أقدمت أجهزة الأمن الفلسطيني في الضفة الغربية موخرًا على قمع عدد من الفعاليات والمظاهرات المنددة باقتحام المسجد الأقصى من قِبل جيش الاحتلال وعدد من المستوطنين.
ذروة القمع كانت في جنين حيث أقدمت قوات السلطة على إطلاق النار على المتظاهرين والمحتجين، الجديد هذه المرة أن عدد من شباب الفصائل الفلسطيية في جنين ردوا على أجهزة السلطة بالسلاح وبإطلاق النار وهو أمر مستجد ويعتبر تصعيد غير مسبوق في وجه السلطة في الضفة الغربية.
أيًا كان الموقف من السلطة الفلسطينية في الضفة ومن محمود عباس ومن الدور الذي يلعبه الآن، إلا أنه ليس من الصعب الاستشراف بأن حقبته كما حقبة السلطة بشكلها الحالي قاربت على النهاية.
جاءت السلطة الفلسطينية سنة 1993 إثر اتفاقية أوسلو حاملة لمشروع المفاوضات الذي عول عليه البعض لقيام دولة فلسطين، هذا المشروع السياسي بما له وما عليه بررت به السلطة القمع وتفكيك المقاومة وضرب كل صوت معارض حتى للسياسات الداخلية بحجة أن المسار التفاوضي بحاجة للحماية ممن يريدون إفشاله ويعملون على تعطيله.
ليس من الصعب اليوم الجزم بأن مسارات المفاوضات المختلفة والمتعددة التي قادتها السلطة منذ أن تأسست إلى يومنا هذا أي لمدة أكثر من 20 سنة لم تأت بشيء، كما ليس من الصعب أن نقول إن ذات المسارات زادت الطين بلة وسمحت للاحتلال بالتمادي وبمزيد من الاستيطان والعدوان إلى أن وصل الأمر إلى الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى التي نراها اليوم.
فشل مسار المفاوضات وتوقفها يعني عمليًا أن السلطة الفلسطينية اليوم بدون أي مشروع سياسي ولا تملك ما تقدم للفلسطيني كمبرر لقمعها للمظاهرات التي تقوم ضد الاحتلال في الضفة خاصة وأنه ليس هناك مفاوضات تدور الآن ولا محادثات يمكن أن يعكر صفوها أي عمل مقاوم، وبالتالي من الطبيعي أن يتساءل الناس لماذا تقمع سلطة عباس المظاهرات ولماذا تستمر في سياسة تفكيك المقاومة والاصطدام مع جماهير الضفة؟ أي أننا اليوم أمام قمع بدون غطاء وبدون مبرر سياسي، هذا إن لم نكن أمام سلطة مشروعها اليوم قمع جماهير الضفة والحيلولة بينها وبين الانتفاضة خاصة وأن الفلسطيني اليوم لم يعد يترقب نتائج مفاوضات ولا مخرجات محادثات سلام.
ولعل ما يفوت عباس هنا أن أي سلطة عندما لا تملك ما تقدم ولا هي حاملة لأي مشروع سياسي أو مجتمي أو تحرري بالنسبة للحالة الفلسطينية فإن عدها التنازلي يبدأ وبأسرع مما تتوقع مهما كانت عصاها سميكة وغليظة.
نظام مبارك في مصر سقط بعدما أفلس سياسيًا وأصبح شغله الشاغل ومشروعه هو توريث الحكم لابنه جمال لا أكثر، لم تحل ترسانته القمعية بينه وبين السقوط، كذلك كان الأمر لنظام بن علي.
العصى وحدها لا تكفي للبقاء في الحكم وللاستمرار فيه، خاصة بعدما رأت الجماهير حكام كنا نعتقد أنهم أزليون يتهاوون الواحد تلو الآخر، ولم تنجهم “الإرادة الدولية” التي ركنوا إليها أمام إرادة الجماهير في التحرر والانعتاق.