تحليل كتبه كولن كاهل، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط، وترجمه وأعاد إخراجه موقع نون بوست.
فجأة رفضت المملكة العربية السعودية ملئ مقعدها في مجلس الأمن، رغم أنها عملت جاهدة في السنوات الماضية للوصول إليه، ووظفت مجموعات ضغط أمريكية وعالمية لتمكينها من الفوز بهذا المقعد، وفجأة صرح مسؤول سعودي من رأس هرم صناعة القرار في المملكة بأن بلاده تخطط ل”نحول كبير” في شراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لتكون المرة الأولى ،منذ عقود، التي تخرج فيها الخلافات الأمريكية السعودية إلى العلن، بعد أن كانت طيلة السنوات الماضية محاصرة داخل الغرف المغلقة.
وتنبني الخلافات الأمريكية المتنامية مع حلفائها في الخليج وخاصة مع المملكة العربية السعودية على عدة ملفات، أقدمها هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأحدثها هو الانقلاب العسكري الذي عاشته مصر وتوجه إدارة أوباما في الأيام الأخيرة إلى وقف المساعدات الأمريكية للجيش المصري، بعد أن فشلت القيادة العسكرية في السيطرة على الاحتجاجات وفي إظهار بوادر نجاح خارطة الطريق، التي تحتاجها إدارة أوباما لتبرير موقفها من الانقلاب قانونيا وشعبيا.
ومن أهم الأسباب المضاعفة للتوتر الذي تشهد العلاقات الأمريكية الخليجية، هو الانفتاح المفاجئ والسريع للإدارة الأمريكية على إيران، منذ الأسابيع الأولى لتولي الرئيس الإيراني حسن روحاني، حيث تخشى دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات من عقد صفقة سياسية يرفع بموجبها الحصار الاقتصادي المضروب على إيران، مقابل بعض التنازلات الإيرانية البسيطة في خصوص مشروعها النووي، وهو ما سيمكن إيران من التفرغ لتنفيذ طموحاتها للهيمنة والتوسع في منطقة الشرق الأوسط.
وإلى جانب ذلك، يشعر حلفاء أمريكا في الخليج العربي بالخذلان، جراء تراجع إدارة أوباما عن قرارها المعلن بتوجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، وتعاملها “الناعم” مع نظام بشار الأسد في سوريا، ففي الوقت الذي تعمل فيه السعودية والإمارات على الإطاحة بالحليف الأقوى لإيران في المنطقة، توجهت إدارة أوباما إلى عقد صفقة مع النظام السوري بشراكة روسية لنزع السلاح الكيمياوي السوري، وهو ما يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى بقاء بشار الأسد، وبالتالي إلى استمرار النفوذ الإيراني في المنطقة.
ومن جهة أخرى، تنامت في الآونة الأخيرة مخاوف دول الخليج من ثورة الطاقة في شمال أمريكا، والتي تقول تقارير رسمية بأنها قد تجعل أمريكا في غِنا عن مصادر الطاقة في منطقة الخليج، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي وصلت إليها أمريكا جراء الحروب المتتالية التي خاضتها في العشرية الماضية، وذلك بالإضافة إلى التوجهات الإستراتيجية الواضحة لإدارة أوباما، والهادفة إلى الانسحاب من “الشرق الأدنى” والانفتاح بصفة أكبر على منطقة المحيط الهادئ أو ما يمكن تسميته ب”الشرق الأقصى”.
وفي ظل ظهور بوادر توجه دول الخليج نحو “تحول كبير” في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه من الضروري ملاحظة عدم وجود حليف بديل لدول الخليج، فروسيا والصين وحتى الدول الأوروبية ليس بمقدورهم تعويض سوق النفط الأمريكية التي قد تخسرها السعودية قريبا، كما ليس بإمكان أي قوة تعويض الدعم العسكري والحماية الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة للمملكة السعودية، وهو ما سيجعل التحول الكبير الذي لوح إليه المسؤول السعودي، تحولا إلى لا شيء.