ترجمة وتحرير نون بوست
بعد ساعات من تأدية رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس لليمين القانونية التي تخوله تسلم مقاليد الحكم في 23 سبتمبر، شن مستخدمو تويتر حملة احتجاجات عارمة على تعيينه لأحد الوزراء، ديمتري كامينوس، التابع للحزب اليميني المضاد للتقشف، حزب اليونانيين المستقلين، تبعًا لنشر الأخير لتصريحات تنم عن كراهية المثليين، معاداة السامية، والعنصرية، على حسابه في تويتر.
في غضون ساعات، تم عزل كامينوس من منصبه، مما جعل فترة ولايته إحدى أقصر فترات تسلم المناصب في التاريخ السياسي اليوناني الحديث، ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق حول الحادث لا يتمثل بتغريدات الوزير السابق العنصرية، بل في حقيقة إن وجهات النظر الرجعية اكتسبت شعبية عارمة في اليونان التي تعصف بها الأزمات، خاصة في المناطق التي يصل إليها المهاجرون بأعداد كبيرة، حيث يلوح الآن خطر حقيقي في الأفق يتمثل باطراد شعبية هذه الآراء بشكل مستمر.
في كوس وليسبوس، الجزيرتان اللتان تمثلان المركز الرئيسي لأزمة اللاجئين، تضاعفت حصة الحزب النازي الجديد، حزب الفجر الذهبي، من الأصوات، وتجاوزت الـ10% في بعض الأماكن، وفي ظل غياب عمل المؤسسات الحكومية في اليونان، والغياب التام لأي سياسة جماعية صادرة عن الاتحاد الأوروبي لمعالجة الأزمة، تكاتف هذان العاملان لخلق الظروف الملائمة التي تحتاجها الأيديولوجيات المفعمة بالكراهية للنمو، وفي الوقت الذي كانت فيه السلطات المحلية تنتظر رد فعل الحكومة المركزية، ومع انتظار الحكومة اليونانية للاتحاد الأوروبي ليشكل إجماع آراء حول تزايد موجات الهجرة التي غمرت الجزر، استغل النازيون الجدد هذا الوضع لنشر كراهيتهم.
شهدت جزيرة كوس، الجزيرة اليونانية التي يطغى عليها تدفق اللاجئين، تصاعدًا في نفوذ النازيين الجدد، حيث أعرب لي أصحاب المحلات علنًا عن آرائهم الساخطة والمعادية للأجانب، واشتكت امرأة، تبلغ من العمر 50 عامًا، قابلتها في الميناء، من أن المهاجرين قذرين، وأن الإسلاميين المتطرفين يختبئون ضمنهم، حيث قالت “بعد فترة قريبة، سيصبح اليونانيون أقلية في الأرض”، وبعد بضعة أيام أصدر حزب الفجر الذهبي شريط فيديو يظهر ثلاثة أطفال يدعون الناخبين لدعم حزب الفجر الذهبي، والحفاظ على بقاء اليونان لليونانيين، وحثهم على ألّا يصبحوا أقلية في بلادهم، متناسين بأن جميع طالبي اللجوء تقريبًا يغادرون كوس بمجرد أن تسمح لهم الشرطة بالمضي قدمًا.
الانتخابات اليونانية التي حصلت في 20 سبتمبر، زودت حزب سيريزا بولاية متجددة، ولكنها عملت أيضًا على تعزيز جو التشكك السياسي، حيث وصلت نسبة الامتناع عن التصويت في هذه الانتخابات إلى 44%، للمرة الأولى في التاريخ اليوناني الحديث، علمًا أنه في عام 2004، أدلى 76% من اليونانيين بأصواتهم وامتنع 24% فقط عن التصويت.
هذه الظروف تمثل الجو المثالي لازدهار ونمو الأحزاب والمنظمات التي تتشابه بأيديولوجياتها مع حزب الفجر الذهبي، علمًا أن هذا الحزب كان أيضًا من بين الأحزاب الفائزة في انتخابات يوم الأحد، من خلاله حصوله على 7% من مجمل الأصوات على المستوى الوطني.
حقيقة مثول 69 شخصًا، من بينهم جميع المسؤولين الإداريين لحزب الفجر الذهبي، أمام المحاكم منذ أبريل 2013 لاتهامهم بتنفيذ هجمات عنيفة، بما في ذلك حادثة اغتيال بافلوس فيساس مغني الراب اليوناني المناهض للفاشية في عام 2013، لم تؤدِ إلى إحجام الناخبين عن جعل هذا الحزب ثالث أكبر حزب في البلاد.
قبل ثلاثة أيام فقط من الانتخابات، صدم فوهرر حزب الفجر الذهبي، نيكوس ميخالولياكوس، الجمهور اليوناني مرة أخرى عندما اعترف علنًا بمسؤولية حزبه السياسية عن اغتيال فيساس، وهذا الاعتراف لم يكن خطأ أو هفوة سياسية، بل إستراتيجية منظمة تهدف ليقدم نفسه وحزبه كمناهضين لمؤسسات الدولة، ومع اقتراب الانتخابات، تصاعدت المظاهر الاستفزازية لميخالولياكوس، حيث ظهر على شبكة الإنترنت فيديو قديم يعترف ضمنه وبكل فخر بأن أعضاء الفجر الذهبي هم الأحفاد الفعليين للمتعاطفين مع النازية، وفي يوم الانتخابات ذاته، تنبأ ميخالولياكوس بأن حزبه سوف يزداد قوة نتيجة للحرب التي شنها النظام ووسائل الإعلام ضده، في تلميح لاستبعاده عن المناقشات الرسمية التي سبقت الانتخابات.
ميخالولياكوس كان يعلم بأن سياسة الاستفزاز ستؤتي أكلها عند التماس الأصوات من المواطنين المشوشين والمتشككين، فالتلاعب بمشاعر الناس هي الإستراتيجية التقليدية التي ينتهجها حزب الفجر الذهبي، والتي يبدو بأنها تحقق المطلوب منها.
في منطقة بيريوس حول ميناء أثينا الضخم، وهو المكان الذي اغتيل فيه فيساس، ازدادت حصة حزب الفجر الذهبي من الأصوات من 7% إلى 8%، علمًا أن 16% من الطبقة المؤيدة لهذا الحزب، هم من الشباب والعاطلين عن العمل، وفي مناطق مثل إقليم بيلوبونيز في الجنوب، وهو المعقل التقليدي للملكيين السابقين، ومعقل المتعاونين مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، كوفئ الحزب بحصوله على عدد من الأصوات يفوق المتوسط الوطني.
وأخيرا وليس آخرًا، تحولت أصوات قوات الشرطة اليونانية مرة أخرى لتدعم حزب اليمين المتطرف، حيث أظهر استطلاع لمراكز الانتخابات التي تقع بالقرب من مقار الشرطة، بأن 15% من أصوات هذا المراكز ذهبت لصالح الفجر الذهبي، ويقدر محللو الانتخابات بأن النازيين الجدد، الذين يروجون لأنفسهم باسم “حزب النظام”، تلقوا أكثر من 40% من أصوات عناصر الشرطة، استنادًا لعدد عناصر الشرطة مقارنة بعدد السكان في تلك المناطق.
والآن، وبعد أن قضى العديد من سياسيي حزب الفجر الذهبي أكثر من 18 شهرًا بالاعتقال على ذمة المحاكمة، يستعد هؤلاء لإطلاق سراحهم، بغية العودة إلى الحياة العامة، مدعومين بنتائج انتخابات الأسبوع الماضي.
رغم أن حزب سيريزا فاز في الانتخابات، إلا أنه فشل في الحفاظ على ارتباطه مع حركة المناهضة الشعبية للتقشف التي غمرت شوارع اليونان وأعطت الحزب دفعة شعبية هائلة في عام 2012؛ حيث إن فشل سيريزا في توسيع قاعدته الشعبية، بالتلازم مع ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت، ترك فجوة واسعة بين القادة السياسيين والمجتمع المحبط.
يوجد اليوم تحرك كبير يسعى لوقف الأفكار الفاشية والعنصرية من الانتشار، ولكن حصة حزب الفجر الذهبي من الأصوات تنمو وتتسع على المستوى الوطني، والمتعاطفون مع هذا الحزب قد يتجهون في نهاية المطاف لسد هذه الفجوة، وإذا حصل ذلك على أرض الواقع، فسيصبح من الصعب على نحو مطرد تطهير المجتمع اليوناني من أفكارهم السامة والفاسدة.
المصدر: نيويورك تايمز