المؤسسات السورية ثاني سبب لهجرة الشباب بعد الأسد

young_syrian_refugees_in_the_zaatari_refugee_camp_jordan_near_the_border_with_syria_getty-2

في غرفة الاجتماعات قرر أن يجتمع المدير بأحد موظفيه، ليراجع عمل الموظف برفقة الموارد البشرية، كان المدير مدفوع بدافع شخصي لإزالة هذا الموظف عبر مضايقته لمدة شهور، وغالبًا لتوظيف أحد أقربائه بدلًا منه، بعد نقاش دام لعشرين دقيقة، ادعى المدير الذي يرائي بأنه يعمل باحتراف ووفق معايير الإدارة التي تضعها مؤسسته أن أي شخص يمكن أن يعمل مكان هذا الموظف وأن وجوده لم يعد له أي داعٍ.

هذا مشهد ربما إن لم أشاهده إلا في مؤسسة واحدة، إنما أنا على يقين أنه يتكرر في أغلب المؤسسات السورية التي تتخذ من مدينة غازي عينتاب التركية والقريبة من الحدود السورية مقرًا لها، المدينة التي يتواجد بها العشرات من مؤسسات المجتمع المدني المرخصة وغير المرخصة، والتي تعتاش غالبًا على أزمة الشعب السوري، الأمر الذي دفع السلطات التركية لجولات تفتيش على تلك المؤسسات وذلك تحت بند مكافحة الإرهاب وخشية من إيصال الأموال عن طريق هذه المؤسسات للمنظمات التي تُصنف إرهابية داخل سوريا كـ “جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية”.

من ضمن العشرات من المؤسسات السورية، القليل من يعمل بصدق ويوصل عمله لعمق الأراضي السورية، إذ بعد انسحاب سلطات النظام من مساحات واسعة، وفي ظل غياب سلطة بديلة تقوم هذه المؤسسات بتأمين عدد من الاحتياجات الرئيسية للداخل السوري، منها ما هو قائم على الإغاثة وتوزيع السلل التي تحتوي على المواد الغذائية، ومنها ما ينفذ مشاريع تساهم في استمرار عجلة الحياة كتعبيد الطرق أو ترحيل النفايات أو توفير مياه الشرب أو حتى تأمين الكهرباء.

ويقوم تمويل هذه المؤسسات على التبرعات، حيث تتسابق فيما بينها على إرضاء الداعم الأجنبي (غالبًا)، وتعمل وفق هواه لا وفق هواها ومبادئها التي وضعتها في بدايات التأسيس، حتى أن الأمر دفع إحدى المؤسسات لتغيير شعارها بحجة الحيادية وخشيةً من أن تُحسب على طرف الثورة مما قد يؤدي لانقطاع تمويلها، ومؤسسة أخرى غير بعيدة عنها سارت على هوى الدعم وقررت أنها لم تعد تعترف بسمى “الثورة السورية” لأن الداعم أملى عليها ذلك، وهي التزمت بالأمر وإلا سيختار مؤسسة أخرى من ضمن الخيارات الكثيرة المتوفرة لديه.

تلجأ المؤسسات الأجنبية والتي تعد الداعم الرئيسي لأن تتعاقد مع مؤسسات سورية مسجلة في تركية لعدة أسباب، منها أن هذه المؤسسات غالبًا لا تود المخاطرة بحياة موظفيها بإرسالهم للداخل السوري، حيث قد يتعرضون للموت جراء الأوضاع المتدهورة، أو للخطف من قِبل فصيل ما، وهذا أمر تكرر في وقت سابق مثلما حصل مع عامل الإغاثة البريطاني ديفيد هينز، الذي احتجزه تنظيم الدولة مطلع عام 2013 وأعدمه في سبتمبر 2014 ذبحًا بالسكين ردًا على دخول بريطانيا في التحالف الذي يستهدف التنظيم على الأراضي السورية والعراقية.

لهذه المؤسسات الكثير من السلبيات والتي أبرزها أنها غالبًا ما تقوم على توظيف الأقرباء والمعارف حتى يستفيد أكبر قدر منهم، كما أن الوساطة والمحسوبية تلعب دورها، علاوة عن ذلك تبلغ قيمة الرواتب داخلها ما يعادل رواتب الشركات التجارية التي تعمل في البلدان المستقرة، وهذا أمر دفع كثير من الشبان الذين كانوا يعملون في شركات أو منظمات يهيمن عليها النظام السوري للانتقال لتركيا للعمل ضمنها، وبالطبع هذه المؤسسات تقبل بهم وتبديهم على غيرهم بسبب خيار المحسوبية، وبسبب إملاء الداعم عليها بالحيادية إذ إن عليها أن توظف من جميع “فئات الشعب السوري” بعيدًا عن رأيه أو عرقه.

القليل من الإيجابيات ربما توفرت ضمن هذه المؤسسات حيث كانت المحطة الثانية للشباب السوري بعد خروجه من البلاد، أحمد وحسام من الشباب الطموح لخدمة الداخل السوري، حيث كانا يعملان ضمن إحدى المؤسسات إلى أن استفحلت الأمور معهما وقررا مغادرة الوظيفة، إما لتعنت الإدارة ولشدة تحكميتها، أو للمحسوبية التي تبدي موظف على آخر فقط لأن غيره يمتلك الشهادة، في حين أن هذه المؤسسات لم تراع ظروف الشباب السوري وتركه للجامعات والتعليم نظرًا لأن أغلبه أصبح مطلوبًا من قِبل أجهزة الأمن.

ناهيك عن كل هذا وذاك، بات المدير في بعض هذه المؤسسات يتبع سياسة “التطفيش” غالبًا لتوظيف أقرباءه وهذا أمر ينجح نظرًا لأن كل مفاتيح المؤسسة بين يديه.

المؤسسات السورية وعدم توافر فرص العمل بشكل دائم والرواتب غير العادلة، كانت سببًا لأن يتخذ حسام وأحمد وغيرهم ممن لا أعرفهم قرارًا بركوب البحر والهجرة نحو أوروبا، مصحوبين بإحباط مما شاهدوه وقاسوه في تلك المؤسسات، وبرغبة في حياة كريمة واستكمال مستقبل كانوا يحلمون به، للأسف الشديد بشار الأسد نجح في تهجير معظم هؤلاء الشباب، واستكملت هذه المؤسسات دوره في ذلك.