أتى حراك الربيع العربي ليُخرج المجتمعات العربية التي مر بها من حقبة الظلم المتكرس عبر الحكم الجبري فخط منحى جديدًا في التاريخ الحديث للمجتمعات العربية بمنحها قابلية أن تحكم ذاتها وتسترد حقها في إدارة الموارد والنهوض من جديد وصنع سياسة عربية جديدة، لكن لم يكتب لهذه الشعوب أن تكمل ثوراتها ربما لصعوبات داخلية يمكن تجاوزها مع الوقت، لكن عند النظر على سبيل المثال للوضع في سوريا التي بعد قتل أكثر من مائة ألف سوري على مدار خمس سنوات لا يزال هناك من يطرح الحل السياسي الذي يُبقي بشار في السلطة وهو الأمر الذي يكشف لنا ببساطة أن أطرافًا دولية دخلت بين مكاسب الثوار والوقوف دفاعًا عن مصالح هذه الدول، لذا فوجود الاستقرار السياسي في دول الربيع العربي واستكمال المراحل الثورية ومطاردة الفساد يعني الوصول إلى تهديد مصالح الدول الكبرى وهو ما يظهر في الإعلام بالتعبير عن الخوف من المتطرفين والأصولين عند وصولهم للحكم.
إن ما يمكن تسميته بصناعة الاضطراب هو خيار بدأت به الدول التي يعارض الربيع العربي مصالحها وهو الحال الذي أُوقعت فيه داعش، فليس الحديث هنا عن نشأة هذا التنظيم ولكن الحالة الوحشية التي تطورت بسرعة لحال التنظيم استثمرت حقًا لإيقاع الشرق الأوسط في كمين اللااستقرار، إذ لا بد من رفع السلاح في وجهه عاجلاً، بدأ بذلك الغرب وروج لتلك الحرب مع داعش وحتى يلحق العرب بركب المحاربين من الضروري أن تغزوهم داعش في عقر دارهم، ولم ينتظر تنظيم الدولة كثيرًا حتى بدأ هجماته في السعودية والكويت وظهر التنظيم في مصر وتونس واليمن وربما وصل لأكثر الدول العربية استقرارًا مع الزمن، الواجهة الأخرى للاضطراب والقلق في المنطقة والتي تجيد تحريك الميليشيات ونفش ريش العصفور حتى يبدو صقرًا جارحًا هي إيران.
أحسنت إيران إيقاظ المظلوميات في عدد من الدول العربية بالتزامن مع نشأة أذرع مسلحة شيعية لم تلق بالاً لكيان الدولة وسيادتها في لبنان والعراق واليمن وإن أجادت إيران الآن الضرب الموجع وغير الموجع فذاك محصلة واقع فرضته وأجادت حركته وهذا كله يمكن أن نضعه في خانة تفسير التقارب الغربي معها، إذ إن سياسة الاضطراب تحتم ظهور العامل المزعج دائمًا وهو داعش وفي الخفاء هناك من سيساهم مع الغرب في اللعب بالنار في البلاد العربية وهي إيران .
إن إركاع المنطقة وفقًا لإستراتيجيات عليا تقف إسرائيل في منتصفها عبر حكام يأتي بهم الغرب لم يعد مناسبًا مع الحالة الثورية التي مرت بها بلدان الربيع العربي على وجه الخصوص؛ ما أدى إلى نهج خطوات لا تدع للاستقرار موضع قدم في المنطقة، إذًا الحل في إخضاع الشعوب من جديد هو الاضطراب.
ما سيشهده مستقبل المنطقة ربما لن يكون مبشرًا في ظل هذه الحالة؛ فمن المتوقع أن تتوسع حالة الاضطراب ولا يستطيع أي بلد أن ينأى بعيدًا، وقد يكون من الصعب إنهاء الأزمات المسلحة الحالية في الوقت القريب فمستنقع الحرب والاضطراب لن يرحم أحدًا، وهو الأمر الذي لا نريده بأي حال.