الوجدان اليهودي.
ماذا يقول الفلسطينيون عن قدسهم التي صارت يهودية؟ ولماذا لا يغضبون في رام الله على كل ما يجري في المسجد الأقصى أمام أعينهم سنة 2015، بينما غضب آباؤهم على ما جرى بالقرب من حائط البراق سنة 1929؟ وما الذي تغير؟