تنبع أهمية صحف الأطفال من أهمية المرحلة العمرية التي تتوجه لها تلك الصحف ودورها في تكوين شخصيتهم وبنائهم النفسي والاجتماعي، ودورها الهام في ترغيب الأطفال في القراءة وتنمية وعيهم الثقافي منذ الصغر، فصحف الأطفال تعتبر مسؤولة إلى حد كبير في تحديد نوعية شخصياتهم مستقبلًا من خلال ما تقدمه لهم من معلومات في جميع المجالات لذا يجب الاهتمام بها شكلًا ومضمونًا، فهي تلعب دورًا هامًا في تقديم الخبرة الأولى للقراءة والتذوق الفني والجمالي للطفل، إذ إنها تعتبر أول لقاء له مع الأدب والفن والعلوم.
يقال إن أول صحيفة للأطفال صدرت بين عامي 1747-1791 في فرنسا لأديب لم يفصح عن اسمه، واتخذ اسمًا مستعارًا له هو: “صديق الأطفال” وأطلق الاسم نفسه على الصحيفة وقد نقل عن طريق صحيفته إلى الأطفال الفرنسيين قصص الأطفال في البلدان الأخرى من اللغات المختلفة وكانت هذه الصحيفة بعثًا لحركة الكتابة للأطفال ومنذ بداية القرن العشرين بدأت صحف الأطفال تتنتشر بصورة تجعلها تتميز في كل بلد عن الآخر، ويمكن اعتبار صحيفة “روضة المدارس” المصرية أول الصحف المصرية التي تخدم تلاميذ المدارس، واقتصر توزيعها عليهم، وقد أقبلوا على قراءتها منذ صدورها في أبريل عام 1870م.
وهكذا امتدت فترة صحافة الأطفال ذات الطابع المدرسي حوالي ثلاثين عامًا إلى أن ظهرت أول صحيفة للأطفال ذات طابع تجاري وهي “مجلة الأولاد” التي صدر العدد الأول منها في 25 فبراير 1923، وكتب صاحبها “إسكندر مكاريوس” في أول عدد لها أنها أول مجلة عربية صدرت خصيصًا وإكرامًا لأحبابنا الأعزاء الأولاد مابين 6 – 13 سنة، وهي أدبية فكاهية مسلية مفرحة ومضحكة، ثم صدرت مجلة “السندباد” التي تغير اسمها أكثر من مرة، وكانت هذه المجلة من أفضل المجلات في هذا الزمان، حيث تعتبر في حد ذاتها سيمفونية خاصة وليست مثل كثير من الصحف تعبيرًا عن جيل واحد وإنما هي صالحة لكل الأجيال.
وفي عام 1956 استخدمت دار الهلال إمكانياتها الطباعية الضخمة وأصدرت مجلة “سمير” وكان الطابع الأجنبي واضحًا فيما تقدمه، ولكنها مالبثت أن تحولت إلى الفكر المصري العربي وقدمت تبسيطًا لبعض الآداب العريقة مثل عودة الروح لـ “توفيق الحكيم”، ومالبث السوق العربي حتى ازدحم بعديد من مجلات الأطفال العربية والكتابة الأجنبية الطابع، مستخدمة الورق الفاخر والطباعة الممتازة والألوان الزاهية ومسلسلات الإثارة، ورأت دار الهلال أن تصدر مجلة أخرى باسم “مجلة ميكي” سنة1961، ومعظم موضوعاتها نسخة عربية من سلسلة مجلات ميكي الأمريكية لمؤسسة والت ديزني.
تقوم صحيفة الطفل بدور أساسي في تثقيف الطفل وتعليمه بأن تقدم له المعارف والمعلومات المختلفة في شتى مجالات المعرفة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع أكبر قدر من الاستيعاب والفهم والإبداع في إطار من المتعة والتسلية مما يعينه على فهم الواقع وأدراك ما يحكمه من قوانين حتى يضيف إلى خبراته جديدًا، وتقوم بدور أساسي في عملية نقل التراث الثقافي الذي يعتمد على توصيل المعلومات والقيم والمعايير الاجتماعية من جيل إلى آخر حتى لا يقع فريسة الغزو الثقافي، مع مراعاة أن يكون ذلك في إطار من البساطة والمتعة.
كما تعمل صحف الأطفال على تنمية القاموس اللغوي للطفل بتنمية بعض المفردات والكلمات والألفاظ والجمل المستخدمة بأسلوب مبسط يتناسب مع المرحلة العمرية والخصائص اللغوية للطفل الموجه إليه المجلة وتمده بحصيلة جديدة من المفردات والتراكيب المختلفة مما ينمي لغته ويساعده في تطويرها، فكلما قرأ الطفل استمتع بالتراكيب الأدبية الجميلة وعندما يحفظها يزداد محصوله اللغوي ويتعود على التعبير عن نفسه بسهولة ويسر، وقد ذكر العلماء والتربويون الحاجات الأساسية للطفل وهي: (الحاجة إلى الغذاء، الحاجة إلى الأمن، الحاجة إلى المغامرة والخيال، الحاجة إلى الجمال، والحاجة إلى المعرفة).
صحف الأطفال تلبي الثلاث حاجات الأخيرة، وبهذا المقياس تكون إيجابية، وكذلك تعمل على تنمية الخيال بأنواعه: القصصي والدرامي، والخروج عن الواقع إلى شخصيات لا نجدها في عالمنا وأحداث لا يمكن أن تقع، وقد يتسرع البعض إلى الظن بسلبية ذلك الخيال المغاير للواقع، ولكن الحق أن الخيال حاجة أساسية من حاجات الأطفال بشرط ألا يكون مغرقًا سلبيًا لا يحمل قيمة ولا يغرس فضيلة، إن الخيال الذي نصادفه في قصص المغامرات هو الذي يعطي الطفل الرؤيا البعيدة المدى.
ذلك الخيال هو الذي يساعد الطفل على أن يحلل ما يدور حوله من أحداث ومواقف، ويفعل عمليات التفكير العليا لديه كالاستدلال والمقارنة والاستنتاج والتحليل والتركيب مما نفتقده في المدارس غالبًا، فالآثار الأولى لقراءات الأطفال رغم بساطتها وضعفها في نظر بعض الكبار إلا أنها تكيف وتوجه تطوره وتحدد معالم شخصيته التي تتبلور في مقتبل العمر، كما أنها تساعد على الكشف عن قدرات الأطفال ومواهبهم وذلك بنشر إنتاجهم من رسم وقصة وشعر ومقال، وكل ما يسهم في إطلاق خيالهم وتشجيعهم على التفرد والأصالة للإسهام في تطور بيئتهم.
على صحافة الطفل مهمة كبيرة نحو تعريف الأطفال بقضايا المجتمع؛ حتى يشاركوا في عملية التنمية، وتغرس فيهم روح الانتماء للوطن، فمثلًا المشروعات الضخمة التي تقوم بها الدولة يسمع بها الأطفال في أحاديث الكبار وأخبار التليفزيون ولكن قد يصعب عليهم فهم أهدافها الإستراتيجية والقومية، ولكن عندما يتم تناول هذه الأحداث في صحف الأطفال بكتابة المقالات والأخبار بأسلوب سهل ميسر يتناسب مع طبيعة المرحلة التي يكتب إليها، يسهل على الطفل فهم الأحداث المحيطة به والاندماج مع قضايا وطنه منذ مرحلة عمرية مبكرة لينشأ على حب الوطن والرغبة في تقدمه والنهوض به والعمل لأجله.