موجة العنف الأمني الممارس ضد الطلاب في الجامعات المصرية ربما كانت الأهدأ خلال هذا العام مقارنة بالأعوام الدراسية الثلاثة التي تلت الانقلاب، وهذا لا يعني أن الانتهاكات توقفت تمامًا، بل على العكس، الانتهاكات مستمرة ومتزايدة إلا أن مكان وشكل ممارستها تغير قليلًا، فانتقل الطلاب من الجامعات إلى السجون حيث يقبع نحو 3242 طالبًا وطالبة، وبالتالي اختلفت نوعية الانتهاكات الممارسة من الفصل التعسفي الذي لاقاه نحو 708 طالب إلى الحرمان من إجراء الامتحانات داخل السجون كما جرى مع العشرات، ومن الاعتقال من أرض الحرم الجامعي إلى التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي داخل الزنازين المكتظة بمئات منهم، فبعدما كانت الانتهاكات تتم علنًا أمام الجميع في باحات الحرم الجامعي، انتقل الطلبة وجلاديهم إلى السجون ليمارس أضعافها بحقهم.
“التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية”، على هذا نصت المادة التاسعة عشر من الدستور المصري الذي لم يُطبق البتة، إذ لم يعد التعليم حق لهؤلاء الطلاب الذين باتوا بين معتقل ومفصول ومطارد ومقتول، كما أن تلك الجمل المسجوعة التي بنص المادة طُبق عكسها تمامًا، إذ أشرفت الدولة بكامل طاقاتها على تنفيذ ما يهدم الشخصيات ويثبط المواهب والإبداع ويرسي مفاهيم العداء والبغض.
بناء الشخصية المصرية تمثل أصبح بقتل من لا يسير كما تريد الدولة، فكان القتل داخل المدرجات، وفي الساحات الجامعية، التي غرقت بدماء نحو 20 طالبًا في العامين الماضيين، علاوةً عن القتل في التظاهرات بالشوارع والتصفية الجسدية المباشرة إبان المطاردات الأمنية للطلاب، ليصل إجمالي القتلى من الطلبة الجامعيين منذ يوليو 2013 وحتى فبراير الماضي إلى 228 طالبًا وطالبة إذ لم تفرق رصاصة القاتل بينهما، تدريجيًا اختلفت أداة القتل وإن كانت تودي بذات المصير، إذ تحول القتل بالرصاص داخل المدرجات إلى قتلٍ بالتعذيب في السجون أو بالإهمال الطبي وعدم تقديم الأدوية والرعاية الطبية للمرضى من الطلاب حتى أصبح الأمر روتينيًا في حياة المعتقلين في السجون المصرية.
أما الحفاظ على الهوية فتم باعتقال واختطاف الطلاب الذين تسول لهم أنفسهم أن يعبروا عن رأي سياسي معارض للسلطات، فاعتقال الطلاب لم يتوقف عند حد معين ولم يتقيد بمكان أو زمان ولم يفرق بين شاب وفتاة، فصباح مساء يعتقل طلاب وطالبات الجامعات من منازلهم أو من الشوارع وحتى من حرم الجامعات بعد تسليم الأمن الإداري وبعض أعضاء هيئة التدريس هؤلاء الطلاب لأجهزة الشرطة والجيش، حيث وقع رهن الاعتقال العام الدارسي الفائت وحده نحو 1528 طالب بينهم 119 طالبة، بحسب مرصد حرية طلاب، كان من بينهم 658 حالة اعتقال تمت من الحرم الجامعي، والأمر لا ينتهي هنا حد الاعتقال بل بتجاوز ذلك بالتعذيب والمعاملة الغير إنسانية التي تليه.
تحولت سياسية الاعتقال إلى الإخفاء القسري الذي وقع رهنه نحو 329 طالبًا بينهم 11 طالبة العام الدراسي المنصرم، حيث تم إخفائهم قسريًا لفترات متفاوتة، وبالطبع لا تخلو مدة الإخفاء القسري من التعذيب والضرب المبرح والانتهاكات وربما الاغتصاب الجنسي وهتك العرض لشباب وفتيات، وتغيرت تلك السياسة مرة أخرى إلى سيناريو الاعتقال الذي تعرض له طالب الهندسة إسلام عطيتو من جامعته “عين شمس” ثم إخفائه قسرًا ليتلوه القتل المباشر بالرصاص وزعم أنه راح في اشتبكات مسلحة مع الأمن.
كما سمحت إدارات الجامعات باقتحام المباني الجامعية لاعتقال وقتل الطلاب عشرات المرات، الفصل الدراسي الأول من العام الفائت وحده سُجل 85 اقتحام أمني للجامعات، بينهم 39 اقتحام لمباني جامعية للطالبات، كما أنها لم تكتفي بمعاونة الأمن ليقوم بانتهاكاته ضد الطلاب، بل إنها قامت بفصل 310 طالب، و274 طالبة في العام الدراسي 2014-2015، وفصلت 98 آخرين من المغتربين من السكن الجامعي، كما زادت من تشديدتها لمنع الطلاب المعتقلين والمطاردين أمنيًا من تأدية امتحاناتهم، حتى حُرم 59 شخصًا من أداء امتحانات الفصل الدراسي الأول، و93 في الثاني، فضلًا عن تشديد الإجراءات التي حرمت 39 معتقلين من دخول الامتحانات.
جل هذا غير فرار عشرات الطلاب المطاردين أمنيًا أو الصادر بحقهم أحكامًا غيابية داخل وخارج مصر خشية البطش بهم، حيث أن مئات الطلاب حاليًا يواجهون أحكامًا متفاوتة بالسجن، فما يزيد عن 230 منهم تنظر قضاياهم أمام المحاكم العسكرية، وأخرين أحيلت أوراقهم للمفتي وحكم عليهم بالإعدام، من بينهم طالب صيدلة المنصورة المتهم مع أربعة آخرين في قضية حملت اسم خلية الردع التي اعتمدت على تحقيقات من ضابط بجهاز الأمن الوطني فقط، و ثلاثة آخرين في قضية عرفت إعلاميًا باسم قتل الحارس يواجهون حكمًا بالإعدام، هذا غير مئات من الأحكام بالسجن لسنين متفاوتة في مئات القضايا ومثلها مازالت تتداول في المحاكم، والتي تهدد الآلاف بالمطاردة الأمنية.
طلاب الجامعات لاقوا الويلات في العامين الماضيين ومازالوا، وواجهوا الموت مرارًا، ورغم ذلك فقد تحمل العشرات منهم كل هذا البطش بشتى طرقه، وتخطوه ليحققوا نجاحات وتفوقات على دفعاتهم بنيل مراتب متميزة بين أقرانهم الذين لم يقعوا تحت نفس الضغط.
الانتهاكات التي وقعت خلال العامين الماضيين في الجامعات المصرية لم تكن من نصيب الطلاب فحسب، بل طالت ويلاتها كذلك أعضاء هيئات التدريس وأساتذة الجامعات الذين يمكث منهم نحو 238 داخل السجون المختلفة، فقد فقدت الجامعات نحو 12 أستاذًا جامعيًا وقعوا قتلى برصاص الأجهزة الأمنية، فضلًا عن الأحكام القاسية التي صدرت بحق آخرين ربما تمنعهم من إكمال مسيرتهم التعليمية للأبد، كذلك يواجه 5 أساتذة جامعيين أحكامًا بالإعدام في قضايا سياسية، و3 آخرين حكم عليهم بالسجن المؤبد، فضلًا عن صدور أحكام متفاوتة ومطاردة نحو 30 آخرين أمنيًا، أما إجمالي عدد الأساتذة التي قررت إدارات جامعاتهم اتخاذ بعض الإجراءات التعسفية ضدهم فبلغ عددهم 170 أستاذًّا، بينهم نحو 36 مفصولين فصلًا نهائيًا من عملهم، لا لضعف أدائهم الوظيفي بل لآراء بعضهم السياسية، وذلك بحسب إحصائية حركة “جامعة مستقلة”.
هذا بخلاف تعرض بعض من أساتذة الجامعات للإهانة أمام طلابهم، فأذكر جيدًا الواقعة التي حدثت أول فصل دراسي تلى الانقلاب حيث تعدي عمال وموظفي جامعة المنوفية بمعاونة الأمن الإداري على أعضاء هئية التدريس بأوامر من رئيس الجامعة بسبب خروجهم في وقفة منددة باعتقال زملاء لهم، وبالطبع تمت معاقبتهم إداريًا بعد إبراحهم ضربًا فقد أوقف 16 منهم عن العمل لعدة أشهر كما حرموا من تقاضي رواتبهم، ثم لفق لهم قضية التعدي على منشآت الجامعة ورئيسها ليعتقل عدد كبير منهم حينها، حتى أن بعضهم اعتقل من داخل أسوار الجامعة، وتكررت تلك الواقعة في عدد جامعات وذلك إذا ماطالب بعض الأساتذة بحق طلابهم المعتقلين في أداء الامتحانات، أو غيرها من المطالبات البعيدة كثيرًا عن مفهوم امتلاك رأي سياسي.
ولم تتوان الإدارات الجامعية في اتخاذ قرارات تعسفية بحق أعضاء هيئة التدريس المحسوبين على تيار سياسي ما والمتعاطفين معه من إيقافهم عن العمل لفترة أو منعهم من التدريس، إلى التحكم في مظهر الأستاذ الجامعي كإصدار جامعة القاهرة قرار قبل يومين يمنع المنتقبات من أعضاء هيئات التدريس والهيئة المعاونة بجميع الكليات والمعاهد التابعة للجامعة من إلقاء المحاضرات أو الدروس النظرية أو التدريب بالمعامل.
ليس حريًا بالطلاب احترام المكانة العلمية للأستاذ الجامعي ما دام المصير أن كرامة صاحبها مهدرة بهذا الشكل المهين، كما المنظومة التعليمية كلها، وغير ضروري أيضًا تقديس الدراسة الجامعية مادامت شهادة تخرج بعض الطلبة تكتب بدمائهم.