“استعادت قوات المقاومة الشعبية اليمنية المدعومة من التحالف العربي سد مأرب الإستراتيجي بعد سيطرتها على التلال المحيطة به والقريبة منه”، هذا الخبر للوهلة الأولى قد يبدو عاديًا كسائر الأخبار التي تبثها وكالات الأنباء العالمية، إلا أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، وهو ما أكده المتحدث باسم الحكومة اليمنية راجح بادي عندما قال “رفع أعلام قوات التحالف على سد مأرب يعني الكثير لليمنيين”.
المليشيات الانقلابية في اليمن قاتلت بشراسة منذ سيطرتها في أواخر مايو الماضي على السد التاريخي، لمنع تقدم المقاومة الشعبية المدعومة من قوات التحالف العربي، لأنها كانت تدرك أن سقوط “سد مأرب” يمهد لتحرير المحافظة بالكامل، حيث تقع منطقة السد على طريق الإمدادات الرئيسي للمتمردين، مما سيدفعهم للانسحاب من باقي المناطق، وبالتالي مدينة الجوف باتت ساقطة إستراتيجيًا وتحريرها لم يعد إلا مسألة وقت ليس إلا، وهذا يعني أن “معركة صنعاء” باتت على الأبواب.
لذا جاء تحرير المقاومة الشعبية اليمنية مدعومة بقوات التحالف لسد مأرب الإستراتيجي، ضربة قاصمة لمليشيات الحوثي والمخلوع صالح التي دعمتها إيران بكافة أنواع الأسلحة المتطورة.
أهمية السد قديمًا وحديثًا
سد مأرب هو مهد العرب وجاء تفرقهم وهجراتهم بأصقاع الأرض بعد انهياره، بعدما وصلت حضارتهم إلى درجة متقدمة من التطور والازدهار، كانت مأرب عاصمة مملكة سبأ في القرن الثامن قبل الميلاد، أي في الألفية الأولى قبل الميلاد، وبحسب المعلومات التاريخية، فقد كان السد قبل انهياره النهائي عام 575 ميلاديًا، يغطي احتياجات اليمنيين القدماء من الماء والغذاء، بل وصلوا إلى الاكتفاء الذاتي، ويعتبر من أشهر الآثار اليمنية على وجه الخصوص والآثار في شبه الجزيرة العربية على وجه العموم، ويعتبر سد مأرب التاريخي أعظم بناء معماري وهندسي في جنوب غربي الجزيرة العربية، ويوازي في أهميته سور الصين العظيم بالنسبة إلى الصين، يقول الله تعالى: َقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ:15]
الإمارات والسد
ظلت فكرة إعادة بناء السد تداعب خيال العرب طوال قرون طويلة، ولم يخطر ببال أحد أن يتم إعادة بناء هذا السد، ولكن رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أعاد بناء السد على نفقته الخاصة، وبلغت تكلفة ذلك 90 مليون درهم إماراتي، وتم افتتاحه في الحادي والعشرين من ديسمبر 1986.
يقول الشيخ زايد: “لقد رأيت من واجبي أن نأخذ بيد الشعب اليمني الذي خرجت منه الهجرات إلى كل البقاع العربية وبالأخص إلى الخليج الشرقي، وليصبح رافدًا للأمة العربية في الحاضر والمستقبل”.
ولم يتوقف دعم الشيخ زايد لاستكمال سد مأرب حيث تم في 25 نوفمبر 2002 في العاصمة اليمنية صنعاء توقيع اتفاقية تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع سد مأرب بتكلفة قدرها 87 مليونًا و820 ألف درهم على نفقة الشيخ زايد الخاصة؛ مما سيساهم في ري أكثر من 10 آلاف هكتار من المساحات مزروعة بالمحاصيل.
يبعد سد مأرب عن صنعاء نحو 173 كيلومترًا ونحو 8 كيلومترات عن مدينة مأرب القديمة، ونظرًا لأن محافظة مأرب تعاني من شح المياه والأمطار، خصوصًا في المناطق الشرقية من المحافظة، حيث نادرًا ما تتساقط الأمطار في تلك المناطق شبه الصحراوية، في حين أن معظم الأمطار صيفية، ولذلك فإن للسد أهمية اقتصادية كبيرة قديمًا وحديثًا.
استشهد العشرات من جنود التحالف العربي منهم 52 جنديًا إماراتيًا في محافظة مأرب قبل تحرير السد بعدة أسابيع، وقبل أيام قليلة، قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، أثناء قيامه بواجب العزاء بأحد الشهداء الإماراتيين، “أما سد زايد، سد مأرب، فاليوم يرتفع العلم عليه إن شاء الله”.
معركة صنعاء
تقدم القوات الشرعية وتحريرها لمنطقتي الجفينة وسد مأرب، وهما منطقتان إستراتيجيتان تمهدان الطريق أمام الدخول للعاصمة اليمنية صنعاء، وكما أسلفنا فمليشيات صالح والحوثيين لم يعد لديها القدرة ولا الاستطاعة على مجابهة القوات العربية والمقاومة الشعبية، خصوصًا مع الحشود الهائلة التي تستعد للانقضاض على العاصمة اليمنية.
معركة صنعاء ليست كغيرها، فتحريرها يعني إسقاط انقلاب صالح والحوثي وإسقاط مخطط تقسيم اليمن، كما أن العاصمة تُمثل “المخزن العسكري” للمليشيات، تحديدًا الصواريخ الباليستية، لذا سقوطها يعني انتهاء المؤامرة الانقلابية من جذورها.
تحرير صنعاء سيعني كذلك إسقاط مشروع إيران في اليمن وكسر هلالها الشيعي، وسيعني أننا ولأول مرة أمام قوات عربية بل أمام إرادة عربية تقف أمام المخططات الغربية التي تستهدف تقسيم المنطقة وتمزيقها.
أحلام المليشيات في مهب الريح
كذلك فإن لسد مأرب دلالة لا تخفى على العرب، فانهياره قديمًا أدى إلى انتشار قبائل العرب في الأرض فسكنوا الجزيرة العربية وبلاد الشام، وحديثًا تحمل سيطرة العرب عليه وتحريره من مليشيات الحوثي وصالح المدعومة من إيران رسائل لا تخفى على أحد بأن العرب في طريقهم لاستعادة مجدهم.
فسيطرة المقاومة الشعبية والتحالف العربي على محافظة مأرب “بوابة صنعاء” والتقدم المستمر في البوابة الأخرى للعاصمة “تعز” يؤكد أن أحلام ميليشيا الحوثي والمخلوع أصبحت في مهب الريح.