دائمًا ما تكون السياسة لعبة قذرة شعارها النفاق في العمل والإخلاص في الكذب، لأن الصدق في هذه اللعبة بمثابة إعلان للفشل الضمني الذي ينتظر الصادق الأمين المحب للخير لكل الكائنات الحية على وجه الأرض.
فبعد نفي الحكومة الروسية وكبار سياسييها وإعلامييها في منتصف الشهر الماضي عن نيتها التدخل المباشر في سوريا عسكريًا ورفضها للاتهامات الموجهة لها بقيامها بتزويد قوات الرئيس السوري بشار الأسد ببعض الأسلحة النوعية وتفنيدها للأخبار المتداولة عن بداية حشد بعض القوات الخاصة ومستشارين عسكريين وأسلحة وطائرات في مناطق مختلفة من محافظتي اللاذقية وطرطوس، سرعان ما ظهر كذبهم وكذب بيادقهم عندما أقروا بتدخلهم الفعلي في سوريا من أجل إنقاذها من الجهاديين الذين أصبحوا يشكلون خطرًا على العالم بأسره.
وبعد أن تم الاتفاق والإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة بين العرب والعجم بمختلف ألوانهم على ضرورة التصدي للدولة الإسلامية وإجبارها على ترك مواقعها في المدن التي تسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، بدأ التدخل الروسي يوم الثلاثاء 30 سبتمبر فعليًا بقصف جوي استهدف مناطق متفرقة تسيطر عليها المعارضة السورية سقط جراءه قتلى وجرحى وهدمت منازل على أصحابها بدعوى أنها مستودعات أسلحة يستخدمها مسلحو تنظيم الدولة في حين أن الصور الواردة من هذه المناطق والتقارير الإعلامية العربية والأجنبية وتأكيدات المعارضة السورية تكاد تجمع على أن هذه المناطق لم تكن خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية؛ ما فتح الباب أمام المراقبين للتساؤل عن هذه الخطوة الروسية هل هي مناورة لتبرير قصف كل الفصائل المسلحة على الأراضي السورية التي تقاتل النظام بدعوى أنهم من مسلحي تنظيم الدولة أم أنه خطأ استخباري في تحديد الأهداف وهو ما يضع الروس في مأزق كبير خاصة بعد تأكيداتهم وتطميناتهم للعالم وللنظام السوري أن لهم بنك أهداف محدد وخاص بتنظيم الدولة الإسلامية.
من المرجح أن الروس يتخبطون منذ أول وهلة، فلن يغير قصفهم أي شيء على الأرض، فقد أجمع الخبراء والمتابعون للشأن السوري أن الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي بدون أي دعم و تدخل بري لن يغير أي شيء على الأرض خاصة وأن أكثر من سنة من القصف المتواصل وآلاف الطلعات الجوية والأطنان من المتفجرات والصواريخ لم تغير أي شيء على الأرض بل واصل التنظيم تمدده وحافظ على أغلب المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا وقام باستنزاف التحالف الستيني الذي خسر مليارات الدولارات في حين لم تتجاوز خسائره بضع ملايين من الدولارات ومئات المقاتلين وبعض البنية التحتية.
لا شك أن الروس لن يكونوا أفضل من أقرانهم في التحالف؛ فالأسلحة الروسية لم تكن في يوم من الأيام أفضل من نظيرتها الأمريكية التي عجزت عن رصد أرتال الدولة الإسلامية التي تتنقل بحرية في صحاري الأنبار وصلاح الدين مستغلين وسائل تمويه بدائية وفعالة في نفس الوقت، ولا نشك أبدًا أن طائرات السلاح الجوي الروسي أكثر تطورًا وأنجع من الـ f35 وf22 وf16 الأمريكية التي سبحت كثيرًا في المجال الجوي السوري والعراقي وعادت في أكثر المرات بخفي حنين.
كما أن الأسلحة الروسية لم يخض بها أي جيش في العالم العربي حربًا إلا وخسرها ولا داعي لاستعراض سلسلة الهزائم العربية والدولية التي كانت هذه الأسلحة سببًا في التنكيل بجيوشهم، لكن يكفي مثالاً على ذلك أن الجيش السوري أحد هذه الجيوش.
إن الحرب الكبرى ستشتعل في الشرق الأوسط ونحن متأكدون أن الدولة الإسلامية وإن كانت تضررت بسبب القصف المتواصل على المناطق التي تسيطر عليها إلا أنها تمكنت من الصمود لسنة كاملة بفضل مواردها المالية والبشرية الكبيرة التي مكنتها من تعويض المقاتلين والخسائر المادية في أسرع وقت، والخبر اليقين الذي لا جدال فيه أن التدخل الروسي ما هو إلا محاولة لذر الرماد في العيون وتحد للأمريكيين أكثر منه إنقاذ للأسد، فلا بشار يهمها ولا الجيش الحر يخوفها، بل أن الأمريكان هم أعداؤها الذين كانوا سببًا في انحلال إمبراطوريتها وأن الدولة الإسلامية لا تمثل خطرًا كبيرًا عليها في سوريا بل أكثر منه في القوقاز والشيشان وأفغانستان لأن الانتصار في سوريا وتواصل تدفق المقاتلين والأموال على التنظيم فيها، وفي العراق سيكون بالضرورة انتعاشًا للجماعات الموالية لها في تلك المناطق دون أن ننسى إمكانية عودة بعض المقاتلين إلى روسيا لقيامهم بعمليات تستهدف المناطق الحيوية فيها ما يمكن أن يكرر كوارث أكبر من تلك التي حصلت في مسرح موسكو في 23 من أكتوبر 2002.
فإلى أين يتجه العالم اليوم؟ وهل الحرب الباردة سابقًا أصبحت ساخنة؟ أم أن البرودة ستتواصل إلى حين القضاء على الدولة الإسلامية؟