تواجه الحكومة الإيرانية عجز في تأمين مصادر الإعانات النقدية التي تعطيها للمواطنين الإيرانيين حيث لا تستطيع الحكومة تأمين أكثر من 58% من مصادر تمويل. تخصص الدولة الإيرانية 35 ألف مليار ريال للإعانات النقدية و لكنها اليوم تواجه عجز في تأمين 10 ألف مليار ريال (أي 400 مليون دولار). حسب السيناريوهات التقليدية, لدي الحكومة الإيرانية و البرلمان ثلاث خيارات لمواجهه الأزمة و هي : تقليص الدعم جزئياً أو كلياً أو رفع أسعار حوامل الطاقة أو طبع المزيد من الأوراق المالية و لكن في هذه الحالة سيزيد من التضخم الذي انخفض إلي 36.2% بعد أن بلغ 42% في مارس الماضي. يطرح الخبراء الاقتصاديون في إيران أربعة خيارات للخروج من الأزمة :
1- الخيار الأول : قطع الإعانات النقدية عن 30% من متقلي الدعم ممن يتمتعون بدخول عالية و ليسوا في حاجة للإعانات (الطبقة العليا و الشريحة العليا من الطبقة الوسطي). لكن في حال الاتجاه نحو تطبيق هذا الخيار فأن الحكومة تواجه مشكلة عدم وجود آليات احصائية كافية تستطيع أن تقدم معلومات صلبة عن دخول الشرائح العليا خاصة في حالة التجار المتوسطين و الكبار و المستثمرين في ظل تداخل نشاطاتهم في قطاعات اقتصادية رسمية و غير رسمية , كما أن نشاطهم الأساسي يظهر كمشكلة فهل التجار و المستثمرين مسجلين كعاملين في القطاع الخاص أم موظفين حكوميين منخرطين في القطاع الخاص؟. إذا كانت الحكومة قادرة علي إحصاء دخول موظفيها فأنها لا تستطيع معرفة نشاطاتهم التجارية من خلال سجلاتها و من ثم فأنها بهذه الطريقة لا تستطيع تحديد بدقة المنتمين إلي الطبقات الوسطي من المنتمين للشرائح العليا. في هذه الحالة هناك اقتراحات بإمكانية تحديد مستوي متلقي الإعانات – بشكل غير دقيق – من خلال المناطق التي يسكنوا فيها , سياراتهم و حساباتهم البنكية.
2- الخيار الثاني : تقليص حجم الإعانات النقدية بالنسبة لجميع متلقي الدعم بنسبة 40%. نظراً لما سيلحقه تقليص الدعم من اثار اجتماعية و اقتصادية خطرة علي الشرائح الدنيا و الوسطي فأن الحكومة الإيرانية تستبعد هذا الخيار.
3- الخيار الثالث : رفع أسعار حوامل الطاقة (الغاز و وقود البنزين و الديزل) علي جميع مستويات الاستهلاك. علي الرغم من أن هذا الاتجاه سيؤدي إلي ترشيد الاستهلاك المرتفع للطاقة في إيران إلا أنه سيزيد من حالة التضخم التي يعاني منها الاقتصاد.
4- الخيار الرابع : وضع معدل وسط للاستهلاك ترفع من بعده الحكومة أسعار حوامل الطاقة بالنسبة للمواطنين الذين يتجاوز استهلاكهم المعدل الوسط.
المحاولات الأولي لحل الأزمة
أدخلت إيران المرحلة الأولي من خطة إصلاح الدعم إلي حيز التطبيق في ديسمبر 2010حيث رأت حكومة أحمدي نجاد أنها خطوة ضرورية لتخفيف العبء عن كاهل الحكومة و تحقيق توزيع أفضل للدخول. لكن تبعاً لتغيير أدخلته الحكومة علي الخطة عدلت بموجبه أسعار الوقود و رفعت الدعم جزئياً عن السلع الغذائية لتجمع 40 مليار دولار و تعيد توزيعها بشكل الآتي : 80% لمتلقي الإعانات النقدية (63 مليون مواطن) , 20% للصناعات المتضررة (تحقق الدعم جزئياً).
يُشار إلي أن تطبيق المرحلة الأولي من الخطة قد عزز من القدرة الشرائية للطبقات و الشرائح الدنيا (30% من المجتمع) و لكنها من ناحية أخري أثرت سلباً علي الطبقة الوسطي حيث فقد الإيرانيون ما يقرب من 500,000 – 700,000 وظيفة في القطاع الزراعي, كما افلست عدد كبير من المشروعات الصناعية في ظل غياب خطة منظمة لدعم القطاع الصناعي.
حسب تقرير للبنك المركزي الإيراني لإحصاء متوسط إنفاقات الأسرة الإيرانية بين مارس 2011 إلي مارس2012(عام 1390 في التقوم الإيراني) فأن متوسط إنفاقات الأسرة الإيرانية قد ارتفع ارتفعاً ملحوظاً مقارنة بإنفاقاتها من مارس 2009 إلي مارس 2010 (عام 1388) حيث كان لا يزال نظام الدعم القديم يعمل وقتها قبل تطبيق حزمة الإصلاحات. زادت الإنفاقات بين عامي 1388-1390 (حسب التقويم الإيراني) بنسبة 38.9% علي جميع الأصعدة (السلع الغذائية – التعليم – الصحة – الاتصالات – المواصلات).
طبقاً لتقرير نشرته صحيفة دنياي اقتصاد الإيرانية, عانت الأسرة الإيرانية في العام 1390 من عجز سنوي في المصروفات بلغ 6.73 مليون ريال (600 دولار حسب سعر الصرف الجديد) و هو ما يعني أن التضخم يقلص من مدخرات الأسرة الإيرانية بسبب سوء الإدارة الاقتصادية.
سوء الإدارة الاقتصادية
إذا كانت الانحيازات الاجتماعية و الاقتصادية لسياسات أحمدي نجاد قد اتجهت نحو إعادة توزيع الثروة لصالح المهمشين و الفقراء فلماذا أدت سياساته الاقتصادية إلي إفقار شرائح الطبقة الوسطي ؟.
في اكتوبر 2000 أسس الرئيس محمد خاتمي صندوق النفط لتثبيت الاقتصاد (OSF) بهدف إعادة توجيه عائدات صادرات النفط بحيث لا تستخدم جميعها في الإنفاق الحكومي. حسب نظام الجديد آنذاك, كان للصندوق نصيب من فوائض عائدات النفط لإستثمارها في المشروعات الاستراتيجية و دعم القطاع الخاص للإسهام في النمو الاقتصادي. نتيجة العقوبات القاسية التي فرضتها القوي الغربية و انخفاض عائدات النفط, اتجه أحمدي نجاد لأخذ اموال الصندوق لمعالجة الآثار السلبية التي تركتها المرحلة الأولي من خطة إصلاح الدعم في 2010. في بداية عام 2011 نشرت وسائل الإعلام الإيرانية تقارير عن خواء خزانة الصندوق بعد ما سلم خاتمي لأحمدي نجاد في يوليو 2005 في خزانة الصندوق ما يقرب من 14 مليار دولار.
من أجل إبعاد الحكومة عن استخدام فوائض عائدات صادرات النفط الموجهه, تم تأسيس الصندوق الوطني للتنمية (NDF) عوضاً عن صندوق النفط. حسب النظام الجديد, قُدر لخزانة الصندوق بأن تتلقي علي الأقل 20% من عائدات صادرات النفط و الغاز لإستثمارها في مشروعات طويلة المدي , و حسب اللائحة يقدم الصندوق قروض مُيسرة لمؤسسات القطاع الخاص و المؤسسات الخاصة التشاركية (التي لا تزيد الشراكة الحكومية فيها عن 20% و إلا اعتبرت حكومية).
هناك من يشير إلي تضمن عمل الصندوق لمظاهر فساد. يقوم الصندوق بإعطاء القروض للمتقدمين علي أساس تقييمات أولية تقوم بها بنوك متصلة بالصندوق (تبلغ 18 بنك حكومي و خاص), مع تصديق البنك للمشروع بعد دراسة جدوي تتلقي المؤسسة القرض. في بلد كإيران تُجري فيها مثل هذه الإجراءات تلعب المحسوبية دوراً في تحديد أي من المؤسسات تستحق تلقي القروض و من التي لا تستحق بناء علي حسابات ايدولوجية.
حسب التقارير الرسمية, تلقي صندوق التنمية الوطنية ما يقرب من 54.6 مليار دولار. بينما تشير التقارير الرسمية إلي أن 23.4 مليار اقرضهم الصندوق, يشير نائب مدير الصندوق غلامرضا زرادشتي إلي أن الصندوق اقرض 34.7 مليار دولار. تبقاً لتصريحات زرادشتي اقرض الصندوق 105,000 مليار ريال (4.2 مليار دولار حسب سعر الصرف الحالي) بينما كان من المفترض أن يُقرض الصندوق مشروعات القطاع الخاص بالعملة الصعبة بفائدة سنوية تبلغ 5% للمشروعات في المناطق الفقيرة بالإضافة إلي المشروعات الاستراتيجية, اعطي الصندوق قروض بالريال عوضاً عن الدولار بفائدة تبلغ 13%.
تشير التقارير الرسمية إلي أن 367 مشروع تلقي قرضاً (67% بالعملة الصعبة و البقية بالريال) و أن 82,000 وظيفة تم ايجادها من خلال هذه المشروعات. لكن طبقاً لعدد من الدراسات, يُكلف خلق وظيفة ثابته في القطاعات الاقتصادية التقليدية استثمار 10,000 دولار و متوسط تكلفة خلق وظيفة ثابته في القطاعات الصناعية المُكلفة حوالي 50,000 دولار. بناء علي ذلك كان من المفترض أن يجلب استثمار 23 مليار دولار علي الأقل 460,000 وظيفة و هو ما يعني أنه هناك سوء إدارة أو فساد مالي.
يُشار إلي أن هناك العديد من العاملين في القطاع الخاص ممن تقدموا بمشروعات للصندوق لم يتلقوا أي قروض في العامين الماضيين. تتجه اصابع الإتهام إلي خضوع الصندوق لشبكات نفوذ خصصت القروض للدوائر القريبة من السلطة , بالإضافة إلي تحويل الصندوق إلي تمويل المشروعات الضخمة (شركات النفط الحكومية) عوضأ عن التركيز علي مشروعات القطاع الخاص الصغيرة المتوسطة ليعمل الصندوق كداعم لجهود الحكومة في القطاع العام و هو ما يضع علامة استفهام حول أهداف الصندوق و مدي رغبته في دعم المشروعات التي تستهدف رفع مستوي الشرائح الدنيا و دعم الطبقة الوسطي في عهد الرئيس أحمدي نجاد.
سيكون علي الإدارة الإيرانية الجديدة الاتجاه نحو الدعم الفعال للمشروعات الصغيرة و المتوسطة علي المدي الطويل لرفع مستوي الشرائح الدنيا و تعزيز شرائح الطبقات الوسطي مع إعادة هيكلة الدعم و توجيهه لصالح الشرائح الدنيا. لكن لكون روحاني يعتمد علي شرائح الطبقات الوسطي كقاعدته الشعبية فأنه ليس من المرجح أن يخاطر بزعزعة مصالحها بأخذ خطوات جدية لإعادة توزيع الثروة لصالح المهمشين. ستتضح الانحيازات الاجتماعية و الاقتصادية للإدارة الجديدة من خلال الخطوات التي ستتخذها فهل ستتجه لتبني سياسات إفقار أم سياسات داعمة للعدالة الإجتماعية و إعادة توزيع الثروة لصالح المهمشين ؟.