برغم التواجد الروسي العسكري القديم في سوريا، من خلال القاعدة العسكرية البحرية في طرطوس، إلا أن الخطوة الروسية القوية والمفاجئة أربكت الحسابات والتوازنات في القضية السورية، بسبب جرأتها، فعلى مدار الصراع الدائر في سوريا لم يتحرك أي لاعب إقليمي أو دولي عسكريًا بهذا الشكل كما فعل الروس في الآونة الأخيرة.
وكان الارتباك جراء الخطوة الروسية بسبب التطور الكبير والمفاجئ في دعم نظام الأسد – من تقديم الاستشارات العسكرية والخبرات، إلى المشاركة العسكرية الفاعلة -، وبروز المصلحة المشتركة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في بقاء النظام، بل تطور الأمر لتنسيق الجهود للعمل الميداني في بعض القضايا، وكيف أن هذا التنسيق قد يحرج حليف الأسد الرئيس المتمثل في إيران ووكيلها في المنطقة تنظيم حزب الله اللبناني، اللذان يجاهران بالعداء لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
لا شك أن القرار الروسي بالمخاطرة والتدخل في سوريا وبذل الجهود فيها؛ إنما يهدف لاستغلال الفراغ الناتج عن تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط،، أي أن الخطوة الروسية لن تقف عند الحدود السورية، وربما ستطور لأبعد من ذلك، فإن أخذنا بعين الاعتبار المصلحة المشتركة مع إيران في بقاء نظام الأسد، فإننا قد نرى تعاونًا روسيًا – إيرانيًا في ملفاتٍ أخرى تحمل نفس الهم، فإيران وروسيا تعانيان جراء تراجع أسعار النفط العالمية، والتي نتجت عن استمرار المملكة العربية السعودية في ضخ النفط بكميات كبيرة في السوق العالمية.
في هذه الحالة، ونتيجةً للتبعات المالية الكبيرة على الاقتصاد الروسي نتيجة التدخل في سوريا وعدم قدرة نظام الأسد على تسديد تلك الديون، فإننا قد نرى تحركًا روسيا تجاه المملكة لإرباكها في مختلف ساحات اهتمامها – اليمن، العراق، سوريا – لفرض الضغوط عليها كي تتراجع عن سياستها النفطية.
ومن جانب آخر، تعمل روسيا من خلال خطوتها الأخيرة إلى خلق التأثير والنفوذ في الشرق الأوسط – باعتباره ملعب الكبار – ليساعدها ذلك على استعادة مكانتها في الساحة الدولية، التي فقدتها جراء الأزمة الأوكرانية، وهذا ما وضحه فيودور لوكيانوف رئيس مجلس السياسات الخارجية والدفاع الروسي بقوله: “سوريا والشرق الأوسط عمومًا من المشكلات التي تجتذب الاهتمام العالمي، وبالتالي نحاول العودة إلى هناك لكي نكون لاعبين ناشطين”.
لذا، فإن نظام الأسد والمصالح الإيرانية تحوّلا من حلفاء إلى “رهائن” للأهداف الجيوسياسية للنظام الروسي وطموحه الدولي، فهو من أنقذهم من الأوحال السورية والخسائر المتتابعة.
وبالإضافة إلى أن التحرك الروسي في سوريا سيؤثر على قدرة المعارضة السورية المسلحة من تهديد عرش الأسد، فإنه سيتحكم في تحركات حزب الله، خصوصًا في مناطق الاهتمام الروسي، مما سيعطي النظام الروسي مزيدًا من أوراق اللعب في المنطقة التي تتشابك فيها المصالح والأزمات.
فالآن يمكن للروس السماح لطيران الاحتلال الإسرائيلي باستخدام المجال الجوّي السوري، وقصف المواقع التابعة لما يسمى بتنظيم داعش، وليس ذلك فقط بل وقصف مواقع حزب الله ومخازن أسلحته وطرق إمداده في سوريا إن تطلبت المصلحة الإسرائيلية – الروسية، كما أنه يستطيع بالاتفاق مع أوروبا أن يجبر الأسد على إجراء انتخابات والتعامل مع المعارضة السورية في الخارج، حتى أولئك الذين يعارضون التدخل الإيراني في سوريا.
لكن المهم الآن، كيف سيبرر النظام الإيراني تعاونه مع روسيا في ظل مصالحها المشتركة مع إسرائيل؟ وهل سيدفع ذلك التعاون النظام الإيراني -بعد تخفيف أعباء الحرب في سوريا – لمزيد من التحرك في الساحة اليمنية وغيرها من ساحات الاشتباك الإقليمية؟
يمكننا القول إن المنطقة مقبلة على مزيد من التوترات والتدخلات الإيرانية والروسية التي تهدد أمنها واستقرارها، خصوصًا بعد تشكيل غرفة عمليات رباعية في بغداد تضم روسيا، العراق، سوريا، وإيران، ولن يكون التحالف السعودي التركي القطري ومصالحه بعيدًا عن الاستهداف.