تُعتبر قضية الصحراء الغربية إحدى القضايا الهامة في منطقة شمال أفريقيا، فمع تواصل الشد والجذب بين المغرب من جهة، وجبهة البوليساريو المدعومة من النظام الجزائري، ظلت مواقف الدول الأجنبية من هذا النزاع عنصرًا مُحددًا يتم من خلاله تمتين العلاقات الدبلوماسية أو توتيرها.
آخر الأزمات التي اندلعت على خلفية هذا الصراع كانت بين السويد والمغرب؛ على إثر اعتراف برلمان السويد رسميًا بالبوليساريو، التي تطالب باستقلال إقليم الصحراء الغربية عن الرباط، اعتراف استقبله المغرب بحساسيته المعهودة تجاه هذا الملف ليعيد تنشيط دبلوماسيته الصاخبة ضغطًا وتنديدًا.
تعبئة داخلية غير مسبوقة
وعلى نحو مُتشنج، سارع عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة، إلى عقد اجتماعات في الرباط، مع زعماء الأحزاب السياسية والنقابات، للإعداد لخطة عمل للتحرك الدبلوماسي، وذلك للرد على ما صدر من السويد، وتعتبره الرباط “يعادي” مصالحها العميقة في نزاع الصحراء الغربية، وتشير الأخبار المتوالية إلى اتجاه النقابات والأحزاب في المغرب إلى إجراء تحركات دبلوماسية إزاء السويد للقاء الحكومة والبرلمان في هذا البلد الأوروبي لعرض وجهة نظر المغرب حيال أقدم نزاع في القارة الأفريقية.
من جهته، قال الأمين العام لحزب “التقدم والاشتراكية” المغربي إن الأحزاب السياسية المغربية المجتمعة يوم الاثنين الماضي مع رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، قررت إرسال وفدًا عاجلًا هذا الأسبوع إلى السويد؛ لإثناء حكومتها عن اتخاذ قرار بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتوضيح ما وصفه بالموقف المغربي.
وكما جرت العادة في مثل هذه الأزمات الدبلوماسية التي لا يكاد يمر شهر دون أن يكون للمغرب نصيب منها، انخرطت وسائل الإعلام المغربية في حملات التعبئة الداخلية، من خلال خطاب تصعيدي قد ينطق بما لا تريد الدبلوماسية المغربية قوله صراحة؛ “الهراء الدبلوماسي” و”التهور الجيو – إستراتيجي” هو ما استعارته بعض المواقع المغربية لتوصيف قرار البرلمان السويدي، معتبرين إياها خطوة خطيرة تأتي في وقت يواصل فيه المغرب، القوي بحقوقه التاريخية الدامغة على صحرائه، الوفاء بالتزاماته للتوصل إلى حل سياسي واقعي ونهائي، كما تدل على ذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، التي تحمل ختم القوى العالمية الكبرى، حسب توصيفها.
تحرك دبلوماسي حثيث
ولم تكتف السلطة المغربية بالتعبئة الداخلية بل حركت أذرعها الدبلوماسية للضغط على السويد لمراجعة موقف برلمانها؛ من نيويورك، جددت الدبلوماسية المغربية التشديد على التزامها بالتوصل إلى حل سياسي متفاوض بشأنه ونهائي في نزاع الصحراء الغربية، انطلاقًا من مقترح الرباط لمنح الإقليم حكمًا ذاتيًا وموسعًا.
ففي محادثات رسمية جمعت صلاح الدين مزوار وزير الخارجية المغربي، ببان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، توقف رئيس دبلوماسية الرباط عند المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي حصلت على “اعتراف دولي بجديتها ومصداقيتها”.
من جهته، طالب رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، الحكومة السويدية بمراجعة موقفها، ووصفه بمحاولة “التشويش على مسلسل الإصلاح في ملف يعرف العالم تفاصيله”، وأوضح بنكيران في تصريح له، عقب انعقاد المجلس الحكومي مطلع الأسبوع المنقضي، بأن قضية الصحراء عرفت تطورات كثيرة وهي قريبة من الحل النهائي، وأن قرار السويد في هذه المرحلة الحاسمة هو “إرباك لمسلسل المصالحة الذي يسير العالم والغرب معه تجاهه”، مؤكدًا أن ما يحدث الآن لا يخدم بتاتًا مصلحة المنطقة والتوجه الدولي الذي تنخرط فيه أوروبا وأمريكا وكل دول العالم تقريبًا.
وفي السياق ذاته، كشف الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار التقى عدة مرات وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم، وعبر لها عن الغضب الكبير للمغرب إزاء التطورات التي تحدث في بلدها تجاه قضية الصحراء، كما استدعت الخارجية المغربية، الثلاثاء، سفيرة السويد بالمغرب للاحتجاج على الخطوات التي تعتزم بلادها القيام بها في موضوع الصحراء.
الضغط عبر الملف الاقتصادي
ردة الفعل المغربية لم تتوقف عند هذا الحد، فعلى نحو مُفاجئ، قررت الحكومة المغربية مقاطعة الشركات السويدية، حيث أعلن مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية في مؤتمر صحفي الخميس، بالعاصمة الرباط، أن بلاده ستتجه إلى مقاطعة الشركات السويدية عملًا بمبدأ المعاملة بالمثل وكرد على ما وصفه “محاولات السعي نحو الاعتراف بالجمهورية الانفصالية المزعومة، مضيفًا أن السويد بادرت بمقاطعة الشركات المغربية، وهو ما تعتبره المغرب موقفًا عدائيًا، لا يقتصر على البعد السياسي فقط، باعتبار أن الموقف السويدي لم يقتصر فقط على إعداد مشروع قانون للاعتراف بالبوليساريو، بل تعداه إلى “مقاطعة المنتجات المغربية ذات المنشأ الصحراوي وكذا مقاطعة الشركات الأجنبية التي تتعامل مع المغرب، رغم أن ذلك مخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر المغرب سلطة إدارية”، بحسب روايته.
وفي هذا السياق، أعلنت سلطات مدينة الدار البيضاء إلغاء افتتاح أول مركز تجاري كبير لشركة أيكيا السويدية لصناعة الأثاث بالمغرب، والذي كان مقررًا في وقت سابق، وعللت ذلك بكون “الشركة ليس لديها شهادة المطابقة التي تمنحها المصالح الإدارية المختصة”.
سعي السويد لتطويق الأزمة
وتحت ضغط التصريحات الإعلامية والتحركات الدبلوماسية المغربية، حاولت الخارجية السويدية إخماد فتيل هذه الأزمة، وكشفت المتحدثة باسمها، آنا أكيبروغ، أن السويد لم تعترف بما يسمى “البوليساريو” كدولة، وأن موقفها وسياستها الدبلوماسية لم تتغير، مؤكدة أن المملكة تربطها علاقات دبلوماسية “جيدة” مع المغرب و”نسعى للحفاظ عليها”، وأضافت، في تصريحات لوسائل إعلام مغربية، أن مملكة السويد تدعم مجهودات الأمم المتحدة لحل قضية الصحراء من خلال المبعوث الأممي كريستفر روس.
وبادرت، من جهتها، السفارة السويدية بالرباط إلى إصدار بيانًا كذبت فيه اعتراف بلادها بما يسمى “جمهورية البوليساريو”، وقال البيان إن السويد تدعم حلًا سياسيًا عادلًا ومقبولًا بين المغرب والبوليساريو حول قضية الصحراء تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي السياق ذاته، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية السويدية آنا أيكبروغ، في تصريحات صحفية، إن المعلومات التي وردت حول منع شركة أيكيا، هي أن المركز التجاري لا يملك جميع الرخص المطلوبة في المغرب، مضيفة أن الأمر ليس له أية صلة بسياسة السويد في ما يخص الصحراء.
وبعدما أعلن مصطفى الخلفي عن قطع العلاقات التجارية التي تربط المملكة المغربية بالسويد ردًا على قرار مماثل للبلد الاسكندنافي، خرجت السفارة السويدية بالرباط ببلاغ رسمي يوضح موقفها الرسمي من القضية، حيث قالت إن حكومة البلد لم تقم أبدًا بمقاطعة الشركات والمنتجات المغربية كما تم الترويج له، مضيفة أن الحكومة السويدية تثمن قوة العلاقات التجارية التي تربط البلدين، والتي تدخل في إطار الاتفاقات التي تم إبرامها بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
هذا وشددت السفارة السويدية أن الضجة القائمة حول موضوع الاعتراف بالبوليساريو هي سابقة لأوانها، لأن الأمر يتعلق بقيام حكومتها بتحليل داخلي، وأنه لم يتم بعد الوصول إلى موقف رسمي بخصوص قضية الصحراء.