في القرن الواحد والعشرين، تطورت الأهداف التربوية، وتطور معها الرؤية المثالية لتعريف”من هو المتعلم؟”، تغير مفهوم “التعليم الجيد” وتبدل أيضًا “دور المعلم” و”دور المدارس”. صحيح أن هذه الحالة التي تبدو مثالية، لكنها ليست الحالة السائدة في العالم، إذ ما زالت مجتمعات عديدة في العالم تفتقر لأدنى الوسائط التي تمكنها من الانتقال من أنظمة التعلم التقليدية إلى أنظمة التعلم الحديثة، ومع ذلك، لا بد لنا من التطرق للمستقبل.
تعيش أنظمة التدريس التقليدية أزمة حقيقية في مفهوم التدريس، محاولةً إنكار حقيقة أن التعليم لا يحدث داخل الصفوف المغلقة فقط، وأن المدارس ليست هي مصدر المعرفة، وأن المعلم ليس رسولًا للعلم بعد الآن، بينما تنكر هذه الأنظمة أن عليها أن تغير مهامها والوسائل التي تستخدمها في التربية والتعليم، كما تنكر أيضًا، أنها لا توفر للطلبة فيها مهارات تمكنهم من التعامل مع التطور التكنولوجي السريع، وتجد في استثمار التكنولوجيا كأحد الوسائط في التعليم تهديدًا حقيقيًا لها.
إن هذه المهارات في الحقيقة ليست مهارات “تكنولوجية تقنية”، إنها مهارات تلازمت مع “التعليم الجيد” عبر عصور: مهارات التفكير النقدي، مهارات التخطيط الاستراتيجي، مهارات المنطق، مهارات التواصل، مهارات التحليل وغيرها. مهارات، تمكن “المتعلم” من أن يتأقلم مع ظروف عمل مختلفة.
نسأل السؤال إذًا: لماذا على أنظمة التربية التقليدية أن تبدأ التغيير؟
أولًا: توفر المدارس في الأنظمة التقليدية، منظومة تعلم واحدة لجميع الطلاب فيها، وإن كان هناك تنوع، فإنه يكون بتخصصات محدودة، فيكون على المتعلمين جميعًا التقيد في هذه المنظومة، اختباراتها، موادها ومتطلباتها.
فيما تقدم التكنولوجيا امكانيات أكثر تلبي احتياجات الفرد، لتوفر له تجربة تعلم خاصة به. (أحد الحلول التي يمكن للأنظمة التقليدية تبنيها هو إنشاء برامج تدريس ليست بحسب “مواضيع”، إنما شاملة. (النظام المدرسي في فنلندا مثلًا).
ثانيًا: في المداراس التقليدية، الكلمة الأولى والأخيرة هي للمعلم، هو مصدر “المعرفة”، وهو الآمر الناهي في محيط الصف، وهو الذي يزود الطلاب بالمعلومات.
أما في أنظمة التدريس الحديثة، فدور المعلم مختلف تمامًا، هو ميسر للحوار، هو داعم للطلاب، وهو الذي يوجههم لاختيار مصادر المعرفة السليمة في ظل التدفق الهائل للمعلومات بسبب التكنولوجيا، في هذه الأنظمة، هناك تفاعل حقيقي بين المعلم والطلبة، هذا التفاعل يحفز على الفضول، البحث ويطور لديهم مهارات اجتماعية، أكاديمية وعاطفية. إذًا، الطالب هنا، شريك في صنع المعلومة، يتفاعل أكثر، وينتج، لا يتلقى المعرفة فقط.
ثالثًا: تعتمد أنظمة التربية القديمة على “استيعاب وتخزين المعلومات”، أما في أنظمة التعلم الحديثة فإن المهم هو تطوير مهارات تمكن المتعلم/ الطالب من استخدام المعلومات المتوفرة بكثرة بشكل ناجع، من تحليل هذه المعلومات، وتطوير القدرة على نقدها، أو تصنيفها وكذلك كيفية استخدامها بشكل ناجع، فلا حاجة هنا إذن للتخزين.
رابعًا: التقييم عبر الاختبارات هي الحالة السائدة في أنظمة التربية التقليدية، هذه الاختبارات تقلل من نجاعة العملية التدريسية إذ تتحول إلى هدف يسعى له كل من المعلم والطالب، وتهمش العملية التربوية بسببه.
أما في أنظمة التعلم الحديثة، تتنوع طرق تقييم الطلاب، فهناك مفهوم “الصف المقلوب”، حيث يقوم الطلاب بالتعلم وحدهم ومن ثم يشاركون ما تعلموه في الصف، وهناك مفهوم “حل المشاكل عن طريق التعلم”، وهناك تقييمات بحسب مشاريع عمل، وأفكار كثيرة أخرى، باختصار، لم تعد الامتحانات هي الطريقة الوحيدة لتقييم فهم الطلاب وتعاملهم مع المواد التعليمية.
خامسًا: تتجاهل أنظمة التعليم التقليدية أن الطلاب يمكنهم في أيامنا هذه أن يتعلموا في أماكن مختلفة ولا يقتصر الأمر على في المدرسة أو الصف مثلًا، كما تتجاهل وجود امكانيات لتطوير برامج تدريس عبر التكنولوجيا، كما تتجاهل إمكانية التعلم عن بعد.
في النقاط الخمس، تظهر التكنولجيا كأداة، وليست كهدف تربوي أساسي، هذه الأداة حقيقة تمكن من خلق تجربة تعلم مختلفة، تعزز التفاعل أكثر وتحفز الطلاب أكثر، كل هذا بشرط واحد وهو أن يستحسن استخدامها.