يعيش الشرق الأوسط حالة من عدم الأمن والاستقرار منذ أكثر من أربع سنوات، تم الإعلان فيها عن الحرب الأهلية الدموية الموجودة في سوريا والمستمرة حتى الآن، ومن ثَمّ فرار الكثير من اللاجئين السوريين إلى دول الجوار في المنطقة، أهمها لبنان والأردن وتركيا والبعض الآخر إلى أوروبا، بالإضافة إلى دور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق والشام، والانقلاب العسكري في مصر منذ سنتين، إلى آخر الأحداث في اليمن وعودة الصراعات الانفصالية بين شماله وجنوبه متوّجة بالنزاعات الطائفية، الأمر الذي أدى إلى تغيّرات سياسية جذرية في المنطقة وتغيّرات ديموغرافية شديدة الملاحظة، لاسيما بالنسبة للوضع السوري؛ مما جعل منطقة الشرق الأوسط بقعة مشتعلة بالتغيّرات والأحداث؛ مما أدى إلى أن يكون الشرق الأوسط مرتبطًا في الأذهان الدولية بكلمتين: “النزاعات والحروب”، ليجذب بذلك خبراء السياسة ومحللي الحروب والنزاعات، ودارسي علم السياسة والعلاقات الدولية في مختلف الأنحاء لوضع قضايا الشرق الأوسط بمختلف توجهاتها وميولها وطوائفها على طاولة النقاش السياسي الدولي المتوّج بالقوانين والبروتوكلات والتدخلات الدولية الظاهر منها والباطن، والمكللة بالمصالح السيادية وغيرها، ليغيب عن أعين قادة الدول والخبراء والمحللين وغيرهم ممن يهتم بالشأن السياسي، أن الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط تخلق على المدى البطئ جيلًا بائسًا محرومًا من حق الحلم بالمستقبل، فيرتفع سقف أحلامه إلى أن يكون آمنًا، وألا يخسر ذويه في الحرب، وأن يعود إلى وطنه آجلًا أم عاجلًا، لأنه لا يريد أن يكون ابنًا للمخيمات.
تأثير الحرب على التعليم في الشرق الأوسط
بعد أكثر من أربع سنوات من النزاعات في الشرق الأوسط، أصدر الاتحاد الأوروبي تقريرًا مفصلًا بإحصائيات أعداد الأطفال العرب الذين لا يتلقون أي نوع من أنواع التعليم بسبب الحروب، قال التقرير إنه تم حرمان أكثر من 13 مليون طفل عربي من التعليم بسبب الحروب والنزاعات القائمة في بلدانهم بمختلف توجهاتها، بالإضافة إلى وجود ستة ملايين آخريين مهددين بالخروج من العملية التعليمية قريبًا، حيث تمّ تدمير ما يُقارب 9000 مدرسة في كلٍ من سوريا والعراق واليمن وليبيا، وتم استخدام البعض منها كأماكن لإيواء اللاجئين، والبعض الآخر تم استخدامه كقواعد عسكرية للجيش في سوريا أو لتنظيم الدولة “داعش”، بحسب شهادات بعض المعلمين والتلامذة في التقرير.
لا يكون الوضع مزدهرًا لمن استطاعوا الهروب واللجوء إلى دول الجوار، كالأدرن ولبنان وتركيا، حيث تقدر نسبة الأطفال الذين لا يتلقون التعليم في مخيمات اللاجئين إلى 56% من نسبة الأطفال اللاجئين، وذلك نتيجة لتردي مستويات المعيشة في كثير من المخيمات التي أقامتها دول الجوار، أو لقلة المساعدات المالية الوافدة من الدول الأوروبية، كما لا ننسى أن ازدياد عدد اللاجئين الشهري يفرض على المؤسسات الإغاثية الخاصة بتعليم الأطفال صعوبة في مواكبة ذلك العدد المتزايد يوميًا، ويمنعها من توفير التعليم لكل من في المخيم.
غزة في 2014
يوجد ما يُقارب 700.000 طفل لاجئ في الأردن ولبنان وتركيا لا يتلقى التعليم، بسبب عدم القدرة المادية لذويه لإلحاقه بالمدارس الموجودة في تلك البلد التي طلب اللجوء إليها، ولقلة الموارد المادية في المخيم والتي أحيانًا لا تسمح بإقامة مدرسة داخل المخيم، بالإضافة إلى عدم قدرة المنظمات التعليمية الدولية على استيعاب ذلك العدد المتزايد من اللاجئين.
يقول بيتر سلامة رئيس هيئة “اليونيسيف” في الشرق الأوسط بأن الأمر لا يتوقف فقط على التدمير المادي للمدارس، ولكن خطورة الأمر تصل إلى الضرر النفسي الجسيم على الأطفال، والذي سيخلق جيلًا بائسًا يرى مستقبله مُدمر قبل أن يبدأ.
تقل نسبة دخول الفتاة في الشرق الأوسط إلى المدرسة عنها بالنسبة للصبي بمقدار 25%، وذلك للعديد من الأسباب الاجتماعية التي فرضتها الحروب والنزاعات السياسية على المجتمع العربي، فمنها خوف الأهل على خروج البنت من البيت في تلك الظروف غير الآمنة، ومنها الزواج المبكر للفتيات للحفاظ عليهن من الحرب ومحاولة الأهل في تأمين حياة آمنة لابنتهم، ومنها استغلال بعض العائلات للفتيات في العمل لكسب الرزق بطريقة شرعية وغير شرعية، بعد أن قضت الحرب على كل ما يمتلكه الفرد من أموال.
حرم النزاع الطائفي في اليمن والذي شنته جماعة الحوثي 600.000 طالب يمني ما بين الصف التاسع والصف الثاني عشر من مواصلة التعليم نتيجة للتدمير الذي شنته الجماعة على المدارس والجامعات، كما قضت النزاعات على طفل من بين كل ثمانية أطفال يمنين تم قتله أو تشويه جسده، مما أدى إلى قتل 400 طفل وإصابة 600 آخرين منذ اندلاع الحرب في اليمن، كما يعاني 1.8 مليون طفل يمني من سوء التغذية منذ شهر مارس الماضي وحتى يومنا هذا، وتم إغلاق 3.600 مدرسة حتى الآن وحرمان 92% من الأطفال من الحصول على التعليم الأساسي بحسب تقارير هيئة اليونيسيف.
اعتقالات الأطفال مكسب للثورة المضادة في مصر
الثورة المضادة هي كل فعل معاكس لما حققته الثورة الأصلية بهدف إرساء القواعد والقوانين التي كانت موجودة بالفعل قبل الثورة، للثورة وجهان وكذلك للثورة المضادة، والتي لها وجه مؤسساتي يلعب على السيطرة على المؤسسات التي حاولت الثورة تحريرها، والوجه الآخر هو الوجه النفسي، أي الصراع على التوقعات أو الآمال التي طمحت الثورة في تحقيقها ومحاولة تدميرها والتقليل من أهميتها حتى يتم محوها تمامًا من أذهان الثوريين.
وهذا هو ما يحدث في مصر منذ الانقلاب العسكري في 2013، والذي هدم فكرة الشعب الثوري ليعود إلى فكرة القائد الملهم الحكيم، بنية جهل عامة الشعب بخبايا الأمور التي تحتاج القائد المخلص لتسوية كل شيء، فقبل ذلك نجحت الثورة في بدايات مراحلها إلا أن انتصرت عليها الثورة المضادة، في البداية نادت الثورة بالحرية والعدالة الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة في مصر وتوفير فرص آدمية للتعليم، إلا أن منذ عام 2000 وصولًا إلى الانقلاب العسكري تعاني مصر من اضطرابات شديدة في التعليم، الأمر الذي كان مكسبًا للثورة المضادة التي أعادت إحكام سيطرتها الفاسدة على مؤسسات التعليم كافة، ليبقى التعليم في مصر بين يد رجال الأعمال، ليبقى العامل الأساسي في خروج الأطفال من المدارس هو الفقر وعمالة الأطفال، وتصبح فرصة التحاق أبناء الأسر الغنية بالتعليم سبعة أضعاف فرصة أبناء الأسر الفقيرة، كما لا تزال مصر تحتل المرتبة الأولى في أكثر الدول العربية أميّة.
أصدرت منظمة “هيومانز وواتش مونيتوري” العديد من التقارير والقضايا المرتبطة بالاعتقال والاحتجاز التعسفي للأطفال المصريين الذين تتهمهم السلطة المصرية بالانضمام لجماعات إرهابية أو محاولة خلخلة الأمن الوطني داخل البلاد، حيث تتبع الشرطة المصرية نظام الاختفاء القسري للطفل باختطافه من الشارع بسبب انتماء أسرته لحزب سياسي معين، ومن ثم ظهوره بعد يومين وسط أحراز من الأسلحة والمنشورات الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين في صور على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بوزارة الداخلية.
لا تعتقل الشرطة المصرية الأطفال القصر تحت عمر الثامنة عشر عامًا فحسب، بل تشن عليهم حملات من الأذى النفسي والبدني وحرمان من الطعام والتريض وزيارة الأهل لشهور لتتم معاملتهم كمجرمين وليس كمعتقلين سياسيين، حيث خضع ما يقرب 150 طفلاً إلى المحاكمات بسبب تهم سياسية وتلقى أغلبهم عقوبة جنائية ليقضي شطرًا من حياته داخل السجن في تأديتها.
تفيد بعض التقارير بوجود 1200 طفل داخل السجون المصرية، ومع عدم كفاية الزنازين لهم فهناك ما يقرب 500 طفل يفترشون أرض الزنازين، في انتهاك واضح للدستور المصري الذي وافق عليه 99% من المصريين والذي يشير بضرورة محاكمة الطفل في محكمة الطفل وليس محكمة الجنايات.
هل هذا هو الجيل الذي يحلم العرب به لإعادة مجدهم المنكوب، ولمحو ذكريات الحرب والنزاعات الدموية والاعتقالات، لن تخلق الحرب إلا جيلًا بائسًا مصابًا بالأمراض العقلية والنفسية المزمنة، أقصى ما يتمنى أن يعيش في أمان، ولكن في بواطن نفسه سيحمل العداء للمجتمع والظروف التي جعلته في تلك الحالة، فإذا كان هدف السلطات إقامة الحرب من أجل القضاء على الإرهاب، فإن هذا الجيل من المحتمل جدًا أن ينتهج الإرهاب بحق في المستقبل.